إن القليل جدا من الحرية يجلب الركود، والكثير جدا منها يجلب الفوضى، إذا فتجاوز الحدين يوقع المرء بالضرر والشر, وحتى نتجاوز الضررين لابد من ضوابط وحدود تبين مساحته المستحقة من الحرية، ولكي يتحقق ذلك لزمه أن يلتزم بهذهِ الضوابط والحدود، التي تجعله يتمتع بالحرية ويسعد بها وينشئ مجتمعاً متكاملاً ومتحاباً ومترابطا. ما أعظمها من رفعة للإنسان حين يرى نفسه في ظِلِّ الإسلام، مُتَحَرِّرًا من تأثير عادات المجتمع وقيوده..! فهو يأكُل ويشرب، ويلبس وينام، على الطريقة التي أرشدها إليها ربُّه وخالقُه، فيُمَحِّص عادات المجتمَع، ويُحاكمها إلى ما يؤمن به، وليس ينساق وراءَها كالبهيمة العجماء، مُقَلِّدًا أو محاكيا. ولا يمكن لهذا أن يكون إلا إذا التزم المسلمُ بمنهجٍ سَماوي غير أرضي، فيشعر بالحرِّيَّة الحقيقية، حين يرى غيره واقعًا في أغلال وقُيُود تقليد الآخرين ومحاكاتهم، كما تُحاكي الببغاء كلام صاحبها. بقي أن نقول: إنَّ الإسلام إذ يُرشِد أتباعه إلى هذا السمُو وهذه الرفعة، لا يفرضها فرضَ إلزامٍ وحتم دائمًا، بل يندبهم إلى الأخْذ، ويُرَغِّبهم في ذلك، فإن فعلوا فبها ونِعْمَتْ، وإلاَّ فقد حَرَمُوا أنفسهم من الأجْر، اللهم إلاَّ في أُمُور قليلةجدًّا، يمنعهم من فِعْلها إلزامًا، لِمَصْلحةٍ أكبر للشخْص أو للمجتمع. 1