يوصف محمد صادق دياب -رحمه الله- أنه أشهر «عمدة» مر على الصحافة السعودية. وهو بالإضافة إلى عمله في الصحافة ، فإنه كاتب وباحث وقاص وتربوي، وضع بصمته «الشعبية» على جميع»المهن» التي مارسها، لكنه قبيل وفاته في 2011م، أضاف إلى صفاته تلك واحدة جديدة: روائي! ولد دياب في العام الميلادي 1944، في مدينة جدة، وهو سليل أسرة من البحارة «غمست لقمة عيشها في ملوحة البحر، فتأرجحت أحوالها بين مده وجزره». ولأنه أحد العشاق التاريخيين لجدة، فقد حمله هذا العشق إلى القيام بمغامرة تاريخية غير مسبوقة! ويمكن القول، في هذا السياق، أن دياب هو أول مؤلف قدم للمكتبة المحلية كتابا يتناول تاريخ جدة الاجتماعي. ولأن «العمدة» يدرك جيدا أن كبرياء التاريخ تمنعه من التجول في الأزقة والحارات، فقد قرر وهو يتهيأ لتأليف كتابه «جدة التاريخ والحياة الاجتماعية»، أن يكسر كبرياء التاريخ!؛» أدخلت التاريخ الأزقة ليتحدث عن حميد الحلواني ومرزوق الأخرس والعم محمود بايع المساويك»!، هكذا قال دياب، فهل نستطيع أن نقول إن «ابن حارة البحر» استطاع أن يغير ولو للحظة مسار التاريخ ؟. ثم جاء التحول الآخر في حياته الأدبية، فعندما أراد أن يروي أحداثا أخرى عن جدة، فإنه لم يجد وعاء أنسب، هذه المرة، من الرواية، فكانت روايته الأولى «مقام حجاز»، التي نشرت قبيل وفاته، ثم روايته الثانية عن «الخواجة يني» الذي عاش في جدة حتى الستينات من القرن الماضي وشكل جزءا من تراث المدينة. لكن الرواية (أو ما كتب منها على وجه الدقة) لم تنشر حتى الآن، ويبدو أن الكاتب الراحل كان يشعر أن ثمة مصيرا غامضا ينتظرها، وهو قبل وفاته بعامين كان يبدي هواجسه القلقة حولها : «هذه الرواية أخشى ألا تنشر في يوم من الأيام لأنني أشتغل عليها منذ خمس سنوات»، ليعود ويعلن قبيل وفاته بشهرين :«أنني أتعثر منذ سنوات في كتابة هذه الرواية، والقبض على شخصية الرجل (الخواجه يني)، رغم كتابة عشرات الصفحات». وحتى بعد عامين من وفاة «المؤلف» فإن هذه الرواية لم تنضم حتى الآن إلى قائمة أعماله المنشورة، لتبقى سيرته الأدبية يا للحسرة ناقصة، حتى وإن كان هذا النقص لا يتعدى «عشرات الصفحات»!