هكذا نضع أقدامنا على صفر الأربعين ، نظرت إلى الرقم الكبير 1440 ، قلت لها يا الله ما أسرع مرور الأعوام ! هل تذكرين هايلكسنا الجديدة موديل 79 التي اشتريناها من علي موسى بائع السيارات بالأقساط ؟ كانت بيضاء جميلة وعلى ظهرها زخارف وعلى جانبيها شريطان أحمر وأسود ،قالت نعم ، وكنت تضع حذاءك تحت قدميك وتسوقها حافيا ، قلت نعم ،كانت أقدامي صغيرة ،وكنت أتضايق من لبسها عند القيادة ، فلا أقودها إلا حافيا ،قالت كان ذلك وأنت صغير وأنا في سن النضج . مرت أعوام أربعون منذ ذلك الحدث ، قلت لها كأن الأربعين أمس ، قلت هل تذكرين يوم كنت أحمل الماء على ظهرها من أرض الماء في خزان حديد لنشرب ماء صافيا ؟ قالت بابتسامة حرى : كانت القلوب صافية ، وكذلك الأرض البيضاء التي كنا نخط على ظهرها بعجلات مركبتنا لتزين وجه الرمل بتعرجات السير والعجلات والوادي يحيط بنا من كل الجهات ، كنا نمازح في الوادي الأخضر بائعي الفجل والخضرة في الطريق الزراعي ، قالت: يرحمهم الله ، قلت يرحمهم ، لقد رحلوا جميعا ، كانت تحدثني وأحدثها من شرفة البيت الجديد ، لم يعد بفنائنا تلك الغرفة الوحيدة التي تشبه الحزينات فلا لون لها ولا وجه فرح ، ولا أثر لسيارتنا ذات الحوض التي كانت تجلب الأغنام ولا الأعلاف ، كانت لنا أيام ، تنهدنا كثيرا ونحن على مقربة من انتصاف القرن على تلك الأحداث ، سبحان الله ! كيف تمر الأعوام سراعا وكأن العقود الدارسة مرت أمس ، قالت وعصاها في يدها تتوكأ عليها وعلى عيني السائق الصغيراللتين كانتا ترى أول الوادي ونهايته نظارة : هكذا العمر يمضي حتى نصل لطرف العصا لنمشي وأطراف النظارات كي ترى ونرى ، ألقت عصاها ، ألقيت نظارتي السميكة ونحن ننظر للخلف وللأمام نحو أعوام تركناها وأعوام ننتظر ماستسفر عنه أحداثها .