بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد ،، تحية إجلالٍ وإكبارٍ لمشايخي وعلمائي الفضلاء في محافظة الخرج ، وقبلةُ احترامٍ وتقديرٍ على رأس كل واحد منهم من دون استثناء ، لأنهم معالم الهدى وكواكب العلم في سماء هذه المحافظة الغالية ، ننهل من معين علمهم ، ونتربى على سمتهم ، ثم إن هذه المحافظة ولله الحمد تزخر بالعلم والعلماء وطلاب العلم ، حيث يغبطنا غيرنا من المحافظات على وجود هذه الكوكبة من المشايخ عندنا وقربهم منا ، لا سيما أن الكثير منهم قد تتلمذ على يدِ كثيرٍ من كبار العلماء ، كسماحة العلامة ابن باز ، وسماحة العلامة ابن عثيمين ، وسماحة العلامة ابن جبرين ، رحمهم الله جميعا ، ولو تأمَّل الواحدُ منا لوجد أنَّ جميع جوامع هذه المحافظة ، بل ومساجدها أنك تجدها حافلة بالدروس والدورات والأنشطة العلمية ، والتي يقوم بها مشايخ هذه المحافظة ، وهذا ولله الحمد فضل محضٌ من الله وحده ، أن هيئا لنا هؤلاء الجبال من العلم ، اللذين هم بلا شك سنام هذه المحافظة ، وإني أعترف حقاً بتقصيري وقلة حضوري لمثل هذه الدروس والدورات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .. وبعد مقدمتي هذه ، ليسمح لي فضيلة المشايخ الأجلاء أن أطرح بين أيديهم مسألة : وهي أن بعض المشايخ وليس جميعهم ، يطلبون في صلاة التراويح في رمضان عددا كبيراً من المصلين ، حيث أن إمام المسجد أو من يريد تنسيق كلمة رمضانية ، أول ما يُسأل من الشيخ أو منسقه ، كم يصلي عندك من الصفوف ؟ فإن قلت يمتلئ المسجد أبدوا موافقتهم ، وإن قلت صف أو صفين أو ثلاثة اعتذروا ، والسبب في ذلك : حتى يستفيد أكبر عدد ممكن من الناس ، ويكون النفع أوسع وأشمل ، هي بلا شك تبقى أنها وجهة نظر للمشايخ ، فهي ليست حكما إلهيا مفصول فيها بحلال أو حرام حتى نقول أنها غير قابلة للنقاش ، أو أنها قد تكون أيضاً معرضة للرفض والرد ، مع تأكيدي أنني أحترم وجهة نظر المشايخ فهي على عيني ورأسي ، لكن ليسمحوا لي أن أطرح ما في جُعبتي ، وأن أطرح وجهة نظر كثير من الإخوان اللذين يعانون من تنسيق الكلمات في شهر رمضان ، والتي وللأسف الشديد أن الكلمات أصبحت في هذا الزمن كالبيع والشراء يساوم فيها بعض المشايخ على العدد والحضور (( وكأن مفهوم الدعوة ولبُّها ومقصودها عند بعضهم هو العدد والكم ، لا الكيف والنفع )) .. فمن حقي أن أطرح و أن أناقش المشايخ الفضلاء بكل أدب واحترام ، فأتمنى أن يسمعوا منِّي ، وأن تتَّسِعَ صدورهم ، فالقائدُ الأعلى ، والنبيُّ المرسل ، المؤيدُ بالوحي ، محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، سمِع من ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما ، وكانت تطلبُ منه الجاريةُ بأبي هو وأمي ، أن يمشي معها إلى زقاق من أزقة المدينة ، فيمشي معها ويسمعُ منها ما تريد ، فمشايخي الفضلاء ليسوا بأفضلَ من محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، لا علما ولا قدرا ولا منزلة ، حتى لا يسمعوا مني ، لكني أحب أن أنبه على نقطة مهمة وهي : أنني لا أعمم على كل المشايخ في هذه المسألة ، ولا أقصد شخصا بعينه ، ولا أنتقصُ من قدرِ أحد ، إنما القصدُ من هذا كلِّه : هو طرح وجهات النظر ، فما كان من صواب فمنَ الله وحده ، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان .. فأقول : أولاً : لو تأملنا جميع النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ، في موضوع الدعوةِ إلى الله ، ونشر الخير ، ونفعِ الإسلامِ والمسلمين ، لوجدناها عامة مطلقة ، ليست مقيدة بزمنٍ أو عدد ، فالله سبحانه يقول : ( اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوعِظَةِ الْحَسَنَة ) وقال تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحَا ..) