بعد أحداث 11 سبتمبر، ازداد الاهتمام بالمنتج الثقافي العربي، بما في ذلك الأعمال الأدبية السعودية، بشكل كبير حيث كانت هناك رغبة في معرفة المزيد عن المنطقة وثقافتها.. وظهرت دراسات كثيرة تناقش وجهات نظر مختلفة حول تأثير «الحرب على الإرهاب» على تطور الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، وعلى استقبال هذه الأعمال الأدبية العربية. ومع ذلك، يرى آخرون أن هذه الأحداث السياسية قد أثرت سلباً على مجال الترجمة الإنجليزية للأدب العربي، حيث إن الروايات تقرأ الآن كأفلام وثائقية اجتماعية من قبل أولئك الذين يسعون للحصول على معلومات حول السياسات في الشرق الأوسط بدلاً من التركيز على القيمة الفنية للأعمال الأدبية. وفيما يتعلق بالروايات السعودية على وجه التحديد، شهد العقدان الأخيران أعداداًَ متزايدة من الترجمات، حيث أبدى الناشرون الغربيون اهتمامهم بأعمال النشر والتسويق لبعض الكتاب السعوديين. على سبيل المثال، العديد من روايات عبدالرحمن منيف ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، التيه (1984)، والأخدود (1986)، وتقاسيم الليل والنهار (1989) والنهايات (1977). ويعتبر منيف أول كاتب سعودي تترجم أعماله إلى لغات أجنبية، وقد أشاد به روجر ألين في كثير من الأحيان وبأسلوب كتاباته التي لا تزال تعتبر نوعاً من المغايرة الجذرية في الكتابة الجديدة من حيث السياق والتقنية الفنية.. علاوة على ذلك، تُرجمت أيضاً ثلاث من روايات غازي القصيبي إلى اللغة الإنجليزية: شقة الحرية (1994) ترجمت عام (1996)، وسبعة (1998) ترجمت في عام 2001، وحكاية حب (2001) ترجمت في عام (2002) جنباً إلى جنب مع بعض قصائده وأعماله النثرية الأخرى. وفي أعقاب أحداث 11- سبتمبر، ازداد الاهتمام كثيرا بترجمة روايات سعودية مختلفة لإتاحتها للقراء الغربيين. وعلى سبيل المثال، ترجمت بعض روايات تركي الحمد مثل العدامة (1997) والشميسي (1998) إلى اللغة الإنجليزية عام (2003) و (2004). وقد تم اختيار الشميسي (2004، ترجمة بول ستاركي) ضمن القائمة الطويلة المؤلفة من 16 عمل في جائزة The Independent Foreign Fiction Prize 2005 كذلك يوسف المحيميد ترجمت له رواية (فخاخ الرائحة) إلى الإنجليزية تحت عنوان: ورواية (القارورة) تحت عنوان: Wolves of the Crescent Moon MUNEERA'S Botle ومحمد حسن علوان في روايته (القندس) نُشرت ترجمتها الفرنسية في أوائل عام 2015 من قبل دار النشر الفرنسية Le Seuil. وفي الوقت نفسه، بدأت الكتابة النسائية السعودية تجتذب الاهتمام الغربي، وبدت رواية الكاتبة السعودية أعمالا تستحق الترجمة والنشر باللغة الإنجليزية. فالكاتبة زينب حفني تُرجمت بعض قصصها القصيرة إلى اللغة الانجليزية والفرنسية والهولندية، كما قامت مجلة «بانيبال» بترجمة الفصل الأول من روايتها «لم أعد أبكي» إلى اللغة الإنجليزية. وتحت الترجمة أيضاً باللغة الإنجليزية روايتها «ملامح» و «وسادة لحبّك». إضافة إلى بدرية البشر في روايتها (هند والعسكر) والتي ترجمتها جامعة تكساس إلى الإنجليزية تحت عنوان Hend and the Soldiers، ورواية (جاهلية) للكاتبة ليلى الجهني ترجمت إلى الإنجليزية بعنوان: وكذلك صبا الحرز في روايتها الآخرون Days of Ignorance The Others ورواية (نساء المنكر) لسمر المقرن والتي صدرت باللغة الإيطالية. كما أن الجوائز الأدبية التي منحت للروائيين السعوديين أتاحت فرصة عظيمة لترجمة رواياتهم إلى لغات أجنبية واكتساب جمهور جديد. على سبيل المثال، مهد الفوز بلقب (البوكر) الطريق لترجمة الأعمال الفائزة إلى اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات. كما تمت أيضاً ترجمة روايات سعودية مدرجة في القائمة القصيرة والقائمة الطويلة لهذه الجائزة. مثل عبده خال في روايته (ترمي بشرر) ترجمت إلى Throwing Sparks وكذلك رجاء عالم لها بعض الروايات كتبت أساسا بالإنجليزية، كما ترجمت روايتها (طوق الحمام) The Dove's Necklac ورواية بنات الرياض التي ترجمت إلى 40 لغة أجنبية. آليات اختيار النصوص للترجمة، ودور المترجم والمؤلف والناشر له تأثير كبير على دخول هذه الروايات المترجمة إلى السوق الأدبي العالمي. وصفت الترجمة بأنها: «عملية نقل شيء عبر وسيط لغوي وثقافي مختلف» (Allen، 2010، p. 473)، وكلما كان هذا الانقسام كبيراً، فإن المترجم لا يقوم بالترجمة فقط بل «بالتوسط بين ثقافتين إلى جانب التوسط بين نظامين لغويين» (فرغل والمانع، 2015، ص 174). ولهذا يواجه المترجمون صعوبات متعددة لن نستطيع تناولها بالتفصيل هنا، ولكن سينصب التركيز على بعض تلك القضايا التي يبدو أنها أثرت بشكل أو بآخر على طريقة انتشار بعض الأعمال الأدبية السعودية في السياق الغربي. سأشير إلى قضية مهمة تتعلق بدور المترجم والمؤلف في ترجمة هذه الأعمال السعودية إلى اللغة الإنجليزية. هذه العلاقة التي تتسم تارة بالانسجام والتعاون وتارة أخرى تظهر متوترة متنافرة. كلنا نعلم أن ترجمة أي نص أدبي تشكل تحدًيا لغوياً وثقافياً وجمالياً وأسلوبياً في الوقت نفسه، وتتضح صعوبة بناء نص أدبي متخيل يجمع بين نظامين ثقافيين ومرجعيتين تاريخيتين مختلفتين، خاصة وأن المرجعيات الثقافية تختلف وتتشابك أحياناً إلى حد التصادم.. لذلك يحتاج المترجم - أحيانًا- للتواصل مع المؤلف حتى يفسر، ويشرح، ويساعد المترجم في فهم بعض الرموز والإيحاءات لا سيما مع لغة مكثفة مليئة بالاستعارات والمجاز بشكل يصعب معه إيجاد مقابل في اللغة الهدف. على سبيل المثال: علاقة رجاء عالم بالمترجم Tom McDonough والتي استمرت سنوات طويلة حيث كشفت رجاء في إحدى مقابلاتها مدى تناغمها مع المترجم والشريك في كتابة بعض رواياتها، تقول: «ترجمة عوالمي معك تشعرني وكأننا نعيش معًا، كل منا يضع نفسه في عالم الآخر. فالترجمة هي تجربة خارج الجسد. أشعر وكأنني أشاهد رجاء في طفولتها، إلى جانب جميع العمات والأجداد الذين ليسوا هنا الآن، والذين يتكلمون لغة أخرى، لغة أبسط وأكثر مباشرة. لترجمتها، ونقلها من ذلك الحين إلى الآن، كنت بحاجة إلى فهمها. وأصبحت أفهمها بشكل أفضل الآن». وقد يحتاج المترجم العودة إلى المؤلف لتفسير بعض اللهجات في الحوارات مثلاً.. وقد حدثني البروفيسور البريطاني پول ستاركي (مترجم رواية الشميسي