شُخصت أول طفلة من الأطفال المصابين بمرض من الأمراض "الغامضة" المدمرة للصحة في إطار مشروع ضخم لتحليل الحمض النووي للمواطنين في بريطانيا. وأربكت حالة الطفلة جورجيا وولبيرن غرين، البالغة من العمر أربعة أعوام، المصابة بتلف في عينيها وكليتيها وعجزها عن الكلام، الأطباء عند تشخيصها. وكانت حالة الطفلة هي أولى الحالات المصابة بتشوهات وراثية دقيقة تشخص خلال مشروع لتحليل 100 ألف جينوم في إنجلترا. ولذلك إذا ولد طفل وتبينت إصابته بمتلازمة "داون"، أو عيب في القلب، فإن أسرته تعلم ما قد يحدث لاحقا. "رحلة مجهولة" لكن والدة جورجيا ووالدها - أماندا ومات - لم يكن لديهما سوى 20 دقيقة فقط "لاحتضانها بلا قلق" عندما ولدت جورجيا وقبل أن تتحول "حياتهما من سعادة غامرة إلى حزن تام." واعتقد الأطباء، في البداية، بأن جورجيا تعاني من وجود مياه على المخ نتيجة لحجم رأسها. وطمأن الأطباء والديها بزوال الخطر مؤقتا، لكنهم علموا أن شيئا ما كان خطأ - ولم يتمكنوا من تحديده. وكان ذلك بداية ما يزيد على أربع سنوات من القلق لدى العائلة. وقالت أماندا: "كان ذلك صعبا للغاية، وافترضت أنه إذا كانت (جورجيا) مريضة، فستذهب إلى المستشفى، وقد تكون حالتها سيئة للغاية، لكن سنعرف ما بها ونتعامل معه." وأضافت: "لم نعلم إذا كانت ستستطيع المشي أو الحديث، أو ستبلغ متوسط العمر الطبيعي." وتابعت: "كانت حياة غير مستقرة بشأن ما سيحدث في الأيام القادمة، فأنت في هذه الرحلة المجهولة تظل تواجه المشاكل فقط." ويقول والدا جورجيا إنها فتاة سعيدة واجتماعية ومحبة للحيوانات ولديها مهارة "في احتضان الناس بأصابعها الصغيرة." لكنها لم تكن تنمو بسرعة، كبقية أقرانها من الأطفال، ولديها نتوءات داخل عينيها ما أثّر في مستوى رؤيتها، وكليتان لا تعملان بصورة طبيعية. وأضافت الأم: "ولا نعلم إذا كانت ستعجز عن الكلام إلى الأبد، فهي تفهمنا وتحاول ذلك باستماتة، لكنها لا تستطيع تأدية الأصوات التي تريدها." واشتبه الأطباء في أن أعراض جورجيا تعود إلى وجود خلل في حمضها النووي الذي ربما ورثته من أبويها. وأدى هذا بأماندا ومات إلى عدم الاستعداد للمخاطرة بإنجاب طفل آخر. ويركز مشروع تحليل 100 ألف جينوم على فهم النظام الوراثي للسرطان والأمراض النادرة، مثل المرض الذي أصاب أماندا. رصد الاختلاف وبدأ العلماء في مستشفى "غريت أورموند ستريت" تجربة واسعة لرصد الاختلافات بين ثلاثة مليارات من الأزواج الأساسية التي تشكل الحمض النووي لجورجيا وأماندا ومات لاكتشاف الخطأ الذي وقع. وقبل أعياد الميلاد بوقت قصير، أخبرهم الأطباء أنهم اكتشوا تشوها جينيا في جينٍ يطلق عليه KDM5b. وقالت أماندا: "كان ذلك أحد أعظم الأيام في حياتي، فلقد كنا نبحث عن هذا طيلة أربع سنوات." وإن كانت معرفة الأمر لن تغير طريقة التعامل مع أماندا في الوقت الحالي، لكنها تبث الأمل في وجود علاج للمرض مستقبلا. ومن الأخبار السارة لأسرة غرين وولبيرن أن طفرة جورجيا الجينية نشأت بطريقة عفوية ولم ترثها من والديها، ويعني هذا أنهما سيحاولان إنجاب طفل آخر. علاج جديدويستفيد أطفال، مثل جيسيكا، مع ذلك، بالفعل من مشروع تحليل 100 ألف جينوم. ورغم الاختبارات المتكررة، لم تشخص حالة جيسيكا التي تضم أعراضها نوبات صرع حتى الآن. لكن تحليل الحمض النووي لها ولوالديها كشف عن أن خللا تسبب في إصابتها بمتلازمة اضطراب الجهاز العصبي. وليس في مقدور جيسيكا نقل السكر إلى خلايا الدماغ، وهو ما يجعل الخلايا دائمة الاحتياج إلى الطاقة. لكن اتباع نظام غذائي عالي الدهون - يسمى مولد الكيتون - يوفر للمخ مصدرا بديلا للطاقة، وهو ما يؤدي إلى قلة الحاجة إلى تناول أدوية الصرع. مشروع تحليل 100 ألف جينوم ساعد بالفعل في حالة جيسيكا وقالت لين تشتي، التي ترأس المشروع في "غريت أورموند ستريت": "من المثير للغاية رؤية النتائج والاختلاف الذي يحدثه هذا لأسر (الأطفال)." وأضافت: "يزيد هذا من الثقة في المشروع ويظهر أن تطبيق علم الجينوم يمكن أن يرقى إلى مستوى التعهد بتغيير الطريقة التي نشخص من خلالها الأمراض ونعالج بها المرضى في المستقبل." وكان أول شخص بالغ تشخص حالته من خلال مشروع 100 ألف جينوم في نيوكاسيل في فبراير/ شباط الماضي.