كتب الزميل ، الأستاذ محمد الرويلي محرر المجلة الثقافية بصحيفة (الجزيرة ) ، اليوم ، السبت ، عبر تقرير كشفته الثقافية ، عن نتائج صادمة ؛أن 19 % منتجنا الأدبي في الترجمة ، يجد المبدعون فيها «صكوك» عبور نحو الآخر والآخر يجد في ترجماتنا خفايا المرأة والأنثروبولوجية ، جاء فيه : تلعب الترجمة دورا رئيسا في نقلنا للآخر ونقل الآخر لنا, حين نصل إليه ويصل إلينا, لنتفاعل أدبيًا وفنونيًا, من خلال منتجات إبداعية بأقلام وأصوات ذات بصمات خاصة. «الثقافية» تكشف في هذا التحقيق عن إحصائيات جدًا هامة - صادمة ربما- في نظر البعض حول أعداد وأرقام الترجمة الصادرة طوال عقود من بلادنا, موضحة للقارئ والمهتم المسارات والمرتكزات التي اعتمدتها الجامعات ومراكز الترجمات في هذا الجانب, ومسلطة الضوء على رؤى وأفكار نخبة من (المتخصصين والباحثين والنقاد), معلقين القناديل فوق أرصفة وطرقات توصل نحو قِبْلات شتى لعالم يسكن هذه الناحية بلغة, ويسكن ناحية أخرى بلغة أخرى مختلفة.. كثير من قضايا الترجمة تطرقوا إليها متسائلين عن دوافع الآخر نحونا, كما تناولوا بعض التجارب علها تفتح آفاقًا جديدة لأحلام وآمال وتطلعات المبدعين في عهد وزارة للثقافة, ووزارة للثقافة الساعيتان أن تكونا أحد أهم نتائج تحقيق رؤاهما الأخذ بأيدي جيل مبدع يمضي للمستقبل حاملًا ثقافته بملامحها الأصيلة ومكوناتها الإبداعية بهوية سعودية ومنتج سعودي يسابق الزمن ويدفع العجلة اليوم وغدًا ليصل لكل وجهات العالم.. حركة الترجمة من اللغة العربية الأدب السعودي أنموذجاً أوضح العميد السابق بكلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود الدكتور فايز علي الشهري: أن الترجمة تعد أداة تفاعل حضاري وتلعب دوراً رئيساً في التعرف على الآخر والتواصل مع ثقافته وحضارته وعلمه. ويمكن الاستفادة منها من جهة، ونقل الصورة الحقيقية عن المجتمعات العربية والإسلامية بشكل عام والمجتمع السعودي بشكل خاص وكل ما يتعلق بتفاصيله على الأصعدة الدينية والثقافية والأدبية والسياسية والعلمية، إضافة إلى عاداته وتقاليده من جهة أخرى. وفي ظني أن النص الأدبي له الأهمية الأولى في تشكيل الصورة الذهنية السليمة, والوعي المجتمعي لدى المتلقي بشرط أن يُحسن اختياره وتقديمه. وأضاف: عملنا ولعدة سنوات على رصد المنتج «السعودي الترجمي» للكتب من وإلى اللغة العربية, منذ تأسيس المملكة العربية السعودية حتى نهاية عام 2016م وسعينا ضمن عمل المرصد السعودي في الترجمة (www.sotp-marsad.com) لرصد جميع الكتب التي تُرجمت داخل المملكة العربية السعودية. الشهري: بلغ ما ترجمته المملكة منذ (86) عاما (7500) كتاب وكشف الدكتور الشهري: أن المملكة عملت على الترجمات على مدى 86 عاما, إذ بلغ ما تم ترجمته (7500) كتاب مترجم من وإلى اللغة العربية, ما يصل معدله سنويًا إلى (88 كتابًا). غير أن الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى حظت باهتمام أقل، خصوصًا من الجهات الحكومية، بينما تولّت جهات أهلية هذه الترجمة من العربية، لكن إنتاجها