وها أنت يا أعرابي ذرعت فضاءات الشعر، تتقلب بين الشعراء لتتأمل منازلهم المشتعلة وفراديس عوالمهم المشبُوبة. وقد أزمعت من أنين عواطفهم أن تنادي: أما آن لهمسات العاشقين، أجيبي؟ فإمّا اللقاءُ وإمّا الفراق.. تُعاين - يوم لا حياد - ما عزم عليه أمر أقوام من العشاق الشعراء، المصبوبين والمصوبين، وأي قصيدة أثرها المنحُوت قد خَلّفَ على ضلعين؟ وأيُّها اشتَقّت شريانًا أو شريانين، وأيُّ قصائد مُدججة بكل أنواع الفتك الناسف احتزمت، فلا نجوم ذرَتْ ولا أقمار إلا وتنادت تهُزّ عرائكها مذعنة: إما هذه وإلا فلا.. ألم يكفك يا أعرابي ما لقيت وسمعت من حديث غزلهم؟ وقد علّق كل واحد منهم قصيدته على أستار رموش خفرته، يدفعَهُ حُسْنهَا الفتّاك ويودي به إشعال واشتعاله في بيوت من الشِّعر! ألم يكفك هذا لتمضي معهم، وتعبُر وتسبر دربًا آخرَ فجُّوهُ موصلًا إلى أحد المجرات التي ذكروها لك، تبحث عن فيض مرجعياتهم والهوية والعبثية واللاجدوى وطرائق تجاريبهم منقطعة الكُنه، من بين قصائد تناولت قضايا ومواضيع ووجهات متنوعة تلك التي ذكرها الأساتذة النقاد (عبدالله سفر، فايزة الحربي، ميساء الخواجا). ولعمري إنما هي، قصائد غذُّوهَا بلفائف التبر ليعمروا بها موائد المكتبات السعودية والعربية بعد أن استبكوا لها عناوين لا حصر لها تَعمُر حُرِّية. واليوم يا أعرابي تُطل من جديد في هذا العدد، ناقلًا أخبار الروائيين والقاصين السعوديين، تصف مواطنهم المحقولة المحرضة كمواسم الخصب وقوس الربيع على تذكية مناخات التبديع، وتصف لذائد فضاءاتهم المشهدنة فيما رَووهُ وقَصّوهُ .. وتُطل تنقل في جعبتك تساؤلات الدكتورة «زينب الخضيري» حول ما عدته أدب الإنسان في مراحله وتحولاته ومشاعره تجاه الحياة والناس، أين حضور الرواية السعودية في كل أنواعها ومدارسها، من الرواية التاريخية حتى رواية استشراف المستقبل، وما هو دورها الفعلي؟ وأين استشراف المستقبل في الرواية؟ محيلة إلى القول: إن معظم مواضيع الرواية السعودية تدور حول ثلاثي لا يختلف؛ علماء الدين، والرجل، والمرأة والمطالبة بالاختلاف في الطرح والبحث عن مفاتيح مختلفة بعيداً عن الخيانة والخلاص والآلام، التي تفيض بها الأعمال الروائية. وإضافة على إطلالتها من ملف الشعر الأسبق تتجلى بجدارة إطلالتها الخلابة في ملف الرواية الناقدة الدكتورة «ميساء خواجا» تحمل عنوانًا كبيرًا «الخطاب الذكوري في الرواية النسائية السعودية»، متصدية ببسولية لما وصفته «المخيال الجمعي» أو الجدل الضمني والمعلن مع الهيمنة الذكورية ومع المفاهيم السائدة التي تدور حول الأنوثة، مؤكدة في الوقت نفسه أن النص الروائي النسائي يمكن أن يكشف - شأنه في ذلك شأن أي خطاب جمالي - عن أنساق ثقافية مضمرة اشتغلت فيها الكاتبة على ما له علاقة بالتهميش والتغييب والقمع والمسكوت عنه. وفي مجال الحركة القصصية يا أعرابي، حدثنا عن ما أورد مقال أحد أبرز أساطينها وناشريها ومن البّارين بها القاص والناشر «محمد ربيع الغامدي»، ماذا قال في مراحلها قبل أن يختتم قائلًا: لقد شبّت القصة السعودية عن الطوق، وهي الآن أمتن لغة، وأعمق رهانًا وأكثر تكثيفًا، بعد أن عانت قليلاً من مستوى قضاياها، إذ تيسرت النوافذ التي تطل منها (القصة السعودية) على الكون وعلى الإنسان وعلى قضاياه الكبرى.