عقّارة الحنش شاهدت بالأمس حادث سير لعدد من السيارات على الطريق السريع في جدة، نتج عنه إرباك واختناق في حركة المركبات، بالرغم من سعة الطريق، واتساع اتجاهاته. والسبب الذي أدى إلى ذلك هو تطفل السائقين ووقوفهم لمشاهدة هذا الحادث، والذي لا نسلم في كل يوم من وقوع مثيله ، وفي جميع المناطق، وكافة المحافظات. ونأسف أن تجد من هؤلاء المتطفلين من أوقف سيارته في الجهة المقابلة ليعبر إليه ، ومنهم من أتي يسأل عن أدق تفاصيل في الحادث، ويحكم على المخطئ، ويبرئ المصيب، ومنهم من أتى يصوره بجهازه الجوال، فأعاقوا بتجمهرهم الطريق، وأوقعوا الضرر على المارة والمصابين. وهذا مشهد يكثر عند حدوث أي حريق ، وحال وقوع أي حادث، أو موقف يلفت الانتباه، وهو مظهر ينطبق عليه ذلك المثل الجنوبي القديم: ( كما عقّارة الحنش )، كناية عن تجمع الناس وتجمهرهم وكثرتهم لمشاهدة الثعبان، والمشاركة في قتله ، والذي يكفي أن يقوم بذلك شخص واحد فقط. التجمهر مشكلة قائمة لدينا، وظاهرة دائمة بيننا ، تقع في الغالب من فئة الشباب والمراهقين خاصة؛ وذلك نتيجة للمشهد الغريب الذي يحدث، أو للموقف المثير الذي يظهر. والنفس الإنسانية بطبيعتها تحب الفضول، وتهوى المعرفة، وتميل للاستطلاع؛ عن أي شيء عجيب، أو موقف غريب ، لكن هذا الحال يعظم ويزداد ؛ إذا انخفض الوعي لديها ، أو وجدت الفراغ، ولم تعرف قيمة الوقت، ولا أهمية استغلال الدقائق والساعات. أما الفئة التي تدفعها النخوة والشهامة إلى الفزعة والإغاثة ؛ فإنها تعلم جيداً أن هناك جهات حكومية مؤهلة ومسؤولة عن مهام الإسعاف والإنقاذ، والتحقيق والإسناد، وهي تدرك كذلك أن في وجودهم إعاقة لعمل هذه الجهات، بل قد يكونون سبباً في حدوث مشاكل أخرى ، كما وقع في حادث سابق من دخول إحدى السيارات المسرعة على جمع من المتجمهرين. إن "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" ( كما ورد في الحديث النبوي الصحيح)، فالحضور لمشاهدة الحادث؛ لا يهم كل إنسان، بل يختص به أصحاب الشأن. وهو فعل مذموم، وأمر مرفوض؛ ينتج عنه فوضى واضطراب، وكثرة وزحام، وإعاقة وأضرار، ورد في الحديث الشريف: " من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم". فالواجب منا عند وقوع الحوادث؛ أخذ الموعظة والعبرة، وسؤال الله تعالى السلامة والعافية، والدعاء للمصابين بالشفاء والفرج ، مع ترديد الدعاء التالي ( في أنفسنا ) : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً. د.عبدالله سافر الغامدي جده. [email protected]