في عام 1947، اختبر سيدني فاربر، الطبيب الشرعي الذي كان يعمل في مختبر مستشفى صغير في بوسطن، مجموعة من «مضادات الفيتامينات» على أطفال يعانون سرطانا مزمنا. وهذا أصبح العلاج الكيماوي الأول، الذي أوجد خيارا يتجاوز الجراحة أو العلاج الإشعاعي الذي يمكن أن يهدد الحياة. بعد سبعة عقود من ذلك، يقول أطباء إن وصول عقاقير "تحفيز جهاز المناعة" التي تقوم بتحويل الجسم إلى سلاح ضد مرض السرطان يمكن أن يتبين أنه أكثر ثورية حتى من ذلك. شركتا الأدوية، بريستول مايرز سكويب وميرك، تقومان منذ الآن ببيع عقاقير تحفيز جهاز المناعة، والشركات المنافسة، روش وأسترازينيكا وفايزر وعدد من مجموعات أصغر في مجال التكنولوجيا الأحيائية تقوم بتجربتها في العيادات. يقول روجر بيرلموتر، رئيس قسم الأبحاث في ميرك، التي تقوم بصناعة عقار كيترودا، وهو واحد من العقاقير الرائدة في تحفيز جهاز المناعة: "هناك شعور متزايد في مجتمع الأورام بأن التلاعب بجهاز المناعة قد يتبين أنه علاج أكثر أهمية بكثير من مما كان عليه العلاج الكيماوي - ربما الأكثر أهمية على الإطلاق". في الوقت الحالي، شركة بي إم إس وشركة ميرك من الولاياتالمتحدة هما الشركتان الوحيدتان اللتان تمت الموافقة على عقارهما الذي يسمى "مثبطات بي دي 1" لعلاج سرطان الجلد. هذه الأدوية تستهدف بروتينا معروفا باسم "بروتين الموت المبرمج"، الذي يقوم بإيقاف جهاز المناعة عن مهاجمة السرطان. كذلك تمت الموافقة على مثبط بي دي 1، أوبديفو، الذي تصنعه شركة بي إم إس في نوع واحد من حالات سرطان الرئة المتقدم، وتمهد بيانات سريرية تم كشفها بالأمس، الطريق أمام الدواء ليتم استخدامه على المرضى الذين يعانون نوعا آخر، أكثر شيوعا. حجم الفرصة ضخم. ويقدر محللون أن ذروة المبيعات السنوية لعقاقير تحفيز جهاز المناعة سوف تصل إلى مقدار يراوح بين 35 و40 مليار دولار خلال العقد المقبل. كريس شوت، المحلل في جيه بي مورجان، يتوقع فرصة مبيعات تزيد على عشرة مليارات دولار سنويا في علاج سرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة وحده، مع نحو 44 في المائة منها تذهب إلى شركة بي إم إس، ونحو الثلث إلى شركة ميرك. وفي حين أن الأطباء والعلماء يشعرون بالابتهاح من النتائج التي تم تحقيقها حتى الآن، إلا أن كثيرا منهم يعتقد أن الأفضل لم يأت بعد. وتشير بيانات سريرية إلى أن المرضى يمكن أن يستفيدوا من الجمع بين عقارين أو أكثر من عقاقير تحفيز جهاز المناعة. وهذا يمكن أيضا أن يقوم بتعزيز شركة بي إم إس، التي يوجد لديها عقار آخر أقدم لتحفيز جهاز المناعة، ييرفوي، الذي يستهدف بروتينا معروفا باسم CTLA-4. وينتظر المساهمون بشغف نتائج تجربة سريرية كبيرة في مرحلة متأخرة، من المتوقع أن يتم الكشف عنها اليوم، باستخدام مزيج من ييرفوي وأوبديفو على مرضى سرطان الجلد. وكانت تجربة سابقة قد أشارت إلى أن الجمع بينهما كان فعالا، وإن كان مع زيادة ملحوظة في عدد المرضى الذين يعانون آثارا جانبية خطيرة. وهناك شركات أدوية أخرى تصطف للاستفادة من الفرصة. فاميل ديفان، المحلل في كريدي سويس، يعتقد أن شركة روش ستتفوق قريبا على شركة ميرك، مثلا، لأن الشركة السويسرية تملك فريق مبيعات أفضل في مجال الأورام. عقار تحفيز جهاز المناعة الذي تصنعه شركة روش، "مضاد بي دي إل 1" الذي يعمل وفق آلية مختلفة عن العقاقير الموجودة من قبل في السوق، لا يزال يجري اختباره. لكنه حصل على "مكانة طفرة قوية" من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج سرطان الرئة وسرطان المثانة، وهو أمر يفترض أن يعمل على تسريع الموافقة عليه. شركة ميرك كيه جي آي آي الألمانية وشركة فايزر تتشاركان أيضا في تطوير عقار بي دي إل 1، في حين أن شركة أسترازينيكا تقوم بتجربة مجموعة صغيرة من عقاقير تحفيز جهاز المناعة الواعدة. وحتى وقت قريب، واحد من الأسئلة الأكثر إلحاحا حول عقاقير تحفيز جهاز المناعة كان ما إذا كانت العقاقير ستنجح في علاج سرطانات أخرى غير سرطانات الرئة والجلد. لكن البيانات السريرية التي تم نشرها في اجتماع الجمعية الأمريكية للأورام السريرية هذا العام تشير إلى أن العقاقير تعمل في مجموعة أوسع من الأورام، بما في ذلك الكبد والمثانة. ولا يزال الباحثون يحاولون تحديد السبب في أن هذه العلاجات تنجح مع بعض المرضى بشكل أفضل من غيرهم. وتشير بيانات علمية إلى أن العقاقير ستكون أكثر فعالية مع أولئك المرضى الذين لديهم بعض السمات الجزيئية أو "المؤشرات الحيوية". ويبدو أن الأشخاص الذين ينقلون مستويات عالية من بروتين PD-L1 في أورامهم، يستجيبون بشكل أكثر إيجابية للعلاجات القائمة. مع ذلك، الجوانب العلمية في مجال قياس المؤشرات الحيوية لا تزال في مراحلها الأولى. وتتسابق مجموعات الأدوية لتطوير اختباراتها التي تمتلك حقوقها الحصرية في التنبؤ بأي المرضى سيستفيدون أكثر من غيرهم، الأمر الذي من شأنه منحها ميزة تنافسية. وإذا كانت جميع عقاقير تحفيز جهاز المناعة المختلفة تعمل بشكل جيد بالمثل، فإن الأطباء في النهاية قد يختارون العقار الذي يجعل من الأسهل تحديد أي المرضى سيستجيب بشكل أفضل. المسألة الأخرى هي السعر. تكلفة كل من عقار أوبديفو وكيترودا تبلغ نحو 150 ألف دولار لكل دورة علاجية، وتكلفة الجمع بين عقارين أو أكثر قد تكون ضعف ذلك. ويمكن أن يتبين أن تلك الأسعار غير مبررة إذا أصبحت عقاقير تحفيز جهاز المناعة شائعة. بعض المحللين متفائلون بشأن ضغط التسعير، ويعتقدون أن صناع السياسة سيستخلصون الوفورات من أماكن أخرى قبل رفض العلاجات التي لديها القدرة على إنقاذ الأرواح. لكن بيتر باك، الطبيب والمدير في مركز سلون كيترينج التذكاري في نيويورك، حذر من أن الأسعار المرتفعة تخاطر "بوضع كارثة اقتصادية على رأس كارثة صحية".