كانت المجموعة القصصية (وجوه من الريف) أول إصدار مطبوع للمثقف والمفكر السعودي العملاق حجاب بن حسن الحازمي، ومن بعدها ترك أستاذنا الكبير مجال القصة ليكتب بعدها 12 كتاباً عن الثقافة والتاريخ والتربية والآداب حتى وصل العام الماضي إلى حيث يستحق وهو يحصد جائزة سلمان بن عبدالعزيز للمتميزين في كتابة تاريخ هذا الوطن. وحين تقرأ نتاج هذا الاسم الضخم تكتشف أولاً قدرته الفائقة على اصطياد الأفكار والعناوين وحين تسافر في (سِفْره) الضخم تكتشف ثانياً ما قاله زميلي وأستاذ جامعتي الدكتور، محمد بن علي الحازمي، ليلة البارحة، من أن كل كتبه وأبحاثه تشترك في الصفة الأهم وهي أنها طبيعة بحثية أكاديمية يستحق على الكثير منها لقب – الدكتوراه – بكل الامتياز الذي لم يسع إليه. قصة حجاب الحازمي الشخصية أنه – وجه من الريف – الذي أبدع منسياً بلا ماكينة إعلامية للدفع ولو كان له ربع – ماطور – لكان اليوم أشهر من قسم جامعي كامل، بل مضروباً في العشرة. قابلته للمرة الأولى قبل زمن طويل في منزل الوالد عبدالله بن إدريس وكان حواراً على الطاولة بين نخبة من (المحافظين القدامى) وبين وجه ثوري تغييري ورغم كل الاختلاف سأذكر له اليوم ما قاله لي تلك الليلة البعيدة: لا تترك يا علي آراءك الصارخة التصادمية حروفاً على اللسان بل أكتبها حبراً على الورق. وقد فعلت. وحين قابلته البارحة في حفل أهله لتكريمه وجدته ذات المبدع الذي اشتعل (أبيض) في الوجه والقلب والعقل والوطنية وأكثر من هذا في القدوة التي يزرعها لمئات الشباب والأطفال الذين كانوا معنا في الاحتفال في هذا المكان (الضمدي) النائم في ركن هادئ وغارق في النسيان. كأنه يقول لكل فرد منهم بعمله ما لم يقله بلسانه كأنه يقول إن الأوطان لا تأتي إلى النائمين الكسالى بقدر ما يكون المنتج العامل هو من يوقظ وطنه وأهله إليه، كأنه يقول لهم إن وجهاً من الريف يستطيع بالأمل والعطاء أن يدخل إلى قلب الوطن وأضوائه وجوائزه. كأنه يرسم للمنسيين خارطة الطريق وكأنه يقف أمامهم برهاناً حياً على كسر المستحيل. كأنه يعود خمسين عاماً للوراء ليوزع شعر لحيته – الأبيض – على منابت الشعر في وجوه كل هؤلاء الشباب كي يقول لهم: لقد وصل وجه من الريف. المصدر