لتركي الحمد) عن غموض بعض الكلمات والصفات المحكية بلهجة المكان فتواصل مع المؤلف والاستفسار منه عن كثير من السياقات الثقافية التي وردت في الرواية. ويمكن رؤية مثال آخر على تأثير المترجم والناشر في اختيار الترجمة الأنسب للنص في حالة رواية المحيميد المعروفة باسم Wolves of the Crescent Moon في النسخة الإنجليزية. بينما العنوان الأصلي «فخاخ الرائحة» قد يقابل في الإنجليزية: (Traps of Scent)، مما يعكس القيمة الرئيسة للرواية. وربما قرر الناشر الإنجليزي أو المترجم تغيير هذا العنوان إلى شيء أكثر جاذبية للجمهور المستهدف. ولما كان الذئب يلعب دورًا مهمًا في السرد، وكانت رمزية هذا الحيوان شائعة مألوفة في الثقافة الغربية، فقد تم اتخاذ القرار بتغيير العنوان للجمهور الإنجليزي.. حيث يستخدم الذئب عادة كرمز للخطر أو الشيطان في بعض الثقافات الأوروبية والأمريكية. كما أن هذه الفكرة متجذرة تاريخياً في الأساطير اليونانية والرومانية القديمة. كما يعتبر الذئب أيضًا شائعًا في الروايات والأفلام الغربية، مما يجعل هذا العنوان أكثر جذباً للقراء الغربيين ويمكنه توجيه انتباههم إلى الواقعية السحرية والخيالية في النص. فإذا انتقلنا إلى الجدل الذي أحاط بترجمة بنات الرياض والذي جسد بشكل واضح بعض التوتر في العلاقة بين المترجم والمؤلف. يؤكد هينيجان (2007) في مراجعته للرواية أن «الفضيحة في النسخة الإنجليزية تكمن في الترجمة»، ويحدد أخطاء مطبعية متعددة واستخدامات نحوية غير صحيحة. وردًا على ذلك، أرسلت، مترجمة الرواية، خطابًا إلى رئيس تحرير Booth (2007) ، Times Literary Supplement موضحة أنه بعد تقديمها الترجمة للناشر، وبعد مدة من الزمن تم إبلاغها من قبل الناشر أن المؤلفة تعتزم إعادة كتابته، وتم إبقاء (بوث) خارج العملية بالكامل. فكانت النتيجة نصاً لا يعكس العناية والدقة التي كانت (هي) قد التزمتها في سبيل إنتاج ترجمة حية ومثيرة، حيث قامت المؤلفة بلغة بسيطة، بمحو التعبيرات والأمثلة العربية (التي) ترجمتها بوث، ووضعت حواشي غير ضرورية. وهكذا، قامت المؤلفة الصانع بمراجعة للترجمة، وتغيير وإلغاء بعض الفقرات دون استشارة (بوث)، وقد «أعطيت المترجمة فقط الفرصة لقراءة النص النهائي» مع عدم التعديل، على الرغم من أن اسمها ظهر على صفحة العنوان كمترجم مشترك مع المؤلفة. ففي حين تجادل (بوث) بأن «إستراتيجيتها للترجمة المفضلة هي» قل ثقافة الآخر الأجنبي»، فإن الناشر والمؤلفة فضلوا «القراءة الجماهيرية للرفاهية كأدب محلي». وبررت (بوث) إستراتيجيتها في الترجمة المختارة على أساس أن بنات الرياض هي «رواية من السعودية، لمؤلفة شابة حققت شعبية واسعة في العالم العربي. وهي نص يصور الحياة السعودية، ويتحدى العديد من الافتراضات الغربية حول كيف وماذا يقرأ العرب ويكتبون». وعلى سبيل المثال: تستخدم الرواية في نسختها العربية مستويات مختلفة من اللغة: اللغة العربية الفصحى، واللهجة السعودية المحلية، واللهجة اللبنانية وتعريب الكلمات الإنجليزية (العربيزي)، ولكنها تختفي في الترجمة المنقحة التي قامت المؤلفة بتعديلها. وتؤكد