يوسف الكويليت العالم الثالث ليس فقط جاهلاً وأمياً وفقيراً، بل هو مَن يملك أكبر نسبة للمواليد رغم شح الموارد ، أو عدم توظيفها بشكل يضمن الاكتفاء الذاتي من الأساسيات، ورغم أنه المستعبَد الآن، والمستعمَر قديماً، إلا أن أكبر الانتكاسات تولد من داخله، حيث إن نسبة شراء الأسلحة مقارنة بالغذاء والدواء والتعليم والبنى التحتية لا تصل إلى ما يصرف على قوات لا تأتي لصد عدوان أو تأمين الحياة العامة من التردي الأمني، بل غالباً ما تصبح وسيلة حروب بين فئات متناحرة، أو طريق عبور للعسكر للوصول إلى الحكم بطرق شكّلت مأزقاً دائماً لتلك الشعوب.. الشيء المؤلم أن الإمكانات الطبيعية سواء الزراعية أو التعدينية، أو المواد الأخرى التي تحرك الآلة الصناعية معظمها يتواجد في حزام الأزمات أو أراضي العالم الثالث، والقضية كما يبدو من سير الأحداث، أن الاستعمار عندما خرج أوجد طبقة من طليعة المجتمع تعيش على خدمته، ومع ذلك هناك دول غنية تحملت جزءاً من المسؤولية بخلق صناديق إعانات وقروض، ومع ذلك غالباً ما تذهب العوائد وغيرها إلى جيوب المتنفذين بالسلطة.. ليس الموضوع فارقاً عرقياً، أو سبباً جغرافياً، أو بيئة لا تصلح للاستثمار، والدليل أن المواقع شبه المهملة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، بدأت تأخذ الاهتمام من قبل مستثمرين مثل الصين ودول آسيوية وخليجية أخرى، عندما أحيت المشاريع المشتركة في الزراعة والتنقيب عن المعادن والنفط والثروات الأخرى، لترى دول أوروبية وأمريكا أن الدخول في مجالها الحيوي ومزاحمتها على تلك القارات ينذر بسباق آخر للحصول على مواقع قدم لدول لم تكن في ميدان المنافسة، ولعل بادرة الصين في استثمار إمكانات تلك الدول مقابل إنشاء بنية أساسية، مطارات وطرق، ومستشفيات ومدارس، ومياه وغيرها جاءت مغرية حتى للدول التي ظلت حبيسة قيود تجارية واقتصادية مع الغرب، ولعل ذكاء الصين أن هذه المبادلة جعلتها الأكثر قبولاً طالما أن التواصل بين قرية وأخرى، أو بلد وآخر من أجل تسويق المحاصيل وغيرها لا يتم إلا في وجود مثل هذه المشاريع، ومع الصين هي الكاسب الأكبر والمسوّق المهم لمنتجاتها الصناعية، والتي تحتاجها تلك الدول، وهو ما جعل الصين الدولة الأكثر تقارباً وتعاملاً واقعياً.. وطننا العربي لديه كافة الثروات لكنه فضل السلاح على الدواء والغذاء والمشاهد كثيرة في دول تعتبر مواردها هائلة، لكن السبب لا يعزى لنظام خارجي، حتى لو تلبستنا عقدة المؤامرة، فكل الدول التي تجاوزت ذاتها وفقرها بخطط قومية ووطنية تغلبت على عجزها والأمثلة موجودة بآسيا، لكن المشكلة أن كل نظام يدعي الوصاية على شعبه وأصبحنا نعيش أزمة عقلية أي أن الأمور تدار بروح المنافع الشخصية أو خلق أسباب أخرى في محاربة عدو مجهول في سبيل الإبقاء على الأوضاع دون تغيير، حتى إن عدد اللاجئين داخل الوطن العربي بسبب الحروب والصراعات، والادعاء بعمالة مجاميع أو أفراد أو طرد جماعات دينية أو قبلية، شكّلت ظاهرة غير مسبوقة حسب آخر إحصائيات نشرت في الأيام الماضية.. الأزمات تتراكم لكن كلنا يدعي الكمال والأفضلية بينما الحقيقة تعاكس هذه النظرة، لكن بسبب غياب العقل الناقد فالعالم الثالث على درجة واحدة من التخلف الدائم..