في حديث جانبي مع أحد الزملاء والذي أبدا فيه تخوفه وقلقه من تأخر طفله في الكلام،وأثناء حديثي معه وجهت له مجموعة من الأسئلة لعلي أدرك أسباب قلقه، ولكن من خلال إجاباته اتضح أن تخوفه لم يكن له مسبب أبدا ؛ من هنا كان الحديث حول ظاهرة هذا القلق مطلب مهم . فالوالدان يترقبان طفلهما خلال نموه، وهم يتوقون لأي جديد في حياته، ففرحتهم لا يوازيها فرحة مع كل تتطور أو نمو كفرحتهم ببداية تسنينه أو بداية حبوه أو بداية مشية ... الخ ولكن قد ينتابهما شيء من القلق مع بداية مرحلة كلامه ، حيث يختلف نمو الطفل اللغوي عن بقية جوانب النمو الأخرى فمراحل النمو اللغوي تتدرج ببطء ،ولا يمكن ترقبها وملاحظتها بسهولة ، حيث يبدأ الطفل بالكلمة الأولى في فترة شهره الثاني عشر إلى الثامن عشر وغالباً تكون من مقطع واحد مكرر ( بابا ماما )، ويستمر في هذه الفترة بضعة شهور تتميز بعدم قدرته على الاستمرار في إخراج كلمات جديدة ، لذا يكون ما يحصله الطفل بعد كلمته الأولى شيئاً قليلاً ، وهنا يسيطر القلق على الوالدين ، رغم أن هذا الأمر طبيعي ولا يدعو للقلق حيث من أسبابه ما يمر به الطفل فترة التسنين ، وكذلك منافسة مرحلة المشي للمرحلة اللغوية حيث يفضل الطفل اكتشاف عالمه بالمشي ، ويستمر في هذا الحال إلى منتصف السنة الثانية وبعدها يفاجئ الطفل من حوله بتقدمه السريع في اكتساب الألفاظ واستعمالها ... إن معرفة المراحل التي مرت بالطفل حتى استطاع أن يستوعب اللغة نطقاً وفهماً، كماً وكيفاً، تساعد بلا شك في معرفة أوجه القصور-إن وجدت -ثم تساعد بعد ذلك على معالجة هذا القصور، من هنا كان اهتمام اللغويين وعلماء النفس وغيرهم بتتبع هذه المراحل ووصفها بدقة متناهية ، وهنا أدعو جميع المربين والذين هم قريبون من الطفل ومن ملاحظة نموه للتعرف على مراحل النمو اللغوي وخصائصها لاكتشاف أي تأخر أو صعوبة قد تمر بالطفل ، وقد يطول بنا الحديث للخوض في أبرز تلك المشكلات أو الحديث عن تلك المراحل، ولكن أنا هنا فقط سأذكر بعض الحقائق حول نمو الطفل اللغوي، علها تساعد في إزالة بعض القلق أو الترقب لتلك المرحلة ، وقد تساعد في تفهم أهمية النمو اللغوي للطفل من هذه الحقائق : أولاً: يجب أن نتفهم وندرك دور الفروق الفردية في النمو بين طفل وآخر، ومنها النمو اللغوي، ويجب أن ندرك أن الطفل الذي يتمتع بقدرة عقلية عادية بإمكانه تعلم اللغة واكتسابها فلا داعي للقلق حول تأخر نموه النسبي في الكلام . ثانياً: كل ما كان نمو الطفل اللغوي مناسباً ساعد ذلك في قدرته العقلية؛ لأن اللغة تساعد في إدراك المعاني والمفاهيم المحيطة بالطفل. ثالثاً: يجب التأكد من سلامة الطفل سمعياً، لضمان نموه اللغوي بصورة طبيعية، ومن ثم إيجاد بيئة مناسبة لسماع اللغة، ويتطلب ذلك توافقاً نفسياً مع من يحيطون به ليتسنى له التعامل والتواصل معهم من خلال اللغة بصورة إيجابية. رابعاً: يبدو أن للنظرية السلوكية في اكتساب اللغة أهمية بالغة رغم أن اللغة تنمو بصورة طبيعية، لكنها قد تتأخر أو تتدهور بالعوامل السالبة المحيطة بالطفل. خامساً: رغم أن قياس تقدم الطفل اللغوي يكون بعدد الكلمات التي يمتلكها إلا أن هذا القياس قد يتغير مع التقدم التكنولوجي في التواصل بحيث يزاد عدد المفردات. سادساً: لا يمكن أن نهمل الحاجة للتواصل فهي الدافع للطفل لتنمية لغته. وأخيراً أعتذر للإطالة وأعتذر لو جانبني الصواب فيما طرحت، أسأل الله عز وجل أن يديم علينا نعمه، وأن يمتع أطفالنا بنمو سليم ليسعدوا بحياة سليمة جسدياً وفكرياً ونفسياً. د.فهد حماد التميمي