المترجمة (بوث) بأن هذه الاستخدامات للغة في النص الأصلي مهمة لإبراز كيف هيمنت الثقافة الاستهلاكية والمفاهيم الثقافية الأوروبية على ا لحياة في المملكة العربية السعودية ولاسيما حياة الفتيات، اللاتي يتأثرن بالعولمة في عاداتهن الاستهلاكية، بما في ذلك استخدام اللغة، ولكنهن بلا حرية في الدخول والخروج دون إذن من الرجال. وعلى الجانب الآخر، في مقدمة الرواية تقول المؤلفة: أنها اضطرت إلى تعديل النص الأصلي، «لوجود أشياء لا تهم القارئ غير العربي». فالمؤلفة تدرك الصور النمطية للسعوديين والعرب والمسلمين في العالم الغربي، مشيرة إلى أنه «سيكون من الصعب جدًا، أو ربما من المستحيل، تغيير هذه الصورة النمطية». وهكذا، فهي في روايتها، تميل إلى «الكشف عن جانب آخر من الحياة السعودية للعالم الغربي»، مؤكدة أن المرأة السعودية «مليئة بالآمال والعزيمة والأحلام. وهي تعيش الحب بعمق داخل وخارج السعودية مثل بقية النساء في أي مكان آخر». وبالنظر إلى هذا الرأي، يبدو لنا حجم الصراع بين المؤلفة والمترجمة حول رؤيتهما للقراء المستهدفين. ففي حين تهتم (بوث) باتباع نهج (foreignizing) لترجمة السياقات السياسية والاجتماعية-الثقافية حول حياة النساء السعوديات لإنتاج نص يجذب جمهورًا غربيًا معينًا، تهدف الصانع إلى تطبيع نصها (domestication /normalize) ووضعه كرواية محلية في سياق العولمة. ومن المحتمل أن يكون هذا الاختيار التسويقي قد خلق بعض الافتراضات حول الرواية وشكل قراءاتها واستقبالها. وكما يوضح روجر ألين (1988)، فإن الجمهور الغربي (والناشر كجزء منه) لا يزال متأثراً بشدة بالصورة النمطية الاستشراقية المتعلقة بالأدب العربي. ولهذا قد تتأثر عملية ترجمة ونشر الروايات السعودية خارج الفضاء الأدبي العربي بمجموعة من العوامل منها على سبيل المثال لا الحصر إستراتيجيات التسويق وسياسات دور النشر والقضايا التي يعالجها العمل الأدبي والصور الذهنية النمطية للعالمين العربي والإسلامي. والناشر الغربي يعرف جيدا ما يتوقعه الجمهور الغربي من روايات قادمة من العالم العربي نتيجة للتمثيل النمطي الذي ساد وما زال يجسد صورة المجتمعات العربية في وسائل الإعلام الغربية. وقد أشار إدوارد سعيد في كتابه عن الاستشراق أن وسائل الإعلام الغربية، بما في ذلك الأفلام والتلفزيون والصحافة تستخدم التعميمات كي تكرس القوالب النمطية للعرب، حيث أصبح الاستشراق جزءاً من الثقافة والإيديولوجيا الغربية كطريقة تشكل ملامح الخطاب الغربي عن العرب. وبالتالي، فمن المرجح أن الترجمات الإنجليزية لهذه الروايات السعودية غالبا ما تعرضها كنافذة نادرة على حياة السعوديين الخفية لكشف المستور. وقد يرجع ذلك إلى «تاريخ طويل من تصوير المستشرقين للآخر العربي، وعلى وجه التحديد ما يسمى (الأثنوجرافية الاستشراقية)» كما أشارت (بوث) مترجمة بنات الرياض. وختاماً حاولت هذه المقالة تسليط الضوء على دور المترجم والناشر وعلاقتهما بالمؤلف في سياق انتشار العمل وتقديمه للقارئ الهدف. كما أشارت إلى مجموعة من العوامل التي عززت دخول الأدب السعودي إلى السوق الأدبي الغربي.