تودع مدينة الدلم اليوم الجمعة شيخها الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجلال الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى بالصلاة عليه في جامع ابن باز بعد صلاة الجمعة اليوم الجمعة النظرة الأخيرة التي يرى فيها محبوا الشيخ شيخهم نظرة وداع لرجل علم وعمل وسمو خلق وكرم واصلاح ووفاء فستزحف جموع المصلين اليوم من مختلف مدن المملكة لمدينة الدلم ليودع الطلاب والدهم وشيخهم يرحمه الله اسرة الصحيفة تقدم أحر التعازي لاسرة الجلال في الخرجوالرياض وشقراء وتخص بالعزاء أبناءه عبدالله ومحمد وناصر وسعد وشقيقاتهم وأبناء وبنات أبنائه ومحبي الشيخ وجيرانه وطلابه رحم الله الشيخ وأدخله فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون سيرة الشيخ عبدالرحمن الجلال يرحمه الله سيرة الشيخ عبد الرحمن أمدّ الله في عمره على طاعته أنه أمضى في العمل الحكومي ما يزيد على ثمانية وخمسين عاماً، في رقم قياسي ربما يدخله في موسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ فقد بدأ حياته الوظيفية مدرساً في 1/4/1368ه، حتى ترك العمل الحكومي في 19/6/1426ه. وبالإضافة إلى العمل الحكومي فله أعمال أخرى، ونشاطات متعددة في مجالات متنوعة، سأصنفها لتكون أسهل ولوجاً لأفكار المتأملين. التعليم تعلّم الشيخ في مدرسة الشيخ أحمد بن عتيق، وحفظ القرآن الكريم مع أخيه وصديقه الشيخ عبد اللطيف بن شديد رحمه الله . وتخرج من الجامعة البازيّة، التي كان مقرها الدلم من عام 1357ه إلى عام 1371ه، ومنحه مؤسسها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وثيقة علمية، وتزكية أخلاقية، وكان نص الشهادة: «لقد قرأ عليَّ الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الجلال كتباً كثيرة في فنون متعددة، منها التوحيد، والعقائد، والحديث، والفقه الإسلامي في قسم العبادات، ومبادئ جيدة في القواعد العربية، ودرس عليّ القرآن الكريم، والتجويد في مدة سنين متوالية كثيرة، وهو جيد في هذه المعلومات، وصالح للتدريس فيها في المدارس الابتدائية والثانوية ومعاهد المعلمين، في البلاد السعودية، وهو ممتاز بالأخلاق الفاضلة، والسيرة الحسنة». وقد رشحه شيخه عبد العزيز بن باز للتدريس، وكانت بداية حياته الوظيفية في 1/4/1368ه، معلّماً بمدرسة الدلم بالخرج، المسماة بالمدرسة السعودية (مدرسة ابن عباس الابتدائية بالدلم حالياً ) بقرار من مدير المعارف العام آنذاك الشيخ محمد بن مانع رحمه الله . وفي الفترة من 14/7/1372ه حتى 2/7/1383ه. تولى إدارة المدرسة، مع القيام بأعمال معهد المعلمين. ثم عاد للتدريس إلى أن انتقل للهيئات في 1/3/1389ه. وهذا يعني أنه خدم في جهاز التعليم إحدى وعشرين سنة. في مدرسة ابن عباس كان الطلاب في تلك المدرسة يرون أن من تكريم المدرسة لهم أن يكون الشيخ هو من يدرسهم القرآن والتجويد في ختام سنوات تلك المرحلة. وهو صاحب الصوت المميّز عندما يتلو القرآن ويرتله، ويا ليت من سبقونا بالدراسة عليه يسردون لنا ذكرياتهم عن معلمهم؛ لتتبدى لنا صورة