يصنف المختصون بمجال الطب المرض العضوي الذي ينمو داخل الإنسان بشكل خفي لمدد قد تصل لسنوات طويلة دون ظهور أي من أعراضه إلا بمراحل متقدمة, بأنه من أشد الأمراض فتكاً ببني البشر كالسرطان والتليف الكبدي مثلا. بينما هناك مرض نفسي يشترك مع ما سبق في جزئية النمو في الخفاء, ولكنني أجده أكثر خطورة وفتكا, كون تأثيره لا حدود له! بعكس تلك الأمراض.. وأعني داء العظمة "البارا نويا" وهو - بحسب تعريف علماء النفس- (حالة نفسيّة مرضيّة يملك المصاب بها جهازاً عقائدياً معقّداً وتفصيلياً يتمركز حول أوهام لا أرضيّة واقعية لها). نجد المصاب بهذا المرض غارقا في الكبر, ناقما على الآخر, وكل تصرفاته تتسم بالعدوانية والاستبداد وكذلك قراراته تصب في جانب مصلحته الشخصية غير مكترث بويلات الآخرين, كل هذا بسبب طبيعة المرض وتضخم الأنا والتي جعلت منه شخصاً سيئ الفهم لكل ما يدور حوله أو يصدر عن الآخرين اقتناعا منه بأن الكل يرغبون الإطاحة به. ولنا أن نتخيل هنا صنوف القهر وحجم الأضرار التي يلحقها هؤلاء بمجتمعاتهم في مناحي الحياة المختلفة؟! كما أن داء العظمة هذا لا تقتصر الإصابة به على ذوي المناصب الكبرى, بل هناك عينات أخرى مدعاة للشفقة, كبعض مديري الإدارات الدنيا الذين لا يملكون من القرار شيئا, وليس بيدهم الهش ولا النش, وعقولهم خواء, ولكنها لعنة المرض! أبت إلا أن تغمسهم ببحر مليء بالأوهام والهوس فخلقوا لأنفسهم نفخة كاذبة, كتعويض لحالة النقص الداخلي التي يعانون. وبين هذه وتلك خطر مشترك كبير يهدد المحيطين بهم بحسب ما أكدته دراسات متخصصة في هذا المجال. من واقع تأثير (الأوهام المشتركة) على المحيطين وتفريخها لجيل موبوء! بمعنى أنّه عندما يعيش شخص سليم مع آخر مصاب بأوهام نفسيّة لفترة، وبمعزل عن المصادر المصححة لهذه الأوهام، يقوم الشخص السليم بتبنّي أوهام الشخص المريض ويصبح مريضا مثله. فكم هي الحالات المصابة بداء العظمة بمجتمعنا؟ والتي تسببت في إحباط كفاءات شابة وعملت على تطفيشها ودفن طاقاتها بسبب هذا المرض؟ وهل ستتم معالجتها ودرء خطرها لضمان مستقبل خال من الأوهام المدمرة؟. 2