اقتصر بشكل واسع على مجالين فقط هما المجال الديني «الكتب الإسلامية» بدرجة أولى، ثم «مجال الأدب» بدرجة أقل، مع ترجمة لبعض الكتب النادرة في موضوعات أخرى مثل الكتب الإعلامية. وبعد تدقيق وجهد كبيرين، وفق معايير المرصد، فقد حصرنا العدد في (2872) كتابًا كانت نسبة الأدب منها حوالي 19 %. تُرجمت جميع الكتب إلى 53 لغة حول العالم، فضلًا عن مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الذي يقوم بترجمة معاني القرآن الكريم إلى عدّة لغات. الجهود التي حظي بها الأدب السعودي واستعرض «الشهري» بعض جهود الترجمة التي حظي بها الأدب السعودي مشيرًا إلى ما قامت به جامعة الملك سعود من جهود خلال نشر كتاب بالفرنسية عن الرواية النسائية السعودية، في العام 1434ه، وترجمة لكتاب صورة الطفل في الرواية السعودية للباحثة هلالة الحارثي، الصادر عن كرسي الأدب السعودي، إلى اللغة الإسبانية.كذلك أشار إلى ما قامت به دار «الألوكة للنشر» من ترجمات ل ( 396 رواية), باللغات التالية (إنجليزي 256 رواية، فرنسي 67، تركي 37، إيطالي 19، إسباني 13، هولندي 3، وباللغة البرتغالية رواية واحدة). وما قامت بها «دار الكفاح» للنشر والتوزيع من أعمال روائية مترجمة إلى الإنجليزية (Female Spider)،2011م، وأعمال رواية مترجمة إلى الإنجليزية ( Journy of Dream)، 2011م. وجهود الترجمة لدار المفردات للنشر والتوزيع والدراسات, المتمثلة بترجمة مختارات من القصة والرواية في الأدب السعودي إلى اللغة الإنجليزية واليابانية والكورية. منيف والقصيبي وخال والحمد وعلوان لقد شهدت السنوات الأخيرة أعدادا متزايدة من الترجمات خصوصاً الروايات السعودية، حيث أبدى الناشرون الغربيون اهتمامهم بأعمال النشر والتسويق لبعض الكتاب السعوديين. وبما أنه لم يكن من اهتمامات المرصد في نسخته الأولى، الترجمات التي تمت لسعوديين ونشرت خارج المملكة (سوف يكون ضمن دراسات المرصد المستقبلية بإذن الله)، ولكن لا بأس بأن نعرض لمحة عامة عن ترجمة الأدب السعودي ونشره خارج المملكة ونذكر منها: وتابع: كما نشير إلى العديد من روايات عبدالرحمن منيف المُترجمة إلى اللغة الإنجليزية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر «التيه، والأخدود، وتقاسيم الليل والنهار والنهايات ..», كما صدر عن دار «لا رمتان الفرنسية», ترجمة ل «ماوراء الكثبان» وما جمع من قصص قصيرة وقصائد ومقتطفات من السير الذاتية والروايات, كذلك تُرجمت أعمال عبده خال ومحمد علوان, وروايات غازي القصيبي إلى اللغة الإنجليزية ومنها: شقة الحرية، وسبعة، وحكاية حب جنباً إلى جنب مع بعض قصائده وأعماله النثرية الأخرى .. وترجمة روايات تركي الحمد مثل «العدامة والشميسي» إلى اللغة الإنجليزية, ورواية يوسف المحيميد (فخاخ الرائحة) إلى الإنجليزية ورواية (القارورة) كما تم ترجمة أعماله الروائية إلى اللغات: الإيطالية، والفرنسية، والإنجليزية. وإلى الفرنسية ترجمت رواية «القندس» لمحمد حسن علوان. زينب وبدرية وليلى ورجاء أما في الكتابة النسائية السعودية فنذكر: زينب حفني إذ تُرجمت بعض قصصها القصيرة إلى اللغة الانجليزية والفرنسية والهولندية، كما قامت مجلة «بانيبال» بترجمة الفصل الأول من روايتها «لم أعد أبكي» إلى اللغة الإنجليزية. أما رواية «هند والعسكر» ل بدرية البشر فترجمتها جامعة تكساس إلى الإنجليزية، ورواية «جاهلية» للكاتبة ليلى الجهني ترجمت إلى الإنجليزية ورواية «نساء المنكر» لسمر المقرن باللغة الإيطالية. وكذلك رجاء عالم لها بعض الروايات كتبت أساسا بالإنجليزية، كما ترجمت روايتها «طوق الحمام». أما روايتها «بنات الرياض» فترجمت إلى 40 لغة أجنبية. وعليه فإن ترجمة الأدب السعودي قد يكون عن طريق ناشر غربي وقد تتأثر عملية ترجمة ونشر الروايات السعودية بعدة عوامل منها التسويق والصور الذهنية النمطية للعالمين العربي والإسلامي. فالأحداث السياسية بالفعل قد أثرت سلباً على مجال الترجمة باللغات الأجنبية خصوصاً الإنجليزية للأدب العربي، إذ إن معظم الروايات يتم تجاهل القيمة الفنية وتقدم الآن كأفلام وثائقية اجتماعية للحصول على معلومات حول السياسات في الشرق الأوسط كذلك الاهتمام بالأدب والدراسات الأنتروبولوجية والسياسية التي تعالج قضايا المرأة وحقوق الإنسان والأقليات الدينية والعرقية أو تكريس فكرة أن غياب الحريات ووضع المرأة والقمع السياسي والديني يشكل المنابع الأولى لشتى أنواع التطرف، أي يمكن تحول الهدف الأساسي للترجمة من التعرف على الآخر إلى دراسة حالة.. أو قيام مترجمين سعوديين أو عرب بترجمة أعمال أدبية إلى لغات أخرى ونشرها في بيئة عربية وبالتالي نادراً ما توزع خارج العالم العربي أو أن تكون موضوع تعريف أو دراسة أو استشهاد في مطبوعات اللغة المستهدفة وعليه تلقى إقبالاً محدوداً. الأحداث الوهمية تزرع في أدمغتنا ؟! وأشار «الشهري»: وقبل الختام نلفت إلى أننا نعيش في عالم رقمي متسارع, ففي تقرير نشرته صحيفة الديلي ميل نهاية 2017م عن محاضرة برايان جونسون الرئيس التنفيذي لشركة Kernel في قمة الويب في برشلونة، الذي عرض للمشاريع البحثية القائمة في شركته التي تسعى لزرع شرائح في أدمغة البشر، بحيث تمكنهم من التخاطب العقلي والتواصل دون الحاجة إلى نطق حرف واحد.. أي التواصل بلغة الصمت عبر الشرائح المزروعة في الأدمغة. إلى أنه ربما يقودنا ذلك لصناعة ذكريات وأحداث وهمية في أدمغة بشر المستقبل وبالتالي كيف يمكن فهم وتمييز أدب وثقافة الآخر؟!... قد نستغرب كثيرًا ذلك الآن، لكن من يرى حالنا في التواصل بالهواتف الذكية لا يستغرب أن يتواصل بشر المستقبل بلغة الصمت. مازلنا نحتاج مركز متخصص في الترجمات وبين الدكتور الشهري أن واقع الترجمة في المملكة ليس بمعزلٍ عن وضعه في محيطه العربي خصوصًا ما يتعلق بحالة التعريب. مشددًا التأكيد على ما أشار إليه سابقًا من أن الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى شهدت إنتاجاً ضعيفاً تُرجمت فيه فقط بعض كتب الأدب السعودي للغات محدودة، إذ مثلت الكتب الأدبية نسبة ضئيلة وبدون استراتيجية, فعلى الرغم من الجهود الطيبة التي بُذلت إلا أننا مازلنا نحتاج إلى مركز متخصص لحصر المنتج الأدبي المترجم وتقييمه ومعرفة مدى انتشار الأعمال الأدبية المترجمة لدى المتلقي ونسبة المبيعات ..