طالما تشوقنا لها. الحسبة ارتبط اسم ( آل جلال ) في الدلم بالحسبة، فوالده الشيخ عبد العزيز بن جلال - رحمه الله - تولى عمل الحسبة في الخرج والدلم منذ عام 1337ه خلفاً للشيخ عبد الله بن ناصر بن بخيتان جد شيخنا لأمه الذي تولى هذا الأمر منذ أواخر القرن الثالث عشر وحتى عام 1337ه. وجاء شيخنا ليوثق هذه الصلة عبر خدمة زادت عن سبعة وثلاثين عاماً. بدأت في 1/3/1389ه، عندما أُقعد والده، ورشحه أهالي الدلم خلفاً له، وعلى رأسهم قاضيها آنذاك فضيلة الشيخ محمد بن ردن البداح حفظه الله، وأمدّ في عمره على طاعته وانتهت هذه الخدمة عندما مرض شيخنا في 19/6/1426ه. وعلى الرغم من أن تقاعده النظامي كان في 1/7/1404ه إلا أن المسؤولين في الدولة لم يفرطوا فيه، وجدد له ما يقارب اثنين وعشرين عاماً، وكانت قرارات التعاقد معه في السنوات الأخيرة تصدر من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله ، وأسكنه فسيح جناته باهتمام ومتابعة من أميرمنطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز حفظه الله . وقد كان في عمله أنموذجاً للمحتسب الصابر على الأذى، الحريص على الستر على الناس، المتفاني في دعوة الناس للمعروف، وصدهم عن المنكر، فضلاً عما حظيت به هيئة الدلم من مكانة، وما شهدته من تطوير على يديه. وقدرته الإدارية عجيبة، فهو يعرف الرجال، ويختار من يثق به، ويشجع العاملين معه بطريقة باهرة، وبعد ذلك يفوض الصلاحيات بأسلوب يحفز للعمل، مع رقابة مهذبة، تحفظ تميّز الأداء، وكفاءة الإنتاج. وهذا المستشار والمحامي الشيخ سعد بن عبد الله الغنيم أحد تلاميذه، ومحبيه، وموظفيه في سنوات ماضية يصف لنا أسلوبه الإداري في الهيئة عندما عمل وكيلاً له يقول في مقالة نشرها في جريدة الجزيرة: «عملت معه ولازمته عشر سنين، وأنا أصغر سناً من أصغر أبنائه، وعملت تحت رئاسته فما أشعرني يوماً بأنني دونه في شيء، وما أنَّبني، ولا عنّفني، لا أنا ولا غيري من الزملاء، كان يثني على كل عامل بما يستحق أو يزيد، فيبعث ذلك في النفوس مزيداً من الحماس، وكان يهمل حقوقه الوظيفية، ولا يلتفت لها حتى جاوزه من هم دونه في المراتب، ولكنه لا يتسامح ولا يفرط في ضياع حقوق موظف لديه، فكثيراً ما كان يلحّ، ويلقي بثقله لترقية موظف، أو مكافأته، الأمر الذي يبعث الثقة والارتياح في نفوس مرؤوسيه، حتى لقد سمعت بأذني وكنت معه في إحدى مراجعاته أحد كبار موظفي الرئاسة يخاطبه، ويتمنى أن لو كان موظفاً ومرؤوساً للشيخ ليحظى بهذه العناية». ويقول أيضاً: «لقد حظيت كغيري من أبناء البلد بعناية الشيخ وجميل رعايته غير أنني قد خُصصت بشيء منها، فقد لازمته في عملي معه وتحت توجيهه مدة عشر سنوات كانت كلها مدرسة وجامعة تلقيت فيها من العلم والأدب والأخلاق ما لم يسطر في كتاب أو يدرس في جامعة، ولا أبالغ - بل والله هو الحق - إن قلت: إن شيخنا الفاضل من بقية السلف في هذا الزمان ومن نوادر الرجال الذين اجتمعت لهم خصال الكمال البشري من علو الهمة، وتواضع النفس، وكرم اليد، وطلب العلم، وكثرة العبادة، وخدمة الناس، وقضاء