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث هو حجة علينا جميعا " بلغوا عني ولو آية " . وبعض الجن أفقه من بعض الإنس ، لما نزل قول الله تعالى : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ) كانت نتيجة ذلك ، أن قام البعض بمهمة الدعوة ( وَلَّوا إِلَى قَوْمِهِمْ مِنْذِرِينْ ) يدعون إلى الله عز وجل ( يَا قَوْمَنَا أَجِيْبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوْا بِه ) . ويقول الله عز وجل حاكياً عن أهل النار (: ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيْرٌ * قَالُوا بَلَىْ قَدْ جَاءَنَا نَذِيْرٌ ) وهذا يؤكد على أن الداعية هو الذي يذهب إلى الناس ويقوم بدعوتهم (( حيث أنني أؤكد في هذه النقطة أن كثير من مساجد المحافظة ، وخاصةً مساجد وجوامع الهجر والقرى النائية التابعة لها ، هي بحاجة قوية إلى دعوة من يسكن فيها ، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم ، ونشر الخير بينهم ، أما لهم حقٌ عليكم يا فضيلة المشايخ ، أن تقوموا بزيارتهم والنزول لهم !! فإنني أخشى أن يقولوا : ( مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيْر ) ولهذا أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، بالقيام بالدعوة والعمل لأجلها ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ) .. والله عز وجل رتب الأجر والمثوبة العظيمة ، والفضل الجزيل ، لمن قام بذلك حيث يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شياً ... " ويقول عليه الصلاة والسلام : " لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خيرٌ لك من حُمرِ النَّعم " ما قال : لأن يهدي الله بك عشر صفوف أو عشرين صف ، رجل واحد فقط !! والهداية هنا ليست مقتصرة على الإسلام كما يظن البعض بل هي عامة : كأن تكون سبباً في هداية شخص كان عاصياً مذنبا ، ثم أصبح بسببك أنت أيها الشيخ والداعية من عباد الله المتقين ، وغيره .. والله المستعان !!! ومن المعلوم أن الدعوة لا تحدها حدود ، ولا تردها قيود ، فهذا نبي من أعظم الدعاة إلى الله عز وجل يدعو وهو في السجن ، الأبواب فيه موصدة ، والجدران غليظةٌ سميكة ، والحراس أعينهم لا تنام ، ومع هذا فهو يستفيد من كل الوسائل ويدعو من حوله : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أأربابٌ متفرقونَ خيرٌ أمِ اللهُ الواحدُ القهار ) ، ونبي الله نوح عليه السلام ، لم يمنعه طول المدة وعدم استجابة الكثير له ، ومن ضمنهم ابنه ، من السير قدما في الدعوة مئات السنين ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحَاً إِلى قَومِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عَامَا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ يَنْظُرُونْ ) حقاً إنها لفتة جميلة في هذه الآية حيث قال ( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ ) ألف سنة بين أهله وفي منطقته !! عجباً لم يكل ولم يتعب ، مع أن بإمكانه أن يتركهم ويذهب إلى غيرهم ، لأنهم لم يستجيبوا له ، لكنه يعلم أنهم هم الأولى من غيرهم .. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يدعو إلى الله في محفل كبير من الناس ، أو في مسجد ممتلئ بالمصلين ، كلا والله !! يدعو إلى الله وهو ينزف دماً ويقول : ( ردوا علي الغلام ثم قال له : " يا ابن أخي ، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك ) حقاً إنها دعوة عظيمة حظيَ بها رجل واحد فقط ، فهي بلا شك خير من ألف محاضرة أو كلمة يُشترطُ فيها مئات الناس .. فعلى ذلك فإن ما سلف من الأدلة ، تؤكد حقاً ، أن الأنبياء والرسل والصحابة والسلف والخلف ، كانت دعوتهم عامة فلم تكن مقيدة بزمنٍ أو عدد ، فلم يطلبوا العدد الكبير ، والتجمهر العظيم .. وإني لأعجب أشد العجب من بعض المشايخ اللذين يذهبون إلى مناطق ومحافظات كبيرة في شهر رمضان ليقوموا بإلقاء كلمات فيها ، والناس من حولهم وفي محافظتهم بأمس الحاجة إليهم ، خاصة في شهر رمضان ، كي يتعظوا بمواعظهم ويفقهوهم في أمور دينهم ودنياهم ، والمشاهد والمتأمل لتلك المناطق والمحافظات التي يذهب إليها فضيلة المشايخ ، هي مليئة ومكتفية بكبار العلماء والمشايخ ، فعلى هذا لا حاجة لي أنا أيها الشيخ أن أذهب لمثل هذه المناطق خصوصا كما ذكرت أنها مكتفية ، والناس في محافظتي ومن حولي هم بحاجة لي ، وغير ذلك أيضا : أننا لم نسمع في السنوات الماضية أن أحدا من مشايخ الرياض قدم للمحافظة في شهر رمضان ليلقي كلمة ، إلا أن يكون قدوم أحدهم من أجل مناسبة أو حفل تكريم ، فهذا يؤكد على أن الشيخ والداعية ملزمٌ بنفع أهل دياره ومن حوله ، لأنهم الأولى ، ونحن نحرج كثيرا أئمة المساجد في هذه المحافظة من دون استثناء ، وكذلك إخواننا المنسقون ، من جماعة المسجد وأهل الحي ، عندما نسأل منهم ، هل هناك كلمات في شهر رمضان بعد صلاة التراويح ؟ هل سيزورنا مشايخ ؟ نريد أن نستفيد .. بالتأكيد سوف تكون إجابتك أنت أيها الإمام لهم ، أن مشايخكم حفظهم الله في هذه المحافظة يطلبون عدد كبير من المصلين ، (( وأنتم يا جماعتي ، كما يقول المثل : قال صف صفين ، قال ما في إلا اثنين ) لكنَّ هذين الاثنين قد تطرح فيهما البركة وينفع الله بهما ، أكثر من ألف شخص مصطكة أكتافهم ببعض ، حتى إن الرائي لهم قد يقول : ( ألف شخص بس ما حولك أحد ) ، فخير الله يا إخواني واسع ولا ندري عن هذا الخير أين تُحطُّ رحاله ، وكما قيل ( كل قليل مبارك ) . ثانيا : اعلم أنك أيها الشيخ أو العالم أو الداعية ، في عين المجهر وتحت الأنظار ، الحركة تحسب عليك ، والزلة تحطُّ من قدرك ، ومن يتصيد الأخطاء كثر من الكفار والجهلة وقليلي العلم والفهم والمنافقين ومن في قلوبهم مرض ، بل وبعض الأخيار بحسن نيةٍ أو جهل ، فنحن جميعاً نعرف حادثة أم المؤمنين صفية رضي الله عنها ، عندما جاءت تزور النبي صلى الله عليه وسلم ، في معتكفه ........ ، إلى أن قال : " إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما " . قال ابن حجر : " وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن ، والاحتفاظ من كيد الشيطان " وقال ابن دقيق العيد : "وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى بهم ، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم ، وإن لهم فيه مخلص ، لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم " ، أقصد بذلك أن اشتراط الشيخ والداعية للعدد الكبير في صلاة التراويح ، قد يفتح لنفسه باب سوءَ ظن الناس به ، من الجهال والمنافقين ومن عندهم علم قليل ، حيث عندما يُطرحُ عندهم مثل هذا الموضوع ، فإنكن تسمع من بعضهم العبارات التي لا نقبلها ولا نرضاها على مشايخنا ، مثل : " الله المستعان شيخ ويحب المظاهر ، يحب أن يحضر له عدد كبير .. " وكم سمعت والله الكثير من هذا الكلام ، حتى من بعض الملتزمين ، لكنني أؤكد هنا أنني لا أشكك والله ولا أقدح في نية المشايخ ، وحاشا وكلا أن يكون مقصودي ذلك !! لأنني كما ذكرت سالفا أن مقصود المشايخ هو نفع أكبر عدد من الناس ، لكني أقول : أنه قد يفتح باب السوء الظن بالمشايخ ، والتحرز في هذا الأمر شيء مطلوب ، والله شهيد على ما في القلوب . ثالثا : ثم إن الشيخ والداعية والمعلم والمدرب الواثق من علمه ومن نفسه ، والذي شُهد له بالحضور الكبير من الناس لا يحتاج إلى أن يطلب عدد معين من الناس ، لأنه يعلم أنه واثق من نفسه ، وقادر ، وأن الناس سوف يحضروا له ، لكن من يطلب العدد الكبير ، فهذا بلا شك يشكك في قدراته ومن وثوقه في نفسه ، فهو يتوقع ويخاف أن لا يأتيه عدد ، فبتالي يقوم بطلب عدد كبير من الناس ليحضروا له . رابعاً : أذكر أن أحد الإخوان سأل الشيخ المفضال راكان الرفدي حفظه الله ، عن المشايخ اللذين يشترطون العدد الكبير في التراويح ، فما أجمل وأروع الإجابة التي أجاب بها الشيخ والتي أحسب عند الله أنها خرجت من قلب مخلص لله ، حيث أجاب بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " ولم يزد على ذلك شيئا . وفي ملتقى الجوالات الدعوية الأخير الذي أقيم في نادي الشعلة ، كان ضمن البرامج محاضرة للشيخ الدكتور خالد الدايل حفظه الله ، فأول شيء تحدث الشيخ به بعد المقدمة ، قال : " لو جاءني علم أنه لا يوجد في المحاضرة سوى رجل واحد ، لحضرت من أجله ، لأن كل قليل مبارك " وفعلاً كانت تلك المحاضرة من أجمل المحاضرات التي حضرتها ، مع أن الحضور كان قليلاً جداً وغير متصور . خامساً : أن اشتراط العدد الكبير في صلاة التراويح ، لا يمنع من أن الشيخ ينفع ويلقي في المساجد التي لا ليس فيها عدد كبير ، إذ لا تعارض بينهما . سادساً : أقول لمنسقي المشايخ الفضلاء : رفقاً أحبتي بالناس وبالمتصلين بكم ، فإنما أنتم مجرد أشخاص منسقين ، ما عليكم إلا أن تخاطبوا الناس بأسلوب لبق ، وأن تسجلوا المواعيد فقط ، وإنك لتعجب من أحدهم يخاطبك بكل حدة ووقاحة ، ((و كأنه هو من سيقوم بإلقاء الكلمة ، فتعلموا من مشايخكم رحمكم الله حسن الخطاب ، والتأدب مع الناس على الهاتف ، فأذكر أن أحد الأخوان اتصل على أحد منسقي المشايخ في هذه المحافظة ، بعد صلاة العصر، فما كان ردَّ هذا المنسق (( المؤدب )) إلا أن قال : هذا وقت تتصل فيه !!! سبحان الله !! " كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة " .. أخيراً .. أتمنى من الجميع حسن الفهم ، وحسن الظن بي ، فحاشا أن أنتقص من قدر العلماء والمشايخ ، فهم جميعا تاجٌ على رأسي أعتز بهم وأفخر بهم ، إنما أحببت أن أبيَّن وجهة نظري ، وأن أدلوا بدلوي ، فاستغفر الله وأتوب إليه من كل خطأ وزلل ، أو على كل من أخطأت وزللت عليه من دون قصد .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أخوكم الفقير إلى ربه / علي بن عبد العزيز القعيضب البريد الالكتروني : [email protected]