كأني بك قارئي الكريم أمعنت البصر في هذا العنوان , وأدمت النظر إليه, كاشفا عنه , ومحاولا فهمه وفك رموزه , وسبر أغواره , ومعرفة كنهه , بل قد تظن انه خطأ مطبعي فني ,أ وفكرة تجول في عقل كاتبها فلم تثمر إلا هذا العنوان التائهه!!!! ولكن....ضع حدا لتساؤلاتك , وأرفق بنفسك , فهذا العنوان صحيح وليس خطأ كما ظننت أو اعتقدت بل في الحقيقة انك إذا ابتعدت عن الخيالات , ونظرت إلى نفسك بعيدا عن التوهمات , وتجردت من المطامع والمبالغات , ستكتشف في نهاية المطاف أنك (أنت...أنت!!!!) خلقك الله _ عزوجل_ فريدا مميزا عاقلا مختلفا عن غيرك في هذا العالم الواسع المليء بأصناف البشر , الممتد الأفق , الذي يحمل ألوانا شتى من الثقافات والمعارف التي لاحصر لها , فأنت كائن لامثيل لك , وصورة لاند لها , وأنموذج لايحاكيك أحد. بعض الناس سريع الذوبان في غيره مغرم بالتقليد ينصهر بالحرارة وينكمش بالبرودة إذا أعجبه شخص قلده في كل شيء حتى في سعاله وعطاسه وتثاؤبه وضحكه وبكائه وهذا يدل على انهزام الإرادة وهزال الشخصية، والرجل كل الرجل هو العصامي في شخصية يأخذ من الصالحين معاني الفضل التي فيهم كالكرم والصبر والحلم والشجاعة ويدع هذه الأمور الجبلية التي لا طائل لمحاكاتهم فيها. أودع الله فيك من الصفات أحلاها , ومن الشمائل أصفاها , واختار لك من الأخلاق أعلاها , وتخير لك من الخصال أروعها , واهداك من المناقب أجملها. أنت... عالم لوحدك, وأمة بمفردك , ومحيط تكمن في أغواره الدرر واللآلئ و ومنجم تزخر بين جنباته أصناف شتى من المواهب والقدرات التي لاتوجد لدى أحد سواك. أنت.... كائن فريد من نوعه و خالص من أصله , لك خصائص لايشارك فيها احد , وعندك سمات محصورة لك , وفيك من الطاقات الشيء الكثير , التي لو استطعت إخراجها وتنميتها وصقلها لملأت من حولك خيرا ونفعا وبركة. أنت..... ذلك الساحل الممتد الواسع الذي يصافحه البحر بأمواجه الدافئة الجميلة , فيلقي مايلقي من الأصداف الرائعة فتتلقفها وتزين بها حياتك , وتزيل عنها الوسخ والأذى , فكل شي بإمكانك استثماره وتحويله لصالحك. أنت.... ذلك النهر العذب الزلال الذي يجري بين حدائق المعرفة و ويروي الأراضي المجدبة ., ويسقي القيعان الفارغة , فتنبت بهجة وسرورا وأنسا. أنت... تلك الشمس التي ترسل شعاعها الذهبي الوضاء , لتحيك على غلاف الكون رداء ذهبيا, وخيوطا من الصفاء لاتنقضها غيوم الأحقاد, ولا تزيلها رياح الشحناء. أنت....ذلك الجبل الأشم ...والطود الشامخ , الذي يثبت من حوله ويمسك بزمام الأزمات أن تكسر أغصان الضعفاء . أنت....كما وصفك الرسول _عليه الصلاة والسلام _ بتلك الشجرة الطبية ( النخلة ) أكلها دائم , وظلها وارف , وثمرها طيب , وكل مافيها صالح . انت ....نجمة أضاءت سماء الكون , وأنارت أديم الزمن , فكانت زينة للسماء , وهداية للحيارى في الأرض. إذن فعلاما يقلد احدنا الآخرين؟؟؟ , ولماذا يصهر نفسه مع الباقين , ولما يغمس نفسه في أوحال التافهين , أرأيتم عاقلا بقتل ينفسه ؟؟ أو يغتال ميزته ؟؟؟ أو يقضي على أرومته ؟؟ . لماذا تجعل نفسك نسخة مصورة من غيرك , وتحاول بشتى الوسائل والأسباب تقليده في كل شي , بل حتى في أتفه الأشياء , بل وصل ببعضهم التقليد والمحاكاة في الأمور الشخصية التي لاطائل من ورائها, ولاخير يرجى خلفها, ولانفع يبتغى خلفها , بل هو الذوبان بعينه . لقد خلقت كما أنت , وإلا فما فائدة إن يكون الناس مختلفين ومتمايزين , يقول تعالى ( لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ) من اجل هذا أودع الله فيك من الصفات الرائعة والسمات الذائعة والسجايا الماتعة , لتستمع بها وتطورها وتنميها وتعمل على صقلها وبيان مواضع الخلل فيها , ومن ثم تعم بالنفع على من حولك وترسل خيرك على من هم دونك. فقف يا أخي... واجلس جلسة مصالحة مع تلك التي تسكن بين جنبيك , واعقد العزم على استثمار كل جزئية ايجابية فيك و ونقب عن الكنوز التي أودعها الله في نفسك , نقب بداخلها ,واسبر أغوارها , وفتش في خباياها , ونبش في زواياها , وأزل ما تراكم عليها من غبار النسيان , وأتربة الإهمال, ورش عليها وابلا من مطر جودك و ودق إحسانك , وابذر فيها بذور الإبداع , واسقها بسقيا الإخلاص , وارمقها بعين الرعاية , فحينئذ تنبت لك مايسرعينيك , وتسعد مقلتيك . وأخيرا ....ستعلم صحة مقولتي ( أنت ....أنت !!!) وتحسب انك جرم صغير ........وفيك انطوى العالم الأكبر ابراهيم العمري