مصالحهم وشؤونهم؛ ولذلك فلا غرو أن يحبه الناس ويقدروه، ويكون محط أنظارهم، وقدوتهم، ومرجعهم، ولم يحصل على ذلك بشرف نسب وان كان من أعلاهم نسباً، وأكرمهم جداً، ولم يبلغ ذلك بكثرة ماله وإن كان قد وسعّ له في رزقه وماله، وما وصل ذلك لكثرة إنفاقه وإغداقه وإن كان من أنداهم يداً وأسخاهم نفساً، بل بلغ ذلك بذلك كله، ومعه اجتماع الدنيا والدين، وما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا - فاجتمع له الزهد الحقيقي، والسعي في طلب الرزق، كما اجتمع له التعبد الصحيح، وممارسة كافة أوجه الحياة الاجتماعية من صلة رحم، وإجابة دعوة، ومشاركة غيره في الأفراح والأحزان.. وباختصار فإن الشيخ - حفظه الله - جبل نادر من الأخلاق يحمل بين جنباته نفساً طموحةً لكل خير، سباقةً لكل بر، محجمةً عن كل شر». الإمامة والخطابة في الحديث الشريف: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» أي أحفظهم، وشيخنا حفظ القرآن الكريم وهو فتى، في وقت ندر فيه الحفاظ؛ لذا أهله هذا أن يؤم الناس في وقت مبكر، ولأكثر من أربعين سنة. وكان أول تعيين له إماماً لمسجد ( الحوشة ) قبل مجيء شيخه ابن باز إلى الدلم، أي قبل عام 1357ه وفي 28/4/1397ه صدر قرار تعيينه على وظيفة إمام جامع الصحنة؛ ليقوم بالخطبة، وصلاة الجمعة، والأعياد، مع استمراره إماماً لصلاة الفروض في مسجد (الحوشة). والشيخ إمام متميز بترتيله لكتاب الله، ومن ذكريات الطفولة التي لا زالت راسخة في ذهني صور تلك الجموع التي تتوافد على مسجد ( الحوشة ) في رمضان؛ للصلاة معه في صلاة التراويح، والاستماع لكتاب الله بصوته المتميز. وقد كان شيخه عبد العزيز بن باز يحب تلاوته، فلا يحضر له مجلساً إلا قال له الشيخ: استعذ بالله يا شيخ، وأسمعنا شيئاً من كتاب الله، ثم يفسر الآيات التي قرأها. تولى عقود الأنكحة رشح الشيخ حفظه الله مأذوناَ للأنكحة في وقت مبكر من حياته، وكان هدفه سامياً، فقد كان يرى في ذلك تيسيراً على الناس، ومساعدةً لهم، وستراً لأحوالهم، وحلاًّ لمشاكلهم، فالشيخ وجيه في بلده، صاحب كلمة مسموعة، لذا فإنه يحرص على أن يكون له في كل عقد بصمة، فأحياناً يلغي بعض الشروط المتعسفة من بعض الآباء بإقناع، وأحياناً يتدخل في تخفيف أعباء الزواج، ونحو ذلك. وهو مع ذلك لا يقصد بذلك كسباً؛ لأن الله أغناه، فهو يعدّ ذلك صدقة على الفقير، وهدية للغني، ويرى فيه خدمة لأحبابه، والأعزاء عليه، وما أكثر ما يحضر بنفسه في بيوت من يعقد لهم، وكثيرٌ من الناس يرونها فرصة ليحل الشيخ الفاضل ضيفاً عليهم في دارهم، بل ربما تحايل عليه البعض لهذا الغرض. كما أن صمت الشيخ، وحفظه لأسرار الناس تجعلهم يقصدونه، ويرون في قبوله لهذه المهمة منفعة لهم، ويكثرون من الدعاء له. الإشراف على توزيع الزكاة الشيخ حفظه الله محل الثقة الكاملة، بالإضافة إلى معرفته بأحوال الناس في بلده؛ لذا فقد كان يشرف على توزيع زكاة التمور، والحبوب في الدلم، فعندما تتم عملية حصر الزكاة ترسل له البيانات من المحكمة، ويقوم مع أعضاء الهيئة بتوزيعها على المستحقين