برز صدى واسع تناقلته وسائل الاعلام العربية والعالمية , ونال إشادة أميريكية عبر عنها البيت الأبيض الأميركي , و10 داوننج ستريت مقر رئيس الوزراء البريطاني , والأوساط الأوروبية المختلفة , كونها أول تجربة عربية في هذا المجال , حيث يضطلع الاعلام بدوره بقولبة المعطى السياسي للإنتخابات الرئاسية المصرية التي بدأت يوم أمس للمصريين المقيمين بالخارج حيث يبلغ عددهم 8 ملايين ومن يحق لهم الاقتراع 4 ملايين , أدلى منهم أكثر من 250 ألفا ... وقد تناول محللون مصريون وعربا وأجانب تلك المناظرة وعدوها مؤشرا بأن يكون التنافس الحقيقي على منصب رئيس "الجمهورية الثانية" بعد أن تم طي الجمهورية الأولى التي امتدت من عام 1952م عقب انقلاب الضباط " الأحرار" على حكم الملك فاروق الأول , والذي أسموه ثورة يوليو , ومن المفارقات أن "الإخوان المسلمون "شاركوا الضباط الأحرار ودعموهم للإنقلاب على القصر , وبعدها أدار لهم عبد الناصر ظهر المجن بعد حادثة المنشية لاغتيال الرئيس الراحل عبد الناصر والتي اتُهم فيها "الإخوان المسلمون" بالتخطيط والتمويل والتنفيذ , وتم من ذلك حظرها وكانت قد حظرت أيام الملك فاروق لاتهامها باغتيال إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء المصري بأواخر العهد الملكي . وهاهم الاخوان المسلمون يقطفون ثمار ثورة 25 يناير 2011م ويقتنصون أغلبية مقاعد البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى ويزجون من غير اعلان ذلك بعبد المنعم أبو الفتوح الذي كان عضوا بجماعة "الإخوان المسلمون " الذي يعتبر رسميا مرشحا مستقلا , بينما مرشحهم الرئيس محمد مرسي , ولعل الجماعة تدرك أن حظوظ أبو الفتوح أكثر من حظوظ مرسي لعوامل منها ميل الشعب المصري والعسكر لرئيس جمهورية من خارج الجماعة أو حزبهم "الحرية والعدالة " إذ لاينسجم الوضع بهيمنة حزب واحد على كافة السلطات البرلمان ورئاسة الجمهورية ومن الطبيعي أيضا أن يكون رئيس الوزراء من نفس الحزب كي يكون متجانسا مع مجلس الشعب لتمرر قرارات الحكومة وتسيير أمور الدولة دون تعقيدات , ولذلك فحظوظ أبو الفتوح قوية خاصة بعد خروجه عن جماعة "الاخوان المسلمون " وعدم انتمائه لأي حزب سياسي بصفة رسمية , لكن عقائديا يميل لأطروحات حزب الحرية والعدالة التابع " للإخوان المسلمون " المرشح الآخر الأمين العام للجامعة العربية الأسبق ووزير خارجية مصر الأسبق والذي عرف عنه مواقفه العروبية والمناصرة لقضية فلسطين وتبرمه من توجهات السياسة المصرية الخارجية المصرية تجاه الوضع في غزة حتى أنه نال شعبيته من مواقفه التصادمية مع الاسرائيليين والأميركيين إبان تسنمه منصب وزير خارجية مصر وبعدها أمانة الجامعة العربية , ولعلنا نذكر المغني الشعبي الذي غنى (بحب عمرو موسى وأكره إسرائيل ) الأمر الذي منع بموجبه المغني من إحياء حفلات غنائية بالولايات المتحدة الأميركية بتهمة العنصرية, وعداء السامية !!!! وبرأيي أن عمرو موسى حتى وإن كان أحد رجالات عهد حسني مبارك إلا أن مواقفه من الملف العربي والفلسطيني الاسرائيلي بصفة خاصة دائما ما تثير تصادما بين مصر وأميركا إلى أن وجدها سانحة ليترشح لأمانة الجامعة العربية ,ولكنه ظل يعترض ويبدي امتعاضه من فرط الاندفاع المصري نحو وجهة النظر الأميركية نحو إسرائيل وقيامها باتنفيذ رغبات إسرائيل وأميركا للتضييق على