بقلم/ نزار العبادي تقدر الجهات الرسمية اليمنية أعداد المتمردين الحوثيين ما بين «20 25» ألف شخص، وهو رقم كبير جداً قياساً مع حجم الكثافة السكانية لمناطق التمرد، غير انه يضعنا أمام سؤال : كيف تسنى للحوثي تجنيد كل هؤلاء ؟ وهل من سبيل أمام الدولة لإعادتهم - أو الجزء الأكبر منهم - إلى جادة الصواب، وانقاذهم من الهلاك ؟ لقد جرت العادة أن نسمع من المسئولين حديثاً عن التعبئة المغلوطة، والتضليل الفكري الذي تم من خلاله تجنيد الشباب للحرب.. إلا أن الدوران داخل حلقة التعبئة الخاطئة والمناهج المذهبية والولاءات الخارجية حجب أعيننا عن كثير من الحقائق التي لو أدركناها في وقت مبكر لما امتد زمن الحرب إلى يومنا هذا. فبتقديري أن نسبة المقاتلين مع الحوثي على خلفيات عقائدية وتعبئة فكرية لا يتجاوزون نسبة «15 20» بالمائة من إجمالي العدد المذكور أعلاه، أما النسبة المتبقية فقد وقعت ضحية أمرين ..الأول: هو سياسة الترهيب التي استخدمها الحوثيون «العقائديون» مع سكان صعدة والمناطق الأخرى، إذ كشفت آلاف الأسر النازحة أن مسلحين حوثيين كانوا إما يداهمون بيوتهم وينتزعون أبنائهم تحت تهديد السلاح، وبفتوى تكفير الممتنع عن تلبية داعي «الجهاد» وإما من خلال التواصل مع الآباء وترهيبهم من موقف عدم تأييد التمرد وغرس الخوف في نفوسهم على أرواح أبنائهم في حال تمسكهم بموقفهم أو التواصل مع الأبناء وتخويفهم من المصير الذي قد يواجهه آباؤهم أو اخواتهم وامهاتهم في حال عدم الانضمام إلى صفوف الحوثيين. وفي كل الأحوال السابقة كان عامل الخوف من البطش وراء تورط قسم كبير من الذين يحملون السلاح بوجه الدولة اليوم. والفت الانتباه هنا إلى أن هذا الأسلوب في التجنيد سبق وان اتبعته الجبهة القومية والتنظيمات الماركسية إبان حروب المناطق الوسطى. أما الأمر الثاني الذي وقع البعض ضحيته: فهو الفقر المدقع، حيث ان الحوثيين أخذوا بادئ الأمر بترويج اشاعات كثيرة حول الامتيازات التي سيفوز بها المقاتل في صفوفهم، وجرى الحديث عن مرتبات شهرية مغرية ومواد غذائية ترسل إلى بيوت «المجاهدين» وغير ذلك من الإغراءات التي صدقها بعض العاطلين عن العمل، ووجدوا فيها فرصة ذهبية لكسب القوت اليومي، دون أن يتوقعوا تطور المواجهات واتساعها، أو أن ثمة خديعة وقعوا فيها. ومن هنا كان لغياب هذه الحسابات بشأن المقاتلين مع الحوثي، وحصر الخطاب حول التجريم العقائدي، والضلالة الفكرية، أن أفقدنا فرصة انقاذ كل هؤلاء من محارق الحوثي.. إذ بمرور الأيام وجد كل هؤلاء أنفسهم متورطين بأعمال قتل وتخريب، أو على أقل تقدير في نظر الرأي العام هم خارجون عن القانون ويستحقون العقاب الصارم.. فوثقوا في سرائر أنفسهم بأن طريق العودة بات مغلقاً. أعتقد أن الجهات الرسمية اليمنية توصلت في الفترة الأخيرة إلى نفس الحقيقة التي ذكرناها، لذلك فتحت أمام المقاتلين الحوثيين أبواب التوبة وتسليم أنفسهم..لكن هذا القرار، ورغم أهميته الكبيرة في إعادة تفكيك صفوف التمرد، ظل متداولاً في نطاق محدود، ولم يبلغ مسامع من هم في الكهوف والانفاق، وعلى سفوح الجبال، وأعماق الوديان.. وبالتالي ظل عامل الخوف يسكن الصدور. وعليه فإننا نرى أن من الأهمية بمكان ان تقوم الطائرات المروحية بإلقاء منشورات من الجو على جميع مناطق انتشار المتمردين، وإبلاغهم بقرار الأمان الممنوح لمن يسلم نفسه، وكذلك ارشادهم إلى الكيفية التي يمكن ان ينفذوا بها من بطش أولئك العقائديين الذين كانوا سبب مأزقهم.. وحينها فقط سنكون قد قهرنا الخوف لدى المقاتلين بفضل مظلة الدولة الآمنة. ................بقلم/ نزار العبادي ........................................... نزار العبادي * صحفي وباحث متخصص بشئون اليمن، مدير تحرير صحيفة نبأ نيوز الالكترونية