كلنا يتذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم وخلقه فقد كان خلقه القرآن وقد كان رسول الله من أجود الناس كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها وكما عرف الصحابة رضي الله عنهم ذلك فقد كان لايرد سائلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لايخشى الفقر, فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه السجايا الكريمة والأخلاق العالية الرفيعة ولعلنا في هذه المقالة نعرض إلى هذا الجانب من جوانب صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلقة ومن عطائه ومن جوده وبذله النبي صلى الله عليه وسلم هو أجود بني آدم على الإطلاق والمتأمل في سيرة خير الصائمين صلى الله عليه وسلم يجد إن الجود كان من أكثر سجاياه ظهوراً في حياته فما كان صلى الله عليه وسلم يدخر شيئا عنده عن الناس وما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا وقال لا. قال ابن رجب -رحمه الله- كان جوده كله لله وفي ابتغاء مرضاته فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج أو ينفقه في سبيل الله أو يتألف به على الإسلام من يقوى الإسلام بإسلامه فيعطي عطاء يعجز عنة الملوك مثل كسرى وقيصر انتهى كلامه رحمه الله. وعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: ما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا عن الإسلام إلا أعطاه سأله رجل فأعطاه غنما بين جبلين فأتى الرجل قومه فقال لهم ياقوم أسلموا فإن محمد يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، فكان الرجل ليجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه من الدنيا وما فيها, وحملت إليه عليه الصلاة والسلام تسعون ألف درهم فوضعت على حصير ثم قام إليها يقسموها فما رد سائلاً حتى فرغ منها وأعطى العباس رضي الله عنه من الذهب ما لايطق حملة وعن سهل ابن سعد الساعدي أن امرأة أتت الرسول صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها قال: سهل هل تدرون ما البردة قالوا نعم هي الشملة قال نعم فقالت: يا رسول الله: نسجت هذه بيدي فجئت بها لأكسوكها فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج علينا وإنها لإزاره فجسها فلان ابن فلان رجل سماه فقال ما أحسن هذه البردة! اكسنيها يارسول الله. قال: نعم فلما دخل طواها وأرسل بها إليه فقال له القوم: والله ما أحسنت كسيها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ثم سألته إياها وقد علمت أنه لايرد سائلا قال: والله إني ما سألته لألبسها ولكن سألته إياها لتكون كفني يوم أموت, قال سهل فكانت كفنه يوم مات وكان جود خير الصائمين عليه الصلاة والسلام بكل أنواع الجود من بذل العلم والمال والجود بالنفس لله تعالى إظهارا لدينه وهداية للعباد وإيصالا للنفع لهم، وربما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بحاجة أحد من أصحابه، وعرف ذلك في وجه فيوصل إليه العطاء بطريقة لاتجرح مشاعره ولا توقعه في الإحراج كما فعل مع جابر ابن عبد الله رضي الله عنه حينما كانا عائدين من أحد الأسفار وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم بزواج جابر رضي الله عنة فعرض عليه أن يشتري منه بعيره بأربعة دنانير ولما قدم المدينة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلال أن يعيد الدنانير إلى جابر ويزيده وأن يرد عليه بعيره» بل إن كرمه عليه الصلاة والسلام شمل أعداءه فحينما مات رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول جاء ولده للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه أي يكفن والده وصلي عليه واستغفر له فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، وقد ورد في الصحيحين من حديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة، وقد ورد ذلك أيضا من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه وعن غيره من الصحابة رضوان الله عليهم. ولإنسان أن يتفكر كيف كان جوده عليه الصلاة والسلام في رمضان؟ من الواضح تماما أن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام أحرص الناس على الطاعات وأسرعهم في الخيرات ولما كان شهر رمضان شهر الخير وشهر مضاعفة الحسنات لا غروا أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أجود منه في غير رمضان وأن يضاعف البذل كما يضاعف الجهد في سائر العبادات كما أن الجود في رمضان ثمرة من ثمرات مدارسة القرآن والعيش معه «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن» والجليس جبريل عليه السلام والمائدة القرآن الكريم كلام الرحمن أحب كلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولاشك أن المرء يزداد كرما كلما زاد سروره وابتهاجه فكيف لايزداد كرمه صلى الله عليه وسلم وجبريل يلقاه ويدارسه القرآن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس كان أجود مايكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فالرسول صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة» قال ابن حجر في الفتح أنه يستفاد من قول ابن عباس رضي الله عنهما أجود بالخير من الريح المرسلة سرعة مبادرته صلى الله عليه وسلم في الجود والإحسان في رمضان واستنفاع الجميع بذلك كما هي سرعة الريح المرسلة ويفهم من ذلك أن خيره صلى الله عليه وسلم يعم المحتاج وغير المحتاج يعم البر والفاجر كالسحاب تمطر على الناس فتعم المطيعين والعصاه و لعلك أيها القارئ الكريم تتسأل عن المواقف التي نُقلت من جوده عليه الصلاة والسلام ولا شك أن كتب السنة زاخرة ومليئة بفضل الله تبارك وتعالى بجود النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ماورد في الصحيح عن جبير بن مطعم أن الأعراب تعلقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من حنين يسألونه أن يقسم بينهم فقال لو كان لي عدد هذه العظاة نعما لقسمتها بينكم ثم لاتجدوني بخيلا ولا كذوبا ولاجبانا «وأيضا ماورد في الصحيح عن جابر ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال لا وأنه قال لجابر لو جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك كذا وهكذا وهكذا وهكذا وهكذا وقال بيده جميعا» وكرم النبي صلى الله عليه وسلم سجية فيه حتى قبل أن يبعث ولهذا قالت له سيدتنا خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها في أول مبعثه والله لايخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم , وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق «ولو لم أن يكون من كرمه صلى الله عليه وسلم وجوده إلا وقوفه في ذلك اليوم الهائل العظيم الذي يكون فيه كل واحد مهتم فيه بنفسه وهو صلى الله عليه وسلم يقول أمتي أمتي حتى يخر ساجدا لله تعالى وربه يلهمه ما يلهمه من الثناء الحسن مايقال له ارفع رأسك واسأل تعطى واشفع تشفع «فعند ذلك يشفع للأمة.. لا.. بل لجميع الخلق في ذلك اليوم لإراحتهم في ذلك اليوم العظيم ولولم يكن إلا ذلك لكفى وكفى, رزقنا الله شفاعته ورزقنا رؤيته في مستقر رحمتة بمنه وكرمه آمين، (*)رئيس محاكم منطقة جازان