بصراحة يكاد أن يطالب بعض أبناء الدول العربية دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، بكل رغيف الخبز الذي بين يدي أبناء دول الخليج بعد أن كانوا يطالبون بنصف هذا الرغيف. ومن منا لا يتذكر مطالبة عبدالناصر دول الخليج أن تعطي دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية نصف دخلها من النفط للدول العربية، في ذلك الزمان لم نكن نعلم إن كان هذا الطلب من باب العروبة والأخوة العربية أم أنه كان من باب الفتونة وفرد العضلات . ولكنها كان مزاعم ومطال خرجت من دول الاشتراكية العربية مفاده أن العروبة تفرض على دول الخليج أن تعطي دول الخليج نصف مدخولها ليتم توزيعه على بقية الدول العربية، والحق يقال أن دول الخليج منذ أن من الله عليهم بنعمة النفط وحتي يومنا هذا يعطون ويعطون .. وإن كانوا لا يعطون نصف الرغيف كما لا تزال تطالب بعض الدول العربية إلا وأنها والشهادة لله يعطونهم تقريباً ما يقترب من هذا النصف إلا قليلاً من هذا الرغيف ويتكفل رعايا تلك الدول العربية العاملة في دول الخليج بأجزاء أخرى من هذا الرغيف ويقومون بتحويله إلى دولهم. ومشكلة العطاء الخليجي لبقية الدول العربية، هي في أنها خلقت فكراً وثقافة أصبحت مقتنعة بها شعوب دول عربية بأكملها، مفاد هذه القناعة أن هذا الدعم والعطاء هو حق وفرض من المفروض على دول الخليج تأديته وإلا العقاب وتحريض متوسطي الدخل في دول الخليج على الثورة على حكامهم، وليس هذا هو المهم ولا حتى الخطير في هذه الفرضية التي فرضتها الأفكار الاشتراكية والبعثية والشيوعية .. الخطير هو أن هذه الفرضية خلقت مجتمعات من الحاقدين على ما هو لدي دول الخليج والأخذ بمسألة الأسباب . لماذا دول الخليج تنعم بالثروة والرخاء ودولهم ليست كذلك وتطور التساؤل في فلسفة , لماذا هذه حتى بعد اندحار الاشتراكية والشيوعية والبعثية منها ما وصل حد الخرافة ومنها ما وصل حد اختلاق فلسفة حادة تذهب الى حد عسكرة دول الخليج والاستيلاء على ثوراتهم عنوة، وحادثة احتلال الكويت من قبل العراق لم تكن الأولى ولا داعي لتجاهل محاولة عبد الناصر احتلال المملكة العربية السعودية عن طريق اليمن مهما حاولنا أن نكون مهذبين في أفكارنا. تطورنا من مرحلة المطالبة بقطعة من الرغيف إلى مرحلة المطالبة بنصف الرغيف حتى أوصلتنا تلك الأفكار إلى محاولة الاستيلاء على الرغيف وصاحب الرغيف وداره وسيارته وغترته وعقاله. قمنا كعرب بقلب المفاهيم وشوهنا عاداتنا الحميدة وجعلنا من مسألة مساعدة الأخ العربي لأخيه العربي استشكال نستشكل عليه ونخلق حروباً فكرية حول تلك المسألة وأين يبدأ العطاء الخليجي لإخوانه العرب وأين يتوقف؟ وهكذا أصبح كل العطاء الخليجي للدول العربية وكأنه مفروض بالقوة على تلك الدول الخليجية المانحة لذلك العطاء، لدرجة أن مقولة رجل الشارع هي أن دول الخليج لا تجرؤا على قطع تلك المعونات وإذا فعلت ذهبنا إليهم وأخذناه منهم عنوة۔ اختلط هذا المفهوم والذي تنوعت أسماءه وتدرجت تحت مسميات عدة منها .. الدعم العربي .. المعونة العربية .. وغيرها من المسميات، إلا أن الأمر أخذ منحنى ومنعطفاً خطيراً حيث أصبحت المسميات هذه إهانة لأبناء تلك الشعوب العربية، وهذا ما أخذته والتقطته كل القوى المعادية لدول الخليج وعلى رأسهم إيران. وقبل أن أعقب على الدور الإيراني في توغير الصدر العربي على دول الخليج أحب أن آتي على معلومة قد تكون قد فاتت الكثيرين من المتابعين للدعم الخليجي لمعظم الدول العربية .. وهي معلومة أين ذهب العطاء الخليجي للدول العربية وكيف تم التصرف به من قبل رؤساء تلك الجمهوريات العربية وحكومات تلك الجمهوريات التي تلقت هذا الدعم الخليجي. جامعة بروكنج الأمريكية قارنت الدعم الذي قدمته دول الخليج العربي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية لرؤساء تلك الجمهوريات العربية خلال عقود مختلفة من الزمان بدأً من الدعم الذي