قطاع غزة, ولعل الجدار الحديدي الذي شيدته مصر بين الأراضي المصرية وقطاع غزة ؛ وكذلك سماح مصر للطيران الاسرائيلي بقصف الأنفاق التي تنتشر على طول الحدود بين رفح المصرية والفلسطينية وهي المنفذ الرئيس لقطاع غزة على العالم , مما سبب ضائقة لازالت تنغص على أهالي قطاع غزة وإن خفت بعض الشيء بعد ثورة 25 يوليو , التي ساندها موسى وأشاد بها وتناول ديكتاتورية حكم مبارك وبخاصة بالعشر سنوات الأخيره من حكمه , وهذا مااكسبه رصيدا شعبيا بين مختلف طبقات الطيف المصري .. وعن المناظرة استغل عمرو موسى مواقفه السابقة والحالية وخبرته السياسية وعلاقاته الدولية ليكون الأحق بمنصب الرئاسة والحل الوسط بين الليبراليين واليسار المصري وبين الحركة الاسلامية التي تحظى بقبول شعبي واسع , ونظرا لعدم تقبلهم أن يأتي رئيس للجمهورية من الوجوه السابقة حتى وإن كانت على النقيض من نظام الحكم السابق نظرا كون عمرو موسى لم يكن عضوا بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم والذي حله الرئيس السابق مبارك تنفيذا لواقع الشارع المصري الذي كان يطالب بالأساس بتنحيته عن الحكم , ولم يشفع حل الحزب لتهدأ الأمور بل تم التصميم لازاحة مبارك نفسه وزهذا ماتم أخيراً. أتوقع أن تكون نسب المرشحين بالانتخابات متقاربة جدا ولايمكن الجزم الآن بمن سيكون الرئيس المقبل وشخصيا ومن واقع الوضع الاقتصادي المصري ومن حيث الخبرة والعلاقات الدولية أعتقد أن التدرج مهم؛ وأن تركز السلطات بيد فريق واحد لن تساعد بانتشال الاقتصاد المصري وإن كلانت إجرائيا ستسمح بعدم وجود انقسامات حادة بين السلطات الثلاث , البرلمان , الحكومة , رئاسة الجمهورية . يبقى المجلس العسكري الحاكم حاليا له قراءته الخاصة , وهو المؤتمن على أمن واستقرار البلاد, ويمسك حاليا بنفس الصلاحيات الواسعة التي كانت لرئيس الجمهورية بحسب الدستور مع بعض التعديلات التي تمت بتوافقه مع الاسلاميين , فالمجلس العسكري بالطبع يفضل أحد المرشحين عمرو موسى أ وأحمد شفيق, أميل شخصيا للتدرج وعدم تغيير كل أطر السياسات الداخلية واستبدال كافة شاغلي الوظائف العليا من منصب وكيل وزارة والمديرين العامين بالوزارات بحجة انتمائهم وتوجههم وتربيتهم التي نشأؤا وتوارثوا أدبياتها وثقافتها على امتداد ستين عاما وتحديد منها ثلاثين عاما من عهد حسني مبارك , لأن ذلك لن يحقق تنفيذ سياسات الحكومة المقبلة بعد انتخاب رئيبس للجمهورية ولذلك لابد من الحذر من تكرارتجربة العراق حين تم إقصاء موظفي الدرجة الأولى من ممارسة أعمالهم بالأمن والقوات المسلحة ومن دواوين الوزارات مما خلق أزمات طاحنة لازالت تعاني منها العراق إلى الآن , فمع انتخاب رئيس يدين بوصوله لكرسي الرئاسة للأحزاب التي تشكلت بعد ثورة 25 يناير 2011 ومنها حزب النور" السلفي " وحزب الحرية والعدالة "إخوان مسلمون" سيكون أداة طيعة لتينك الحزبين ولرئيس الوزراء الذي سيكون هو الشخصية القوية وبخاصة بالسياسة الداخلية والاضظلاع بالاشراف على الاقتصاد والأمن وبذلك سيكون من الصعوبة على رئيس جمهورية من يتبنى نفس التوجهات بالتغيير الشامل أن يحد من ذلك التوجه ولابد له ليستمر أن يتوافق مع من يملك الأكثرية بمجلس الشعب والحكومة. لذلك فالأقرب من حيث الكاريزما ومن حيث الانسجام مع توجه المجلس العسكري الذي اضطلع بالحكم بعد تنحي مبارك , وللتوضيح أن الجيش المصري بكافة قياداته وأطره لم يكن جيشا مسيسا , ولكنه بعد تلك المرحلة التي قضاها بالحكم سيكون الرقم الصعب في توجهات السياسة الداخلية المصرية وبخاصة الأمنية منها ولايمكن أن ينجح أي رئيس لايستمد قوته من الشعب ومن العسكر . فمن هو المرشح القادر على الظفر بولاء أكثرية الشعب المصري والعسكر , باعتقادي ومع توجه سائد أن كثير امن الاخوان لمسلمين تيبدون تخوفهم من أن يكون الرئيس القادم من الاخوان حتى لاتستدعي ريبة وشكوك العسكر ويتم تأليب كافة الأحزاب والفريق الأكبر من المصريين الصامتين ليشكلوا عامل ضغط قوي ينادي بعدم استئثار فريق واحد " الاسلاميون" بالانقضاض على كافة السلطات , وبناء على ذلك ومن خلال ردود الفعل الباهته لكبار قيادات الاخوان والسلفيين على استنبعاد اشهر مرشحي الاخوان والسلفيين وهما خيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل . ومن خلال ماتقدم باعتقادي أن أحمد شفيق هو الشخصية التوافقية ليس الأكثر حظا بالفوز بل الأكثر قدرة على نيل رضا العسكر و مثقفي مصر والأصوات المتعقلة التي تخاف على انفراط الأمن ومعه يتدهور الاقتصاد المصري الذي يقوم جزءٌ كبيرٌ منه على السياحة ,وعلى علاقات مصر الخارجية مع أميركا بالذات وفقا لمعادلة نعم لمعاهدة السلام واتفاقيات كامب ديفيد ؛ ولكن ليس على نهج الحكم السابق بل بصورة أكثر ندية مع الجانب الاسرائيلي وأميركا تعي ذلك وقد بذلت جهودا لطمأنة طلائع حكام مصر الجدد مما انعكس على تصريحات الاسلاميين بالابقاء على معاهدة السلام مع إسرائيل , والاتفاقيات الدولية , وهذا بدوره أعطى انطباعات أميركية جيدة منذ تواصلها معهم حتى بآخر عهد مبارك حيث رشَحَ للمتابعين حينذاك عدم تحمس أميركا للوقوف ضد الاطاحة بحسني مبارك وهذا ما منحها رصيدا لدى الشارع المصري ؛ ناهيك أن نجاح من خططوا للثورة بعد تناميها الابتعاد عن الشعارات الخارجية المناوئة لاسرائيل أو لأميركا ؛ وهذا بدوره أعطى دليلا قويا لدي الأميركان والاسرائليين أن الثورة المصرية كانت محلية بحتة بعد ضيق وكبت رافقهما حرمان وبطالة مقابل تهب ثروات وفساد إداري وتزييف انتخابات , مماحدا بمسؤولين أميركيين أن رأؤوا أن ما جرى كان نتيجة طبيعية لعدم أخذ النظام السابق بنصائحهم لتطبيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية , إضافة لما كان يشغلهم عل وضع مسيحيي مصر الأقباط , حيث لمسوا وتأكدوا أن النظام السابق كي يبقى كان يدبر حرق وتفجيرات الكنائس كي يجهض التيار الاسلامي ويلقي باللائمة عليه , وهذا ما تأكد منه الأميركيون عبر الاخوان والسلفيين أنهم لايمانعون حتى بوصول مسيحي لرئاسة جمهورية مصر وبأنهم ليسوا على عداء معهم وإنما كان النظام السابق يتسلق دوليا وإقليميا بتبعية مايجري للأقباط على كاهل التيارات الاسلامية المصرية وختاما من سيتناغم مع الجيش المصري خاصة بعد أن انغمس بالسياسة طيلة عام من الحكم , ومن يستطيع جلب الاستثمارات الأجنية ويعزز القطاع السياحي ويبنى علاقات قوية مع دول الخليج والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة , ويعمل بجدية على الحد من البطالة ورفع الأجور , ولايرتهن لأي فريق أو حزب سياسي هو من يستحق قيادة مصر بالجمهورية الثانية, ولعل أحمد شفيق هو الشخصية الأكثر استحقاقا ولكن ليس الأكثر حظا انتخابيا .