الخ, ومن الممكن أن يساهم «المرصد», في ذلك في حالة حصوله على الدعم المطلوب. كما آمل أن يكون لدينا مشروع وطني مؤسساتي منتظم للترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى أو يكون مشروع الترجمة ضمن لجنة متخصصة مكونة من سعوديين ومن اللغة المراد الترجمة إليها ويقوم بنشر الأعمال المترجمة إلكترونيا لضمان وصولها إلى القارئ الأجنبي؛ ونشرها ورقياً للمشاركة بها في المعارض الدولية للكتاب بانتظام وذلك لنقل الإبداع في الأدب والثقافة وبقية المجالات، هنا نستطيع تقديم أنفسنا كمجتمع لديه من القيم والخصال القيمة وقادر على أن يضيف ويسهم دوماً في الحضارة الإنسانية. حل شفرة ترميز أفكار الآخر أما الأديبة الكاتبة الدكتورة ثريا العريض فقالت: حين اكتشف الإنسان كيف يحول أفكاره إلى رموز مرئية قابلة للخلود عبر الزمن, قفز حضاريا قفزة هائلة مكنته من قدرة التواصل مع غيره من ذوي اللغات الأخرى السابقين واللاحقين لمجايليه زمنيا. ومتى ما استطاع أي فرد آخر حل شفرة الترميز لأفكار الآخر استطاع أن يترجمها للغات الأخرى. فقدرة التواصل الفكري هذه نعمة أتاحت للبشر أن يستفيدوا من كل ما جمعه السابقون من تقنية وفنون وعلوم وتعاليم وقوانين, وأتاحت لهم أن يطلعوا على إبداعاتهم المحكية المكتوبة شعرا وأغان وحكايات وأساطير. العريض: ترجمة الشعر أصعب واستدركت «العريض»: لكن تبقى مشكلة الترجمة الأدبية مرتبطة ليس بإتقان لغتين أو أكثر والنقل بينها, بل في مدى استخدام الأديب الأصلي للوسائل البلاغية في لغته الأم كالمجاز والتورية والكناية, وكذلك مدى نهله من ثراء خلفيته الخاصة به من جغرافيا وتاريخ وبيئة ورموز تراثية. ما لم يكن المترجم مطلعا بنفس القدرة على هذه المكونات ويمتلك تمييز ما يهدف إليه كاتب النص الأصل بين المعاني المختلفة. كذلك الأمر أشد تعقيدا في ترجمة الشعر إذ يعتمد الشاعر على الصور الشعرية واستخدام الرمزية أكثر مما يفعل الكاتب السردي كالقاص والروائي والناقد. لهذا أومن أن المؤلف خاصة الشاعر يجب أن يكون مشاركا في الترجمة, يستوضح منه المترجم المعنى الذي يقصده بدلا من اجتهاد المترجم. وحول أعمال الترجمات التي تناولت نتاجها قالت: شخصيا تُرجمت قصائدي إلى لغات عديدة غربية وشرقية, واختير بعضها لدراسات بحثية أكاديمية, ولأنطولوجيات عن الشعر العربي الحديث وشعر المرأة والشعر الوطني. وفي مقارنتي لترجمة المترجمين لنفس القصيدة من الأصل العربي إلى الإنجليزية التي أتقنها تماما, أجد تفاوتا في عمق الترجمة وقربها من المعنى الأصلي, هناك بعض المترجمين يسبغون عليها من حسن الصياغة ما يضاهي الأصل, بينما نجد بعضهم يقدم نسخة ضعيفة تظلمه, ولابد أن الترجمات إلى الفرنسية والألمانية والإيطالية والهندية والصينية والفارسية التي لا أتقنها ينطبق عليها ما اكتشفته من التفاوت في الترجمات الإنجليزية. لذلك أفضل أن أترجم القصيدة إلى اللغة