الحمد الله رب العالمين، الحمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير خير الصائمين محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. يقول الله تبارك وتعالى ?إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً?. ويقول صاحب الطيبة: وبعد فإنسان ليس يشرف لذاك كان حامل القرآن=وإنهم في الناس أهل الله وقال في القرآن عنهم وكفى إلا بما يحفظه ويعرف أشراف امة أولي الإحسان=وان ربهم بهم يباهي بأنه أورثة من اصطفى وهكذا أيها الإخوة والأخوات فإن فضل كتاب الله تبارك وتعالى فضل عظيم ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حث الأمة على تعلمه وتعليمه وأخبر أن في ذلك أجرا وفضلا عظيما كما أخبر عليه الصلاة والسلام أن حامل القرآن وقارئ القرآن يوم القيامة يقال له: (اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها). فالحمد لله الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه وتوحد في صمدية بدوام بقائه ونور بمعرفته قلوب أوليائه الداعي إلى بابه والهادي إلى أحبابه والمتفضل بإنزال كتابه تبصرة وذكرى للاستعداد ليوم لقائه السميع البصير فلا تخفى عليه حركات ذرة في لجه بحر عند تلاطم أمواجه وتراكم ظُُلماته انزل القرآن في شهر رمضان فسبحان من جعله نورا للأبصار وربيعا للأبرار وحسرة على الكفار, وتذكرة لأولى العقول والأبصار من المتقين والأخيار, وحادي للنفوس من دار الغرور إلى دار القرار... قال الله تعالى ?وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً?. وعن عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران). وفي البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الاترجه ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها حلو ولا ريح لها ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر). وعن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه واخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده). وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها. قال الخطابي جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة فيقال للقارئ ارق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن فمن استوفى قراءة القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة ومن قرأ جزء منه كان رقية في الدرج على قدر ذلك فيكون منتهى القراءة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يارب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده فيُلبس حلة الكرامة ثم يقول يارب ارض عنه فيرضى الله عنه فيقول له ارق واقرأ ويزاد كل آية حسنة) رواه ابن خزيمة والحاكم وقال صحيح الإسناد. وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القرآن شافع مشفع وما حِل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار) واخرج مسلم عن أبي امامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيع لأصحابه). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرب تبارك وتعالى (من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه. أيها الصوام: القرآن من أفضل سائر الذكر وهو أفضل من جميع سائر الكتب وخاتم الكتب ومهيمن عليها فينبغي للصائم أن يكب على قراءة القرآن وحال السلف الصالح أنهم كانوا يديمون قراءة القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها وتلاوة القرآن مطلوبة في كل وقت ولا سيما في هذا الوقت العظيم. كان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين من رمضان وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه وخاصة في بقية الشهر في ثلاثة. وكان قتادة يختم في كل سبع دائما وفي رمضان في كل ثلاث وفي العشر الأواخر كل ليلة. وكان للشافعي رضي الله عنه ستون ختمة يقرأها في غير الصلاة وعن أبي حنيفة نحوه وكان قتادة يدرس القرآن في رمضان. وكان الزهري إذا دخل رمضان يكثر من تلاوة القرآن وإطعام الطعام. وقال ابن عبدالحكيم كان مالك ابن انس إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد واقبل على قراءة القرآن. وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ من المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت فهذه حال القوم فمن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن واستماعه بتفكر وتدبر وتفهم. قال الخباب بن الأرت رضي الله عنه لرجل تقرب إلى الله تعالى ما استطعت واعلم انك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه. وقال عثمان بن عفان: (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم). وقال ابن مسعود من أحب القرآن أحب الله ورسوله فمن أحب شيئا أكثر من ذكره ولا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم. كما قال بعض السلف إذا أردت أن تعرف قدرك عند الله فانظر إلى قدر القرآن عندك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة) وروى الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ولا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) فكيف هذا مع المضاعفة في شهر رمضان!، نسأل الله تبارك وتعالى من فضله العظيم أن يجعلنا وإياكم من التالين لكتابه الكريم. اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وشفاء همومنا وأحزاننا اللهم علمنا منه ما نسينا اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي ترضاه عنا برحمتك يا أرحم الراحمين. رئيس محاكم منطقة جازان