في ذات المساء الذي أراد الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يجسد وحدة الوطن واقعاً ملموساً ، وأن يضع أولى خطوات التآلف ردد الحاضرون معه على أن يتبعه الآخرون : وحدة وطن .. وحدة ثرى .. وحدة قلوب .. قال جدي : احذروا فكر غريب .. من لبس ثوب الديانة .. غدر وإرهاب وخيانة .. ما يدنس سورنا . في ذات المساء الذي أراده أن يكون مساء وحدة لكل شرائح المجتمع وأطيافه ومرجعياته بعد معاناة مع ليل الاختلافات الطويل أراده البعض أن يكون مساء فرقة . في ذات المساء اجتمعت قنوات التلفزة لتغطية هذا الكرنفال الذي قد يشكل نقطة تحول رسمي ولكنها سرعان ما كتبت بخط أحمر أسفل شاشاتها : ( خبر عاجل : رأي يدعو لهدم الحرم وإعادة بنائه بشكل يضمن عدم اختلاط الجنسين ) .!! هنا أراد البعض أن تكون حواء خارج منظومة الوطن رغم حضورها أمام ملك القلوب في أوبريت الوحدة . افرض أن شخصاً أعلن إسلامه مؤخراً بعد رحلة طويلة مع قراءة الكتب والنشرات التي تبين سماحة الدين العظيم ، وعندما قرر الحج أو العمرة اعتذرناه فبيت الله الحرام مغلق للهدم والترميم !! عندها هل سنبرر له خصوصية التدين السعودي المختلفة عن طقوس بقية المسلمين ؟ أم سنقدم له الأدلة والبراهين التي توضح ضرورة فصل الجنسين ؟ ربما أراد الشيخ الجديد الأحمد أن يوجد مبرراً ومخرجاً لشيخه السابق البراك فهدم البيت حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم مسلم ، وما إن يخفت طلبٌ إلا ويتبعه آخر لا يصلح إلا لفصول كتاب ابن الجوزي رحمه الله . القضية الأخطر أن مثل هذه الآراء المتشددة تحظى بقبول شعبي استغلالاً لعاطفة دينية لدى العامة واستناداً إلى مجتمع لا يؤمن إلا بالشكليات فقط ويعتقد أن كل أصفر ذهباً ، وبالتالي فقد حان الوقت لتجديد الخطاب الديني رسمياً وتحديثه بأسلوب يتناسب مع مجريات اليوم ، فلم نعد نصدق تلك الإيماءات التي أقنعتنا زمناً طويلاً أن حفنة تراب فجرت طائرة في السماء !! ولم يعد لنبرة الصوت ونوبة البكاء طريق إلى قلوب الناس بل صار الزمن زمن العقل ، زمن الحوار ، زمن النقاش الهادف . ولذلك فإنه ينبغي أن تقف وزارة الشئون الإسلامية إن أرادت أن تساهم في بناء وحدة وطن وقفة حازمة مع مثل هؤلاء بتفكيك آرائهم قبل أن تستفحل الظاهرة ويكبر موضع الألم . فإذا كانت المُدخلات اليوم قتل وهدم فماذا ستكون المخرجات ؟ أليس بمقدور هذه الوزارة امتلاك سياسة الخيط الرفيع بين المواطن والوطن لتجعل العمل الدعوي منظماً وبعيداً عن آراء العصابات والتكتلات ؟ صالح بن إسماعيل القيسي الرياض [email protected]