أجمعت صحف بريطانية وأميركية على وصف ما يجري في طهران ب"الثورة", فعدته إحداها موجة خضراء يركبها المعتدلون, وهي احتجاجات تتحدى الموت حسب أخرى, وصحيفة ثالثة تنبأ بأن يكون العام 2010 عام إيران, محذرة من وصول الأمور حد اللاعودة. ثورة بطهران اختارت صحيفة تايمز البريطانية عنوانا لافتتاحيتها اليوم "ثورة بطهران", وحاولت فيها إبراز ما يتفوه به الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من عداء للصهاينة قائلة إن أحمدي نجاد صرح في ذكرى يوم القدس في سبتمبر/أيلول الماضي بأن كل دول العالم تتعرض "لخطر الصهاينة يوما بعد يوم". لكن ها هو اليوم يكتشف أن الخطر الذي يتهدد نظامه "أقرب إليه من ذلك", حسب تايمز, فالاحتجاجات الشعبية على حكمه انتشرت "كنار في الهشيم" منذ مراسم دفن آية الله حسين منتظري الأسبوع الماضي, وقد نزل مئات الآلاف من معارضيه إلى الشوارع, فتصدى لهم بالعنف. وأضافت الصحيفة أن كثافة الاحتجاجات الأخيرة لم تشهد لها إيران مثيلا منذ 30 عاما, وأشارت إلى أنها تعكس "رفض الإيرانيين لقبول نتائج الانتخابات التي زورت في يونيو/حزيران الماضي لضمان تمسك أحمدي نجاد بزمام الأمور". كما رأت تايمز أن ما يجري في إيران ليس شيئا داخليا بحتا, بل يستدعي تدخلا خارجيا, إذ "ينبغي للحكومات الغربية أن تتحدث إلى المحتجين من على رؤوس الملالي". أما مجلة نيوزويك فاختارت ربط ما يجري في إيران بالسياق التاريخي لاحتفال الشيعة بيوم عاشوراء. في بداية تقريرها حول الموضوع, قالت المجلة إن ذكرى الملحمة البطولية التي خاضها الحسين بن علي رضي الله عنه ضد جيش "الطاغية" يزيد جيشت مشاعر الشيعة في كل أنحاء العالم وكان لها صدى خاص في طهران. فقد نشرت مواقع المعارضة الإيرانية على الإنترنت مقاطع فيديو مسجلة عبر الهاتف النقال ظهرت فيها مجموعات من المعارضين الإيرانيين وهم يرددون "هذا شهر الدم, يزيد انتهى". وهم لا يعنون ب"يزيد" ذلك الخليفة الأموي, حسب المجلة, وإنما القائد الأعلى لثورتهم آية الله علي خميني, وأشارت إلى أن العديد من هؤلاء المحتجين, تماما كما حدث لأتباع الحسين رضي الله عنه, ضحوا بأرواحهم من أجل هذه القضية. ونتيجة لذلك -تضيف نيوزويك- يبدو أن المتدينين الإيرانيين المعتدلين بدؤوا ينزلون إلى الشوارع لدعم "الموجة الخضراء" بشكل لم يكن مألوفا من قبل. فهذه الاحتجاجات, حسب افتتاحية صحيفة غارديان البريطانية, ترفض أن تموت, بل هي حركة تتسم بمرونة وقدرة على الانتشار منقطعتي النظير. فالذي بدأ تحالفا فضفاضا لجماعات إصلاحية بزعامة مرشحي قادة المعارضة المحتجين على ما قالوا إنه تزوير لنتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في يونيو/حزيران الماضي, يتحول أسبوعا تلو الآخر إلى حركة عنيدة وجريئة وأكثر تركيزا وتعبيرا عن الغضب والاستياء. وأضافت غارديان أن استخدام النظام الإيراني لمليشيات الباسيج والحرس الثوري مكنته حتى الآن من السيطرة على مجريات الأحداث, لكنها ذكرت بأن إيران ستخلد في الفترة القادمة 15 عيدا وطنيا دينيا آخر, وكل منها قد يكون محورا لمزيد من الاحتجاج, فالمسألة وصلت حد "كسر العظم" وليس هناك مؤشرات على أن أيا من الطرفين مستعد للتراجع, حسب نيوزويك. وهذا ربما هو الذي جعل صحيفة وول ستريت جورنال تختار عنوانا لتقرير لها حول الموضوع "2010 عام إيران". وول ستريت جورنال ترى أنه إذا كانت أفغانستان -خاصة في الأشهر الأخيرة من العام الحالي- قد اعتبرت "سنة فريق السياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما" فإن 2010 تبدو أكثر فأكثر سنة إيران. وتضيف أن بداية العام الجديد هي الموعد النهائي الذي حدده أوباما ورفاقه الأوروبيون لإيران كي ترد ردا إيجابيا وبناء على الجهود الدبلوماسية التي بذلت لكبح جماح برنامجها النووي. وتتوقع الصحيفة أن تتسارع وتيرة الأحداث مع بداية العام الجديد باتجاه فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران. فهل وصلت الأمور إلى نقطة "اللاعودة"؟ سؤال حاول الكاتب الإيراني ومدير الدراسات الإيرانية بجامعة سانفورد عباس ميلاني في مقال نشره اليوم بوول ستريت جورنال الإجابة عنه. نقطة اللاعودة ميلاني أكد في بداية مقاله أن الأشهر الستة الماضية أظهرت أن الحراك الديمقراطي بإيران هناك ليبقى, وأشار إلى أن ما يحتاجه هذا الحراك هو خطة متماسكة وقيادة أكثر تنظيما. وذكر بأن استياء الشعب الإيراني من الانغلاق السياسي الذي دفع الأمور باتجاه كساد اقتصادي غير مترقب كان عنصرا جوهريا في الإطاحة بنظام شاه إيران (محمد رضا بهلوي) في العام 1979. وقد وظفت الطقوس والشعائر الدينية آنذاك لتحقيق مآرب سياسية, وصل عبرها رجال الدين إلى الحكم قبل 30 عاما, لكن ها هو اليوم شبح نفس الطقوس والشعائر يطاردهم, على حد تعبير ميلاني.