كان مشهد بعض المشايخ وهم يعتلون المنابر ويخطبون عن صفقة انتقال لاعب من فريقه الأساسي لفريق آخر، مشهداً غير معتاد في أن تصل كرة القدم إلى منابر الجُمع، ولم يحدث أن وصلت لا قبل هذه الخطبة ولا بعدها، لكن قيمة صفقة انتقال ياسر القحطاني إلى الهلال عام 2005، التي بلغت الرقم الأعلى في تاريخ الكرة السعودية آنذاك، إذ قدم رئيس الاتحاد منصور البلوي عرضه الأخير والذي بلغ نحو 50 مليون ريال سعودي، كان سبباً في أن تنصرف المجالس السعودية بمختلف اتجاهاتها إلى الرياضة، وتحديداً كرة القدم للحديث عن السعر الفلكي على طاولة إدارة القادسية، لم تجذبه ضخامة عرض الاتحاد، وظل متمسكاً بالقميص الأزرق، حتى أنه خيّر الرياضيين بين أمرين لا ثالث لهما، إما أن يعتزل كرة القدم وهو في فتوة شبابه أو يتحقق له ما أراد وينتقل إلى الهلال، معركة انتقاله اشتعلت قبل عام من مونديال ألمانيا 2006، وليس الأمر بالسهل أن يفقد المنتخب مهاجماً بإمكانيات القحطاني في المشاركة المونديالية، لذلك سارعت السلطة الرياضية ممثلة بصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب آنذاك، للتدخل في الموضوع وحسمه فيما هو بمصلحة اللاعب من خلال تحقيق رغبته بالانتقال للقميص الأزرق. قضية رأي عام لقد شكّل انتقال ياسر من الخبر إلى الرياض، قضية رأي عام أكثر من كونها صفقة انتقال لاعب، وهو الأمر الذي تفردت به هذه الصفقة من دون غيرها من الصفقات التي ظلت حبيسة في أروقة الرياضة، وكان من الممكن أن يتم انتقاله للهلال من دون أي ضجيج في عام 1420ه، لو تأخر الاتحاد السعودي في إصدار قراره الذي قيد حرية انتقال اللاعب بعد نهاية عقده من ناديه بعمر 28 عاما، كان القحطاني البالغ من العمر 17 عاماً قد وقع عقداً سرياً للهلال مع الأمير بندر بن محمد في اجتماع خاص بفندق ميريديان الخبر، وكان ثمن انتقال ياسر 200 ألف ريال على أن ينتظر هو والهلاليون نهاية عقده بعد أسبوع ليتم الإعلان عن الصفقة، لكن قرار الاتحاد السعودي عطّل كل شيء. اكتوبر هو الشهر العاشر ميلادياً، يسمى بشهر العظماء، لأن الرئيس الروسي بوتين والأميركي جيمي كارتر والزعيم الهندي مهاتما غاندي والملياردير الأميركي بيل غيتس والشاعر المصري أحمد شوقي من مواليده، هو الشهر الذي ولد فيه ياسر القحطاني من عام 1982 بالرياض، ولم يكن يدرك أنه سيعود لها نجماً بعد أن غادرها في طفولته إلى المنطقة الشرقية، وفي ملاعب الخبر الترابية ابتدأت رحلة ياسر مع كرة القدم، والتقطته أعين الاتفاق والقادسية وتسابق كل منهما على ضمه، لكن المبلغ المالي الذي عرضته إدارة القادسية عن طريق الشرفي أحمد الزامل كان مغرياً لأن يرتدي ياسر القميص الأحمر المقلم باللون الأصفر. بداية سطوع نجمه مع القادسية ظفر ياسر بلقب هداف الدرجة الأولى، وساهم في إعادة الفريق إلى الدوري الممتاز، وفي موسم 2002 كان من الأسباب التي قادت القادسية إلى المربع الذهبي، وعاد في موسم 2005 ليختتم مسيرته مع القادسية بالوصول إلى نهائي كأس ولي العهد قبل خسارته أمام الهلال . بعد أن ارتدى القميص الأزرق، وحقق حلم طفولته في أن عاد إلى الرياض نجماً، ابتدأ «القناص» رحلة جديدة مع الألقاب والبطولات الزرقاء ، كان أولها لقب كأس ولي العهد عام 2006، وبات لقب الدوري السعودي الذي حققه الهلال عام 2007 معروفاً عند الرياضيين ب»دوري شعرة ياسر»، نسبة إلى حسمه اللقب أمام الاتحاد في الجولة الأخيرة، بعد أن ارتقى لكرة عرضية ولمست جزءا من رأس القحطاني ليتغير اتجاهها لتستقر في شباك الاتحاد، ويتوج «الزعيم» نفسه بطلاً للمسابقة، ووصلت ألقاب ياسر الزرقاء إلى 16 لقباً. في قميص المنتخب، سجل ياسر لنفسه حضوراً لافتاً ومميزاً ، قادته ليكون المهاجم الأساسي في مونديال كأس العالم 2006م ، وتقلد عام 2007 شارة قيادة الأخضر في نهائيات كأس آسيا، واستطاع أن يقوده إلى النهائي قبل أن يخسره لمصلحة العراق، ولعب القحطاني دوراً بارزاً في الكثير من البطولات التي شارك بها مع المنتخب، وحقق لقب كاس الخليج وكأس العرب ودورة الألعاب التضامنية الإسلامية، لم يكن بحاجة اللعب تحت الأضواء ومع نادٍ جماهيري حتى يصل للقميص الأخضر، فمن خلال القادسية النادي الذي لايمتلك قاعدة جماهيرية كالهلال والنصر والاتحاد، استطاع ياسر أن يشارك أساسياً في تمثيل المنتخب، معتمداً على موهبته الفذة وإمكانياته الكبيرة. مفارقات عجيبة وعلى الرغم من تتويجه بأفضل لاعب آسيوي عام 2007م ، واتجاهه إلى مانشستر سيتي لخوض تجربة احترافية، لم يستطع القحطاني على الرغم من تجاوزه 100 هدف في مسيرته من تحقيق لقب هداف الدوري السعودي في ظل إمكانياته التهديفية وأهدافه الحاسمة وألقابه التي حققها مع الهلال، وهذه من المفارقات العجيبة في مسيرة واحد من أفضل المهاجمين الذين شهدتهم الكرة السعودية في الأعوام الأخيرة . وفوق ملعب جامعة الملك سعود بالرياض، حمل ياسر لقب الدوري السعودي، وطاف به مع زملائه أرجاء الملعب لتحية الجماهير الزرقاء وغادر بهدوء، لم يكن يتوقع أحد من الحاضرين في الملعب، أن هذه المباراة هي الأخيرة التي سيخوضها بقميص الهلال في السعودية، فمن الغد غرّد عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بفيديو صامت أعلن من خلاله اعتزال كرة القدم، قبل أيام قليلة.