كان يقدم ويوجه إلى دول ما كانت تسمي بدول المواجهة، بحكم أنها وعلى اعتبار أنها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل ولذلك كانت تسمى دول المواجهة، وصولاً إلى تلك الدول العربية التي هي أبعد ما تكون من المواجهة مع إسرائيل أو حتى انخراطا في مشاكل العرب الأساسية قدرت جامعة بروكنج هذا الدعم . وحتى نهاية الثمانينات، والتي فيها حل الدعم الأمريكي الكثيف محل الدعم العربي بعد تصالح بعض الدول العربية مع إسرائيل، قدرته جامعة بروكنج بحوالي الترليون ونصف الترليون دولار وللتوضيح التريليون دولار هو ألف مليار دولار، قدمت دول الخليج بين منتصف الأربعينيات وحتى نهاية الثمانينات فقط قدمت دول الخليج ألف وخمسمائة مليار دولار للدول العربية ولم يدخل في هذه الدراسة مساعدات مباشرة غير رسمية لتلك الدول العربية. تمت مقارنة هذه الأموال بما قدمته الولاياتالمتحدة والدول الأوربية مجتمعة إلى إسرائيل في تلك الدراسة واكتشفنا أن الولاياتالمتحدة أعطت إسرائيل في نفس الفترة ما يقارب السبعمائة مليار دولار بل أقل من ذلك لأن ولا بد أن نأخذ في الاعتبار الدعم اليهودي الفردي من أعضاء الحركات اليهودية المختلفة للحركة الصهيونية، أين ذهبت أموال الدعم الخليجي للدول العربية وأين ذهبت أموال الدعم الأمريكي وغيره لإسرائيل؟ , ذهبت أموال الدعم الخليجي للدول العربية سواء تلك التي في مواجهة مع إسرائيل , أو حتي تلك التي استخدمتها تلك الدول في مواجهة مع بعضها البعض . ذهبت تلك الأموال إلي جيوب زعماء وأفراد حكومات تلك الدول العربية. أموال الدعم الخليجي للدول العربية أخرجت بليونيرات من دول عربية فقيرة لا يجوز مع فقرها وشدة عوز شعوبها أن يخرج منها حكام ورجال دولة من تلك الدول العربية بثروات تعدت حتى ثروات أثرى أثرياء بعض أبناء دول الخليج، ورغم ذلك تبقى دول الخليج متهمة بالتقصير وبحرمان أبناء بقية الدول العربية من الثراء الذي ينعم به أبناء دول الخليج ولا ينعم به بقية أبناء الدول العربية . مع العلم أن لو لم يستولي قادة تلك الدول العربية على الدعم الخليجي والذي هو موجه في الأساس لهذه الشعوب وليس لجيوب معظم رؤساء تلك الجمهوريات العربية وجيوب أبنائهم ورجالات دولهم، لكانت أحوال أبناء تلك الدول العربية أفضل من الحالة التي عليها أبناء دول الخليج وذلك لضخامة وغزارة الدعم الذي كان ولا يزال ينصب على رؤساء تلك الجمهوريات العربية ولولا هذا الاستيلاء الذي مارسه رؤساء تلك الجمهوريات العربية لقامت صناعات ضخمة في تلك الدول العربية وربما تبيع منتجاتها على دول الخليج وتسد منتجات غربية لازالت تسوق منتجاتها في دول الخليج وبقية الدول العربية. ولن نقول أن إسرائيل أحسنت استخدام الدعم الأمريكي لها ولكن لا يسعنا إلا أن نقول أنه لم يذهب إلى جيوب حكامها ورؤسائها، حقيقة مرة يندى لها الجبين العربي أن نكتشف أن كيان صهيوني ممثلاً في هذا الكيان الإسرائيلي لم يسرق أموال شعبه رغم خسة الفكر العام لديهم وقذارة مخططهم الصهيوني إلا أنهم لم يرتكبوا ما ارتكبه رؤساء جمهوريات دول عربية وفي مقارنة يندى له الجبين العربي أكثر و أكثر . وعندما نعلم على سبيل المثال أن منظمة التحرير الفلسطينية بما أننا نستخدم المثال الإسرائيلي في حسن استخدام الأموال، نكتشف أن منظمة التحرير الفلسطينية ومنذ قيام الثورة الفلسطينية قد حصلت على دعم مالي من كل الدول العربية غالبيته العظمى من دول الخليج العربي ما يزيد عن الثلاث ماءة مليار دولار، تقريباً ربع الدعم الخليجي للدول العربية ذهب إلى منظمة التحرير الفلسطينية وماذا كانت النتائج وأين ذهبت تلك الأموال؟ أقول لكم ذهبت هذه الأموال إلى جيوب الفلسطينيين المنخرطين في منظمة التحرير الفلسطينية تلك وأصبحوا من رموز المال في العالم، وهذا مثال منظمة من المفروض أن يذهب كل قرش تتلقاه إلى لاجئين ومشردين من أبناء الشعب الفلسطيني، لا أن يذهب في جيوب المنخرطين في تلك المنظمة من فلسطينيين أدركوا مدى الكم المالي القادم إلى هذه المنظمة فانخرطوا بها وهم في الحقيقة لا يهمهم ما يحل بالشعب الفلسطيني ولو فنى عن آخره هذا الشعب الفلسطيني وكل ما يهمهم هو الكم الذي سيستحوذون عليه من هذا الدعم المالي المنقطع النظير. ومثال منظمة التحرير الفلسطينية هذا هو أسواء تلك الأمثلة العربية فيما يتعلق ببعثرة الدعم الخليجي لدول عربية. مثال منظمة التحرير الفلسطينية وما حاكاه من نهب وسلب من بقية رؤساء تلك الجمهوريات العربية لا يبتعد كثيراً عما حصل لأموال الدعم الخليجي لمنظمة التحرير الفلسطينية نهب هؤلاء أيضاً أموال الدعم الخليجي ووضعوها في حسابتهم المحلية والسويسرية وتركوا أبناء شعوبهم يلومون دول الخليج على ثراءهم، يحسدونهم على ما هو في حقيقة الأمر أكثر منه موجود في جيوب رؤساء جمهورياتهم، ولو وجهوا نظرهم وحسدهم هذا إلى جيوب رؤساء جمهورياتهم وما في أيدي رؤساء جمهورياتهم وأبناءهم وليس إلى ما في أيدي أبناء دول الخليج العربي لخرجوا بقناعة وحقيقة أن دول الخليج أخذت من أفواه أبناءها وأعطته لمن كانوا يحسبون أن به سيطعمون أفواه أبناء دول عربية بحاجة إلى الطعام والدواء والكساء. هذا الأمر يجب أن يعرفه ويعيه كل أبناء الدول العربية وذلك لأن من يريد الخراب للعالم العربي بأسره اخذ يدق على هذا الوتر الحساس وأما كبار العازفين على هذا الوتر الحساس فهم الإيرانيون فمنذ قيام الثورة الإيرانية ودعواها المزيفة التي، تحت شعارها، أطاحت بعرش الشاه في إيران، دعوى إعادة ثروات البلاد إلى أبناء البلاد والمساواة بين أبناء الشعب قدر الإمكان .. جمعت كل شعاراتها الثورية والتي يعلم الشعب الإيراني أكثر من بقية شعوب العالم أن هناك مليارديرات تحت تلك العمم الشيعية ولا أظنهم أتوا بتلك المليارات من تجارة أو من بيع كتبهم العظيمة، المهم، أخذت الثورة الإيرانية رغم كل مساوئ عمائمها تؤلب القلوب العربية وتوغرها ضد دول الخليج العربي بالذات، كل هذا من أجل تغدية حلمهم الوحيد وهو أن تحدث حالة من السعار في الدول العربية فتنقض على دول الخليج هذه وتنتزع تلك الثروات من أيديهم فتعتدل كفة الميزان وبهذا تتحقق العدالة من المنظور الإيراني. لذلك تجد أن التركيز على محاربة الفكر الإيراني بكل أبعاده وتوجهاته يجب أن ينصب جل تفكيرنا عليه وتفعيل كل قوانا على إجهاضه بشتى الطرق والسبل ولقد كان ولا يزال مثال حراكهم في العراق على هذا المنوال من تحريض أبناء الجنوبالعراقي ضد أبناء شماله الذي تتمركز فيه منابع النفط العراقي لهو أفضل دليل على خبث ودموية هذا الزحف وهذا الفكر الإيراني المدمر، وما هو إلا قليلاً لتبدأ مواجهة مسلحة بين جنوبالعراق وشماله. وعندما تم كشف وافتضاح حقيقة نواياهم في سورية عندما قاموا بإثراء الطبقة الحاكمة في سورية وتجويع بقية الشعب السوري الذي على عكس رئيسه وحكومته رفض الانصياع والانخراط والخنوع للراية المجوسية قرر مجوس إيران إثراء رئيس سورية وحكومته وتجويع الملايين من أبناء الشعب السوري لمجرد أن الحكومة موالية للنظام والفكر الإيراني والشعب يرفض ذلك الخنوع وذلك الولاء. الحراك السعودي في محاربة ومكافحة آفة الفكر الإيراني المجوسي لا بد وأن يرافقه ويسانده وعي عربي شامل، وعي عربي يعي خطورة هذا الحراك الإيراني المجوسي وزحفه الخطير والذي يحمل في طياته فكر زائغ عن الشرائع الإسلامية الحقة من جهة ومن جهة أخرى يطبق ويعمل على انتهاج مخطط مجوسي كان ولا يزال في صميم الفكر الفارسي منذ زوال ملكهم وسقوطه المدوي على يد الرسالة الإسلامية والتي ما باتوا إلا يحلمون ويخططون السبل والوسائل للقضاء علي الرسالة الإسلامية، يعلمون أن الله مخيب كل آمالهم وأن الله حافظ لدينه ومظهره على العالمين وفئة قليلة من الفرس لا زالت تعض على سنة محمد صلى الله عليه وسلم بنواجذها رغماً على كل شياطين المجوس. نافزعلوان - لوس أنجليس