في الوقت الذي يُعدُّ فيه النفط أحد أبرز أسباب الصراع الدائر في سوريا منذ عقدٍ من الزمن بسبب غلائه، لكنّ الماء بات يفوقه قيمةً رغم ارتفاع أسعار المشتقات النفطية خلال فترات وجيزة لمئة بالمئة. ورغم غلاء أسعاره خاصّة في السوق السوداء، إلا أنّ قنينة الماء ذات النصف لتر تُعادل اليوم ضعف نصف ليتر البنزين، رغم أن سعرها قبل أزمة البلاد كانت بأقلَّ من سعر البنزين والمازوت. وبلغت أسعار قنينة المياه المعدنية بسعة نصف لتر ال 300 ليرة سورية بالمفرّق، بينما سعر لتر الماء تُحسبُ في الكافيهات ومطاعم الخمسة نجوم ب 3500 ليرة سورية، ما يعادل دولاراً ونصف الدولار. ومنذ مطلع العام الجاري، رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك للمرة الرابعة على التوالي أسعار المشتقات النفطية، وحددت سعر لتر البنزين من نوع أوكتان 95 ب 3000ليرة سورية، فيما رُفع سعر لتر المازوت المدعوم إلى 500 ليرة سورية. وخلال المواسم الصيفية، يُضطّر الناس لشراء المياه من المحال القريبة من أماكن عملهم والأسواق والجامعات، الأمر الذي يزيد من أعبائهم المادية. ويقول "أبو معتز" وهو صاحب بقالة في مدينة الحسكة، إن موجات الحر التي تشهدها البلاد عموماً لاسيما خلال الفترة الماضية أجبرته على شراء طلبيات المياه بدفعات كبيرة بشكل يومي. وأضاف خلال حديثه، أنه يبيع في اليوم الواحد حوالي ألف عبوة مياه معدنية بمختلف الأحجام، مشيرا إلى أنه "قبل أزمة البلاد، كانت قنينة المياه الكبيرة الحجم تباع ب 10 ليرات سورية، والصغيرة بخمس ليرات، بينما كان سعر لتر البنزين المدعم بعشرين ليرة سورية". وكان سعر الدولار قبل الحرب 48 ليرة سورية، لكن المثير للاستغراب هو ارتفاع أسعار المياه التي أصبحت أغلى من سعر لتر البنزين والديزل، لاسيما في المدن السوريّة التي فقدت مواردها المائية التي كانت تمدُّها بمياه الشرب كمدينة الحسكة العطشى منذ احتلال الجانب التركي لمدينة رأس العين وإيقافه محطة مياه علوك المصدر الوحيد لمياه الشرب في المدينة وريفها، فوصلت قنينة المياه لأسعار كبيرة تخطت ألفي ليرة سورية ". من جانبه، قال صاحب محل بيع المياه المعدنية في مدينة الحسكة "جلال الشمير" إن الطلب على المياه زاد خلال السنوات الماضية، وأحيانا يضطر التجار لاستيرادها من كردستان العراق بسبب زيادة استهلاكها، مؤكداً أن أسعارها في ارتفاع دائم يصعب التنبؤ بها. وللمرة الثانية، أصدرت الشركة العامة لتعبئة المياه التي تتخذ من مدينة طرطوس مركزاً لها لائحة أسعار جديدة لمنتجاتها من عبوات مياه الشرب بمختلف الأحجام في معاملها. وقالت الشركة في نشرتها، إن جُعبة بستِّ عبوات للموزع إلى باعة المفرق تُباع ب2900 ليرة بحجم ليتر ونصف الليتر و4000 ليرة للجعبة ذات ال 12 عبوة حجم نصف ليتر و1450 ليرة لعبوة ال10 ليترات و1159 ليرة لعبوة الخمسة غالون و150 ليرة للكأس سعة 250 ميلي ليتراً. وأوضح "ملهم دوزوم"، مدير عام الشركة سبب رفع الأسعار إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج لاسيما مادة البريفورم وهي المادة الأولية المستوردة والمستخدمة في صناعة عبوات المياه. ورجّح مراقبون أسباب الارتفاع الجنوني للمياه إلى جشع التجار وفقدان السيطرة على السوق الاقتصادية وعدم ضبط الأسعار ومخالفة المتلاعبين بها، بالإضافة إلى شح الموارد المائية نتيجة الممارسات التركية. وكشفت صحيفة "تجارة واستثمار" المعنية بالشؤون الاقتصادية اجماليّ أرباح الشركة العامة لتعبئة المياه خلال النصف الأول من العام الجاري بحوالي 5,2 مليار ليرة سورية، في حين بلغت مبيعاتها المنفذة ب 65 مليون ليتر بقيمة 2,6 مليار ليرة سورية.