. - من نافلة القول إن محاولة استجلاء واستشفاف حقيقة وطبيعة الموقف السعودي من الطموحات المشروعة لليمن دولة وشعبا في الانتقال إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة، باعتبار أن دولة النظام والقانون المنشودة هي المدخل الأساسي لا بل والوحيد لإمكانية ولوج اليمن مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة، في ضوء استمرار تنامي حالات التعقيد والتشابك ومن ثم الغموض الحادة لدي الكثيرين من المتابعين أو المهتمين وأحيانا المختصين التي تبرز أثناء تناول هذا الأمر برمته، هو الدافع الرئيسي الكامن وراء الخوض في هذا الموضوع من هذه الناحية تحديدا. - سيما أن طبيعة التوجه والموقف السعودي من إرهاصات الأزمة اليمنية الحالية الذي توج بالإعلان والتوقيع على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة ومن ثم التعهد أمام العالم بتحمل تبعات المسئولية التاريخية لإنفاذها على أرض الواقع بالتعاون والتنسيق مع فواعل المجتمع الدولي وعناصر التيار الوطني المعتدل في السلطة اليمنية منها- بوجه خاص- لم يكن توجها وموقفا مرحليا طارئا ومؤقتا يغلب عليه طابع رد الفعل أكثر منه الفعل نفسه، بل أكاد أجزم بصفتي معنيا بالشؤون الاستراتيجية في منطقة واسعة كغرب المحيط الهندي بأقاليمها الأمنية الثلاثة الفرعية (الخليج العربي، البحر العربي، البحر الأحمر)، أنه مرحلة متقدمة في الرؤية والموقف الإستراتيجي لا وبل المصيري السعودي الذي تتبناه عناصر التيار الوسطي المعتدل في السلطة، الذي تبلورت معالمه الرئيسة على مدار العشر سنوات ونيف الماضية، التي شهدت نشوء وتبلور ومن ثم تطور حركة تغيير جذرية صامتة في واقع بعض مكونات الدولة اليمنية والمؤسسة الدفاعية والأمنية منها- بوجه خاص، التي كانت تسير في الاتجاه المضاد لرؤية وموقف التيار المتطرف المناهض لحركة التغيير والمهيمن على مقاليد الأمور منذ عقود مضت. - ومن هذا المنطلق يمكن إعادة بلورة ومن ثم صياغة بعض أهم التساؤلات الرئيسة بهذا الشأن، لكن من ناحية يندر التطرق إليها- أحيانا- كيف يمكن إعادة تقييم الموقف السعودي من الأزمة اليمنية الحالية- استنادا- لهذا السياق من التحليل هل هو موقف مرحلي- تكتيكي لا يختلف كثيرا عما درجت عليه السياسية السعودية في العقود الماضية من توجهات وممارسات أم هو رهان إستراتيجي مصيري، فرضته المعطيات الظرفية للبيئة الداخلية والخارجية، لم يشهده واقع العلاقات الثنائية على مدار التاريخ المعاصر- هذا وإن لم نقل والتاريخ الحديث ؟ - وبمعنى أدق أخر ما طبيعة حقيقة المصلحة الحيوية العليا لا بل والمصيرية المرجوة للسعودية ومن ثم للمجتمع الدولي التي تكمن في الحرص التام ليس على أهمية تجنيب اليمن الدخول في سيناريو الانفلات الأمني ومن ثم الاحتراب الأهلي فحسب، بل وأيضا على ضرورة الانتقال الأمن لليمن إلى مرحلة دولة النظام والقانون ومن ثم التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة ؟ سيما أن هذا السؤال هو الذي سوف يقودنا إلى إيجاد التفسير شبه مقنع للسؤال المحوري في موضوع مقالنا هذا، بالاستناد على ما نستشفه من مؤشرات ودلالات جاءت بها بنود المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة واضحة جليه وضوح الشمس، مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة ومستوى ومن ثم حجم وحيوية هذا الموقف في صيغته النهائية أكثر منه الحالية. - والذي مفاده هل الموقف السعودي في صيغته النهائية مع حركة التغيير شبه الصامتة الجذرية أو شبه الجذرية في الفكر والممارسة التي يسير علي هداها التيار الوطني المعتدل في السلطة اليمنية منذ عشرة سنوات ونيف، والتي يتوقع أن تبلغ حد الذروة في المرحلة القادمة ضمن إطار استراتيجية وطنية وشاملة معدة لمثل هذا الغرض سلفا، اتضحت أهم معالمها الرئيسة في بنود المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة أم لا ؟ كيف ولماذا ؟ ومن واقع الإجابة عليه نستطيع إعطاء تفسير منطقي لسؤال أخر كثرت حالة اللغط بشأنه مفاده هل كان- ومازال- الموقف السعودي الرسمي مع ثورة الاحتجاجات وأعمال العنف والفوضى والمظاهر المسلحة التي هيمنت على المشهد السياسي منذ مطلع العام الماضي حتي الوقت الحالي أو ما أصطلح على تسميته ب(ثورة الربيع العربي) أم لا ؟ أم أنها تقف عن طريق بعض الجهات مع تيارات جنوبية وإصلاحية , كالتيار الجنوبي , والتجمع اليمني للإصلاح الذي قاد العملية السياسية للتغيير . - وأخيرا وليس أخرا ما حقيقة استمرار تنامي حالات التقارب والتجاذب بين قيادات البلدين، بمعنى أخر هل يقف البلدين بالفعل على مشارف بوابة أهم مرحلة في تاريخ العلاقات الثنائية على الإطلاق، في ضوء وجود احتمالات تؤكد إمكانية دخول العلاقات بينهما أتون المرحلة الذهبية المنشودة، التي سوف تقوم على أسس الشراكة الحقيقية والمصيرية والتي برزت بعض أهم معالمها الرئيسة في العام الماضي، على خلفية طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التحديات المصيرية التي تواجه البلدين، ومن ثم البيئة الإقليمية لدول الخليج العربية برمتها ؟ . [email protected]