رجل يقبع أمام حاسوبه في غرفة صغيرة في مكان غير معروف، يمكنه أن يصنع الحكاية، فيطلق شائعة مغرضة، يصيغها بخبث، ويطلقها بقصد سيئ، لتنتشر في مواقع التواصل كالنار في الهشيم، ويساهم مستخدمو مواقع التواصل في انتشارها دون معرفة مصدرها، ودون فهم مقاصدها، حتى يصدق الناس تلك الشائعة ويتداولونها على نطاق واسع. ورغم الدور المهم للمتحدثين الرسميين في الأجهزة الحكومية المختلفة، إلا أن ليس كل الشائعات تمس جهات بعينها، فأكثرها مغرضة وتمس الوطن بأكمله، مما يترك فراغاً حول الجهة المعنية بتكذيب تلك الشائعة ونفيها. وعلى الرغم من تنامي الوعي، واكتشاف الناس لأساليب مروجي الشائعات المغرضة، خاصة ما يخص الوحدة الوطنية، إلا أن الحاجة ماسة لجهة مختصة في تتبع الشائعات المغرضة، وفضحها أمام الرأي العام، وكشف أساليبها، وتعطيل أهدافها. مختصون أكدوا دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الشائعة، وسبل مواجهتها، ومدى تنامي وجود مناعة ذاتية لدى الجمهور جراء اكتشافهم باستمرار لكذب وزيف مروجي الشائعات المغرضة. منبر الفرد في البداية، يرى عضو مجلس الشورى الدكتور محمد الحيزان أن شبكات التواصل أوجدت ميزة لم تتوفر في الوسائل الأخرى، وهي تمكين الأفراد بكافة فئاتهم من امتلاك وسيلة إعلامية يبث منها الفرد كل ما يريد. وقال: على الرغم من أن هذه الخاصية إيجابية إلا أنها ليست كذلك لجميع البشر، فهي سلبية جداً لأولئك الذين لا يملكون أخلاقيات الوسيلة، أو القيم التي تضبط السلوك، ولذا وجد فيها ضعاف النفوس منفذاً لنشر الكذب والمغالطات التي لا يثمنون آثارها، ونتائجها، التي قد لا تخطر على بال. ويشير إلى أن مواقع التواصل ضاعفت انتشار الشائعات بشكل مخيف، في ظل تمكن كل من يتهاون في اختلاق القصص والكذب وهي شريحة لا يخلو منها أي مجتمع. ولمواجهة الشائعات المغرضة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الإجراء الإيجابي يتمثل في ضرورة قيام كل من ترد إليه شائعة أو مغالطة بتصحيحها فوراً، فمن يعرف المعلومة الصحيحة ولا يصححها يعتبر شريكاً في تمكين الشائعة من الانتشار، ولو قام كل فرد بدوره في هذا الصدد لما كان للشائعة وجود. وشدد الحيزان على أن التعامل مع مواقع التواصل يمثل ثقافة، يتعلم منها الكثيرون ويدركون مع التجربة مدى صحة المعلومات من عدمها. وقال: هذا يمنحهم مع الوقت نوعاً من القدرة على التمييز، لكنه يظل ناقصاً ما دام أنه سلبي في التعامل معها، وعليه أن يسهم في التصحيح، وأن يستشعر مسؤوليته الاجتماعية، ويدرك أن طبيعة العصر تملي أن تكون مشاركته في النشاط الاتصالي مختلفة عن ذي قبل، وإلا سيكون شريكاً فيها، وعليه أن يكون حارس بوابة، ليس في تحديد ما يستحق النشر من عدمه، بل في التعامل بمسؤولية مع الغث وتمحيصه وتصحيحه. رهان الوعي ويؤكد المختص في التسويق الاجتماعي والإعلام الدكتور ياسر الشهري أن مواقع التواصل الاجتماعي منحت الشائعات فرصاً أكبر للرواج من خلال منحها فئتين من الناس إمكانات إضافية، مشدداً على أن الفئة الأولى هي التي تتلقى الرسائل بالألسن وليس بالآذان فلا تتثبت، فتنقل الشائعة وتساهم في نشرها دون تثبت من صحتها، والثانية التي تتحدث بغير علم وفي كل مجال، مشيراً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي زادت من ممارستهم لتلك السلوكيات التي تدعم انتشار الشائعات، حيث تمنح مستخدميها الشعور بوظيفة الصحفي، وأهمية المحافظة على أعضاء شبكاتهم الخاصة وزيادتهم. الوعي يساهم في تجاهل الأخبار المشبوهة.. والرجوع للمصادر الموثوقة يفشل أهدافها وأضاف: هناك إمكانات كبيرة لهذه التقنيات في مجال البحث والرصد يمكن توظيفها مع حملات التوعية ونشر الحقائق وكشف الشائعات، لكن الأهم لكبح هذه الظاهرة يكمن في الردع القانوني والتوعية بذلك، مما يسهم في الحد من انتشار الشائعات المغرضة في مواقع التواصل الاجتماعي. وشدد على أن الوعي سيشكل حائط صد يقف في وجه مطلقي الشائعات المغرضة، فهناك شك في موثوقية الشبكات الاجتماعية بشكل عام لدى الفئات التي تعتمد على مصادر موثوقة في تلقي الأخبار والمعلومات، وفي المقابل فإن الفئات التي لا تدرك مسؤولية التثبت لن تتنبه لذلك إلا على المدى البعيد، خاصة أن هذه الفئة لا تفرق بين المعلومة والرأي. ريبة وشك من جهته، أوضح الأخصائي الاجتماعي عبدالعزيز الريس أن انتشار الشائعة أصبح أكثر توسعاً من ذي قبل، وقال: نظراً لسهولة ترويج الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعددت قنوات انتشارها بشكل غير مسبوق من خلال حسابات مجهولة في مواقع التواصل الاجتماعي، ويفترض مع الوقت أن يصبح لدى المتلقي ريبة وشك تجاه أي معلومة حتى يتضح مدى صدقيتها، بفعل التجربة التي يخوضها المتلقي مع أكثر من خبر، أو حدث. وأضاف أن فوضى مواقع التواصل الاجتماعي، والمعرفات المجهولة، وتأثير الهواتف المحمولة وتصوير المشاهد من خلال الهاتف الذكي، جعل أي حدث صغير في حارة بسيطة يمكن أن يشاهده ملايين الناس خلال دقائق، مما يعرض المعلومة الخاصة بالحدث إلى تزوير، وتدخل مغرض، قد يقلب الحقيقة، وينقل الحدث إلى منحى آخر، مختلف عنه تماماً. وشدد على أن تراجع الثقة تجاه الحسابات والمعروفات المجهولة بدأت تظهر بشكل كبير، فلم يعد المتلقي يصدق المعلومة الصادرة عن طريق معرفات مجهولة حتى يثبت لديه حقيقة تلك المعلومة، وسوف يصبح لدى المتلقي مناعة تزداد مع الوقت تجاه المعلومة التي تروج لها تلك المعرفات، كنتيجة لصدمات تلقاها المتابع حينما صدق معلومة نشرتها تلك المعرفات، ثم ثبت له عدم مصداقيتها. الشائعات تغيب الحقيقة د.محمد الحيزان د.ياسر الشهري عبدالعزيز الريس