الإنجليزية بنفسي, أو أطلع على النص المترجم للموافقة على نشره, أو يتواصل معي المترجِم للاستيضاح والتعديل والتصحيح. العقلية الانتهازية اهتمت بالمنتج الفكري الجاد وأهملت الجمالي كما أوضح الباحث المهتم في الدراسات الأنثروبولوجية الكاتب «تركي رويّع»: أنه في حال رغبتنا بمعرفة مدى وصول المنتج الأدبي النسائي السعودي للعالمية من خلال الترجمة لابد لنا من تتبع حركة الترجمة العالمية بشكل عام والعربية بشكل خاص ومعرفة المحركات الأساسية لها ومنطلقات هذه الممارسة الثقافية التي ساهمت كثيراً في خلق تمازج وتلاقح فكري وثقافي كبير ومهم كان له الدور الفاعل في حركة التثاقف وتمرير المنتج الفكري الإنساني من مجتمع بشري إلى آخر قافزاً على حاجز اللغة الذي لطالما مثّل عائقاً كبيراً لحركة الفكر الإنساني وانتقالها من البيئة البشرية المنتجة لها إلى بيئة بشرية أخرى مختلفة عنها لغوياً وفكرياً. إن حركات الترجمة ما بين اللغات المختلفة منذ اختراع الكتابة إلى الآن ارتكزت في أغلبها على المنتج الفكري الإنساني الجاد وأهملت المنتج الأدبي إلى وقت قريب، وذلك للعقلية الانتهازية الفطرية للبشر، والتي تسعى في الغالب لاكتساب المنتج الحضاري المادي من علوم طبيعية ومنتجات تقنية ملموسة تساهم في الارتقاء بحياتها ووسائل معيشتها اليومية أكثر من سعيها لاكتساب الجانب الجمالي الأدبي والفكري الذي تؤمن لا إراديًا بتفوقها فيه واكتفائها منه (فكل ثقافة تعتقد بأن منتجها الشعري والأدبي هو الأجمل، وأن لغتها هي الأفضل والأكمل). بالإضافة لخصوصية المنتج الأدبي المرتكز على الجماليات اللغوية من إيحاء وتورية والعواطف المتمازجة مع البيئة المحلية التي يصعب نقلها من خلال الترجمة اللغوية التي تجردها غالباً من هذا الزخم الجمالي والعاطفي المشكّل لها وتظهرها كنصوص لغوية عارية منه بالشكل الذي يمنع وصولها للمتلقي في المجتمع الآخر، مع استثناء نسبي مهم للمنتج الأدبي السردي كالروايات والسير الذاتية التي لا تفقد الكثير من روحها وجمالياتها بعد الترجمة كما الحال بالشعر مثلاً الذي تكاد تقتله الترجمة المباشرة قتلاً كاملاً. «رويّع»: المنتج العربي «كان مطلب» قبل أن ينكمش؟!* وتابع: حركة الترجمة من العربية إلى اللغات العالمية الأخرى مرّت بمرحلتين مختلفتين باختلاف قيمة الثقافة والفكر والمكانة العلمية للمنتج العربي نفسه وقيمته الريادية في الفكر البشري. ففي مرحلة السيادة العربية للحضارة العالمية كان المنتج الفكري العربي بأنواعه العلمية والفلسفية والدينية والأدبية مطلباً مهماً لحركات الترجمة المعاصرة ومكوناً رئيساً لها لكونه يمثّل المصدر العلمي والثقافي الأهم لدى الشعوب الأخرى من أجل الاكتساب والتطوير باتجاه تلك الحضارة. أما في المرحلة الثانية وهي مرحلة الانكسار والانكماش الحضاري التي تحول فيها العقل العربي إلى مستهلك للحضارة وللمنتج الفكري الإنساني بدلاً من مولّد ومصدّر له فإن حركة الترجمة اتخذت منحى معاكس تماماً تهدف فيه إلى اكتشاف الشرق العربي الذي أصبح مجهولاً وغامضاً وأسطوريًا