لا شك أن توقيع ورقة المصالحة الفلسطينية يسجل كإنجاز مهم لحركتي النضال الفلسطيني فتح وحماس على حد سواء ، وبذات الوقت يسجل كنصر كبير وهام للرئيس الفلسطيني محمود عباس ( أبو مازن ) ، الذي أصر على ضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينية رغم كل الظروف التي تمر بها القضية والسلطة الوطنية الفلسطينية لمعرفته وبقينه أنّ إنهاء الانقسام كما يريد هو ويرغب العالم ويطالب الشعب الفلسطيني يشكل طوق نجاة للقضية الفلسطينية التي أوشكت بفعل حماس الانقلابي على الاندثار ، وبذات الوقت لمعرفته ويقينه أن الاختلاف الفلسطيني الداخلي يشكل طوق نجاة لإسرائيل للتهرب من استحقاقات عملية السلام التي يرعاها العالم ، ويبرر رفضها لقيام الدولة الفلسطينية الواحدة المستقلة بحدودها الثابتة وعاصمتها القدس . كما أنّ توقيع حركة حماس عليها قبل فوات الأوان جاء لمعرفة حماس وفهمها أنّ خيار الوحدة الوطنية الفلسطينية هو الأجدر بأن يكون خيارها والأسلم لها للنجاة من البحر المتلاطم الأمواج الذي بات يعصف بالعالم العربي شعوبا ودولا ونظما ، وهذا الإنجاز الكبير للحركتين وللرئيس الفلسطيني لا شك أنه يسجل كانتصار تاريخي كبير ومهم للشعب الفلسطيني وخياره وقراره الأخير الذي رفعه في جانبي الوطن الفلسطيني ( الشعب يريد إنهاء الانقسام ) ووقوفه بحزم خلف شرعية منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس أبو مازن . أما وقد وقعت فتح وحماس على ورقة المصالحة الفلسطينية التي أعدتها مصر العربية التي نالت شرف تجهيز الفلسطينيين للنصر الكبير، بما يعني لجوءهما لخيار التكامل والتلاحم ونبذ الخلافات وحل المستعصي منها بالطرق التفاوضية الشرعية ، فما هو المتوقع والممكن والخطر والأخطر لما يمكن أن يواجهه الفلسطينيون في الفترة القادمة ؟؟؟ . فالمتوقع أن تستمر كل من حركتي فتح وحماس بمحاولات سحب أحداهما لجهة الأخرى خاصة في مجال الخيار السياسي الفلسطيني ، وتحديدا في خيار المفاوضات والمقاومة الشعبية الذي ترعاه فتح ، خاصة بعد قرار العرب اعتماد السلام كخيار استراتيجي ( الأرض مقابل السلام ) ، وفي هذا المجال تحديدا من الممكن أن تحقق فتح الاختراق على موقف حماس المطالب بخيار المقاومة ولو إعلاميا وذلك كما ظهر من مواقفها ما بعد 2007م م ، وذلك بسبب أنّ الخيار الأمريكي والأوروبي والعربي والدولي كلها أوضحت أنها مع إقامة الدولة الفلسطينية عبر خيار المفاوضات والمسار السلمي ، مع ثبوت وجود اختلافات بين كل هذه الأطراف على هيئة الدولة الفلسطينية ومقوماتها وبنيتها العسكرية . أما المتوقع بمحاولة سحب حركة حماس لحركة فتح لخيار المقاومة كما تصفه ووصّفته ، ففي هذا المجال غير المرتكز على الواقع السياسي ومعرفة المتغير الدولي والإقليمي ، فمن المتوقع أن لا تحقق حركة حماس أي اختراق لجملة من الأسباب موضوعية ، ذاتية وعربية وعالمية ، فحركة حماس نفسها وخلال فترة بناء دولتها في غزة تحققت من أنّ رهان المقاومة في ظل غياب الدعم العربي العالمي هو رهان خاسر يلحق الأذى بالأرض والإنسان والخيار الفلسطيني بالدولة الحرة المستقلة وبالمصلحة العليا للشعب الفلسطيني كما قال هنة والزّهار وجملة مسؤوليها الآخرين في أكثر من مناسبة ومقام ومقال ، وهي نفسها طوال هذه الفترة وخاصة بعد الهجوم الإسرائيلي المدمر الكبير على غزة تخلت عنه بل ومنعت غيرها وبالقوة من ممارسته ، ومالت إلى خيار المفاوضات وإن بطابع غير مباشر عن طريق الأتراك والقطريين والألمان والسويديين والتشيكيين ، كما أنّ حركة حماس يبدوا أنها استوعبت المرحلة وأيقنت أنّ التغيير سيصيب حلفائها السوريين والإيرانيين وحتى سيصيب نظامها في غزة لو بقيت تدعي خيار المقاومة وترعى الانقسام وترفض استيعاب المتغيرات الشعبية والدولية وتطورات السياسة . أما الممكن فهو ميل حماس للمصداقية في طرحها العمل السياسي سواء فازت بالانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة أو خسرتها كما هو متوقع ، واتجاهها إلى ممارسة أو دعم خيار المفاوضات على أساس تحقيق المصالح والثوابت الفلسطينية وهو في عرف الممكن في ظل التغيير العربي والدولي الداعم لوجود دولة فلسطينية مستقلة بين الأردن وإسرائيل ، وفي ظل التوافق الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي الراغب في إعطاء فرصة للإخوان المسلمين بقيادة المرحلة القادمة في دول عديدة لهم فيها نفوذ كمصر وليبيا وسوريا وتونس . أما الخطر واحتمال حدوثه قليل فهو أن تكون حركة حماس اتجهت للعب بورقة الوقت لعل وعسى تتغير الظروف السياسية المحيطة ببعض الدول العربية والإقليمية التي كانت تعتقد خطأ أنها داعمة لها وهي بذلك تكون كمن راهنت على ماء بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، فسوريا اتجهت نحو التغيير والتغير الجذري في سياستها وموقفها سواء كما يريد النظام أو كما تريد المعارضة ، وإيران انكشف دورها وحقيقتها وهي أنها تلعب بكل الأوراق العربية لمصلحة نفوذها القادم في بحر قزوين والعراق وهي مقابل مشاركتها بإدارة المنطقة المحاذية بها ستضحي بحركة حماس وبسوريا وأخيرا بحزب الله . أما الأخطر المتوقع فهو أن ترفض حركة حماس نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية إن جاءت في غير صالحها أو أن تشكك بها وبنتائجها حتى قبيل إجرائها ، وهنا تكون الحرب الأهلية الفلسطينية هي الخيار الخطير والمؤكد والذي سيأكل الأخضر واليابس ويسئ للقضية الفلسطينية وللجميع العربي والفلسطيني ، وقبل كل ذلك قد ينهي مشوار حركة حماس السياسي ووجودها المدني . [email protected] 1