لم أتخيّلْ يوماً أن ندرك زماناً وصفه سيد الخلق "لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه"..فإذا بنا ندشّنُه. ألف و أربعمائة عام لم تُبدل حال المسلمين بالتسارع الذي بدّلَه العِقدان الماضيان. ليس الموضوع قوةً أو ضعفاً، فقد عايشت الأمة التشرذم و الضعف من قبل و أجهز عليها أعداؤها. لكن المعجز أن تكون بيدها كلُّ مقدرات القوة الروحية و المادية و البشرية ثم تنحر نفسها..تفرط في دينها إتباعاً لشهوات..تنبذ قِيمَها إستبدالاً بنزوات..تقمع شعوبها بألوان الفساد و الاستبداد..تأخذ السيف، بل السيوفَ، التي بأيديها لتمنحها أذلَّ أعدائها ثم تستمتع بطلب الرحمة في ذلٍ و خضوع. قالها البشير..ليس إنهيارها بقوة أعدائها أو حتى مواجهتهم، بل بأيدي أبنائها قادةً و نُخباً و عامةً..كلٌّ أعملَ هِمَمَهُ و سواعده لهدمها..و قاسِمُهم المشترك معولٌ واحد، إتباع أعدائهم و نبذُ دينهم. بذا سقطت أممٌ سابقة. و يبدو أن عقلاء أمتنا قليلٌ لا رأيَ لهم، إذْ لم يحاولوا حتى تأخير سقوطها لِئلّا يكون بزمانهم فيبوؤوا بأوزارٍ عظام يوم الحساب. فآثروا، جهلاً و كبْراً، أن يتحملوا ما لم يحمله أمثالهم قروناً ماضية.