يغلب عليه الجانب المتخيّل والحالم أكثر من الواقع، ومن ثم تقديمه بالصورة التي تطغى عليها الخرافة والميثولوجيا كما حصل لعقود طويلة من الاستشراق وحركة الترجمة التي صاحبته، والتي لا تزال مستمرة بذات المنحى وإن تخلت عن صورها الاستشراقية القديمة واتخذت منحى يرتكز على الترجمة الأدبية والنقل الإعلامي لملامح الحياة اليومية في الشرق العربي. فالغرب أدرك بشكل وبآخر بأن الصورة النمطية التي صنعها عبر التاريخ للشرق العربي وأطّرها عبر حركات الاستشراق وأدبياته غير دقيقة. تغلب فيها الميثالوجيا على الموضوعية خصوصا في الجانب المتعلق بالمرأة العربية الذي تسيطر عليه صور الجواري والمحضيات اللاتي يعشن خلف أسوار عاليه صعبة الاختراق. يلفها الغموض وتنأى عن الدراسة السيسولوجية. من هنا ولعدم قدرة الأطروحات الاستشراقية على فهم مكونات المجتمع العربي بشكل عميق اتجهت الدراسات (الأنثروبولوجية والأثنوجرافية) في النصف الثاني من القرن العشرين نحو دراسة الخطاب العربي ومحاولة تفكيك البُنى الاجتماعية وشبكة العلاقات والأدوار التي تتم من خلالها وخصوصا ما يتعلق بالمرأة لكونه الجانب الأكثر غموضًا بالنسبة إليهم من خلال هذا الخطاب.. لقد ومثّلت مذكرات الأميرة سالمة بنت سعيد التي كتبت آواخر القرن التاسع عشر مثالاً ملهماً للمدرسة البحثية التي ترى أن قراءة الخطاب الخاص بأي ثقافة أو اثنية مغلقة هو الأقدر على فهم مكونات هذه الثقافة مقارنة مع بقية الدراسات السيسيولوجية. ومراكز الترجمة العالمية التي تقوم بترجمة المنتج العبي هي مراكز أكاديمية وبحثية بالكامل وليست دور نشر مستقلة بالشكل الذي يدعم أن الدراسة الأنثروبولوجية هي المحرك الأهم للترجمة وليست الجمالية أو التسويقية. خصوصاً وأنه لا توجد مراكز علمية وثقافية عربية بالمقابل متخصصة في اختيار وترشيح المنتجات العربية الفكرية التي يتم ترجمتها. «بنات الرياض» قيمتها ضعيفة وتُرجمت ل 40 لغة عالمية * وكشف الباحث الأنثروبولوجي «رويّع»: لو تتبعنا الترجمات التي طالت المنتجات الأدبية السعودية الرجالية والنسائية لوجدنا أنها بحثت عن المضمون الاجتماعي والثقافي في هذه المنتجات أكثر من الجانب الجمالي والحرفي للصناعة الأدبية, إذ بحثت في الروايات والسرديات والسير الذاتية التي تتحدث عن الجوانب المسكوت عنها في المجتمع لكون هذا ما تبحث عنه. لذلك وجدنا بأن رواية كرواية «بنات الرياض» تم ترجمتها لحوالي أربعين لغة حول العالم في حين أنها بنظر العديد من النقاد ضعيفة القيمة الأدبية. نعم, يمكن القول هناك توجه غربي لدراسة الأدب السردي السعودي والنسائي منه تحديداً تصاعد في العقود الأخيرة لأسباب ليست أدبية. برأيي وإنما لأسباب بحثية وثقافية وحتى سياسية تسعى لاكتشاف عوالم المرأة السعودية، أدوارها، حدود حركتها وتأثيرها الاجتماعي أكثر من سعيها للاكتساب الجمالي والأدبي المجرّد. لذلك أعتقد أن معايير الترجمة في ظل غياب القنوات المؤسساتية السعودية لاختيار ما يتم ترجمته ترتكز على ثلاثة جوانب: المحتوى الاجتماعي للمنتج