لاحظوا معي، عندما يأتي الحديث عن الرجال في السعودية؛ فإننا نصنّفهم إلى ليبرالي تغريبي وأصولي إسلامي، وعندما يأتي الحديث عن النساء السعوديات فإننا نتحدّث عن الحرّية. لم يكن السعوديون يحلمون بعُشر مساحة الحرية الحالية؛ قبل عشر سنوات من الآن كان الحديث عن تكفير التفكير يحتلّ مساحة أوسع من الحديث الحالي عن التفكير في التكفير، وإزاء هذا لم يستطع السعوديون التحرّر من أغلال نظرتهم القاصرة للمرأة. جاء ارتباط حرّية المرأة في الذهنية السعودية بالتحرّر بطريقة أقلّ ما يُقال عنها أنّها فارغة من محتواها، ولنا أن نسوق هذا التعبير على قضايا الاختلاط والحجاب والكفيل والمحرم، ليس على المرء أن يكون ذا مزيد نباهة حتى يحرر المصطلحات التي يُراد تحرير المرأة منها ليكتشف أنّها ذات صبغة إسلامية، فقوانين الكفيل والمحرم، وأعراف الحجاب والاختلاط تربّعت سدّة مشهد حرّية المرأة السعودية، لتصرّ على تحرّرها قبل تحريرها من قيود فرضها الدين والمجتمع والدولة. كوني لا أصنّف نفسي ولا أحتمل أن يصنّفني أحد، أجد من المفهوم لديّ أن دعوات الحرّية والتحرّر الحالية للمرأة والرجل في السعودية إنّما تعني سلخهم ممّا تعودوا عليه، ليس من المهم أن يكون ما تعوّدوا عليه صحيحاً أم لا، ليس بالضرورة أن يكون البديل ملائماً، وليس بالضرورة أن يكون البديل موجوداً أصلاً، ولكنّ الأهم هو سلخ النمط الفردي المتعارف عليه إلى نمط فردي يخلق ذاته، ويشكل اجتماعيته التي يتواطأ عليها، بعيداً عن الأعراف والتقاليد، أو حتى بعيداً عن الدين. يمكن تسمية هذه المرحلة من تاريخ المجتمع السعودي ب "الفوضى الأخلاقيّة الخلاّقة"، وهي بالمناسبة تسمية قد نجد لها أصلاً عند البحث الجاد، وفي سعيها إلى خلق نظام عالمي جديد تكرّس منظمة التجارة العالمية ضمن بنودها ما يُعرف بالنوع الاجتماعي، أو ما اصطلح عليه ب "الجندر"، والفكرة ببساطة أن البيئات العملية المعدّة لتطبيق أنظمة التجارة العالمية عليها يُفترض فيها أن تلغي التمييز الجنسي بين الذكر والأنثى، وعلى هذا الأساس نحن أمام نتاج اجتماعي متخلّق بناء على مُعطيات تتطوّر يوماّ بعد يوم حولنا، المشكلة الحقيقية أن ما سيتخلّق نتيجة هذه الفوضى قد يكون مسخاً أو جنيناً مشوّها. بعيداً عن التفريق بين الرجل والمرأة على أساس ديني، فإن صهر النوع البشري في صنف اجتماعي تطبّق عليه المعايير ذاتها هو اختلال في طبيعة التفكير البشري، وكما تتطوّر التقنيات، فإن فكر الكائن البشري يتطوّر سريعاً، نحو الهاوية على ما يبدو. لذا فإن بروز ظواهر السحاقيات والشواذ والمخنّثين، وفاقدي الهوية الجنسية، إضافة إلى الفتيات المسترجلات والبويات، وغيرها من الظواهر الغريبة ليست إلاّ مؤشرات طافحة على السطح لانصهار أعمق، انصهارٍ ذي قرنين، لا نرى منهما إلا احددابهما. إن الحُرّ حرّ، سواء كان ذكراً أم أنثى، أكان عبداً أم سيّداً، غنيّاً أم فقيراً، أمّا المتحرّر فهو دائماً دوّامة تدور في ذاتها، حتى تأكل نفسها. (إبراهيم الأفندي)