لها. كما كان يتولى توزيع الزكاة النقدية التي تصل إليه عن طريق شيخه عبد العزيز بن باز، أو عن غيره من الأثرياء، وقد كان بعضهم يرسل زكاة ماله، وصدقاته للشيخ؛ ليوزعها على المستحقين لها من أهل الدلم، وفي هذا خدمة للمحتاجين في الدلم. وعندما تولى رئاسة الجمعية الخيرية في الدلم نقل لها مهمة هذا التوزيع، النقدي منها، والعيني. مسؤولية الأوقاف والمساجد كان الشيخ قبل ان تكون هناك جهات رسمية تتولى شؤون المساجد والأوقاف يقوم بمهماتها بمفرده، ومن ذلك: ٭ دراسة احتياج الأحياء والمزارع من المساجد، وتوصية المحسنين ببنائها، واختيار أفضل المواقع، وقد يتولى الإشراف بنفسه على البناء، مثل جامع التوفيق بالصحنة، وغيره. ٭ تحديد القبلة للمساجد التي ستحدث. ٭ التوصية بتخصيص الجوامع، ومن المعلوم أن الإذن بصلاة الجمعة في مسجد لا يكون إلا بفتوى من المفتي، وقد كان مرجع شيخه الشيخ عبد العزيز بن باز في ذلك في الدلم كلها. ٭ توثيق الأوقاف، والوصايا، وكثير من العقود المالية. ٭ ترشيح الأئمة، والمؤذنين، والتوصية بتعيينهم، بل إنه أحياناً يلزم من يرى فيه النفع، وأنى لشخص أن يرفض كلام هذا الشيخ الجليل. الدعوة إلى الله يدرك الشيخ - حفظه الله - فضل الدعوة إلى الله، وإرشاد الناس، وبذل الخير لهم؛ لذا فهو شيخ الدعاة وطلبة العلم في بلده، والشيخ داعية متميز بالقدوة، والبذل، وصنائع المعروف، والتشجيع، وكثير من طلبة العلم والدعاة في الدلم ثمارٌ لغرسه المبارك. ومع تقدم سنه إلا أننا نعجب من قدرته على استيعاب الناس، والدعاة بالذات، وقد وضع الله له القبول، فالكل يحبه، ويحرص على الجلوس معه، والاسترشاد بنصحه. ولا يزور الدلم عالم، أو طالب علم إلا ويحل ضيفاً عليه، ويتبعه الحريصون على الاستفادة، وحضور مجالس العلم بدون دعوة؛ لمعرفتهم بنفسية والدهم الذي يفرح بإقبال الأخيار عليه، ولا تراه إلا مرحِّباً مسروراً، وهذا شأن الكرام. وهو عضو في مجلس إدارة المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بالدلم، وداعم لهذا المكتب بماله، وجاهه. العمل الخيري العمل الخيري في حياة الشيخ جزء لا ينفصل من شخصيته، فكل وقته عمل، وسعي في مصالح الناس، ويمكن الإشارة لبعض الأعمال الخيرية التي قام بها. ٭ السعي للصلح بين الناس، وحل مشاكلهم، حتى لو كلفه ذلك من وقته وماله، وقد أعانه على ذلك تلك الأخلاق التي منحه الله إياها من الصبر، والحلم، والأناة، مع احتساب الأجر. ٭ بذل المعروف، وتلمس المحتاجين، ومد يد العون لهم، سواء كانت المساعدات منه، أو من غيره. ٭ الحرص على تقصي أحوال المحتاجين، والكتابة معهم لمن لا يعرف أحوالهم، وكم من مكروب تفرج كربه، ومعسر تيسر أمره بفضل الله ثم بوقوف الشيخ معه. ٭ ثم توّج أعماله الخيرية بالانضمام لعضوية الجمعية الخيرية بالدلم، وتولي رئاسة مجلس إدارتها لأكثر من ستة عشر عاماً. ٭ ومن أعظم أعماله الخيرية دعمه لحلقات القرآن الكريم، وتشجيع الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في الدلم، ودعمها بمساعدات مالية مقطوعة، وثابتة.