الأدبي, وكم المسكوت عنه الذي يتطرق إليه ويكشفه هذا المحتوى, ومدى الجرأة التي سيتم تناوله فيها, هذا الجانب هو الأساس وهو من سيفتح آفاق الترجمة حول العالم. كذلك الدور الذي تلعبه «الجوائز», فالحصول على جوائز أدبية عربية أو عالمية سيدفع بالمنتج نحو الترجمة لكنها ستكون ترجمة محدودة لا تتجاوز اللغة أو اللغتين. بالإضافة لوجود العلاقات الشخصية, كما هو الحال في جل التعاملات البشرية سيكون للعلاقات الشخصية وشبكة المصالح دور في الترجمة وإن كان هذا المرتكز محدود بعض الشيء. وأياً كانت الدوافع والمسببات فإن حركة النقل والترجمة هي حركة صحية تكسر الكثير من الحواجز للوصول للآخر بشكل أكثر مباشرة وسهولة. أتوقع أن تساهم في كسر كثير من الصور النمطية الغير موضوعية التي لطالما تصورها الغرب عنّا بشكل عام وعن المرأة السعودية بوجه خاص. الرديعان: الترجمة لا تُبنى على الأهواء أميمة بنت الشيخ وثريا بنت الشاعر وبين أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود السابق الدكتور خالد الرديعان إجابة على سؤال «الثقافية» التي وضعت أنموذج المترجمة الأوكرانية «أولينا خوميتسكا» المتطلعة لترجمة أحد الأعمال الروائية لأميمة الخميس وفي المقابل الإشارة لأعمال الشاعرة الدكتورة ثريا العريض والتجارب التي طالت منتجها الشعري قال «الرديعان. و: أعتقد أن اختيار المترجمة الأوكرانية «أولينا خوميتسكا», لرواية أميمة الخميس (مسرى الغرانيق في مدن العقيق) لم يكن اختياراً عشوائياً أو مبنياً على أهواء شخصية، فأميمة روائية بامتياز وعملها فرض نفسه على المتلقي. والمتذوق والناقد الأدبي الموضوعي عادة لا يكون اختياره لعمل روائي أو شعري بناء على توصية أو بغرض «خدمة صديق» إنما هو يحرص على العمل الذي يلفت الانتباه بسبب قيمته الفنية والأدبية, وهي شروط توفرت عند أميمة الخميس بدليل حصولها على جائزة نجيب محفوظ وأين في عقر داره. هل جاملها المصريون مثلاً وهم الذين لديهم عدد كبير من النقاد وفي جائزة كجائزة نجيب محفوظ؟ بالطبع لا.. رواية أميمة هي التي فرضت نفسها. صحيح إنها ابنة الشيخ الأديب عبدالله بن خميس, الأديب المعروف، لكن والدها رحمه الله كان بعيدا كل البعد عن الرواية الحديثة؛ فقد كان اهتمامه بالشعر والجغرافيا والشعر النبطي القديم. وهذا يعني أن أدب أميمة يعد بالدرجة الأولى وليد موهبتها مع عدم إنكار تعلقها بالأدب بالوراثة بحكم قربها من الكتاب وعادة القراءة. وتابع: ينطبق بعض ما ذكرت على الدكتورة ثريا العريض؛ فهي أيضاً ابنة الشاعر إبراهيم العريض (قرأت له ترجمة لرباعيات الخيام). لكن هل شعر الدكتورة ثريا مما يفرض نفسه لكي تتم ترجمته إلى لغة أخرى؟ هذا سؤال يجيب عنه نقاد الشعر، ومتذوقوه. أتمنى بالطبع أن يترجم شعر الدكتورة ثريا إلى لغات أخرى, وأن تُعرف على نطاق واسع بعد هذه السنوات من الكتابة في الصحافة والشعر والعمل السياسي في مجلس الشورى. لكننا قبل ذلك نحتاج إلى النقاد الموضوعيين لإبراز شعر الدكتورة ثريا ولفت الانتباه له لتقرير ما إذا كان يستحق الترجمة.