الأدوار الكبيرة في قيادات العالم تُنتزع، ولا تعطى، فكل امبراطوريات التاريخ قامت على الغزو والاحتلال، ثم فرض سيادتها السياسية والثقافية، حتى إن اللغة الإنجليزية التي انتشرت بسبب الاستعمار البريطاني استمرت حتى بعد جلائه عن تلك الدول.. ومثلما عاش العالم القطبيات المختلفة حين تداولت القوة دول أوروبية ثم انتقلت إلى ثنائية أمريكا والاتحاد السوفياتي، فإنها أفرزت الآن أربع قوى جديدة، ثلاث منها في آسيا: الصين، والهند وتركيا، ورابعة في أمريكا الجنوبية: البرازيل، وهذا الانتقال أمر طبيعي إذا ما فهمنا ما يُعرف بصعود الأمم ونزولها تبعاً لظروف مختلفة، لكن بروز ثنائية تركيا والبرازيل، وهما في مراتب أدنى مع قطبيْ آسيا وحتى بعض الدول الأوروبية والأمريكية، لم يكن مصادفة.. فتركيا هي الأكبر اقتصاداً في آسيا الوسطى والمنطقة العربية، وتتمتع بنظام ديموقراطي ووسطية إسلامية بعيدة عن التشنج ، ثم إدارة سياسية (براغماتية) تدرك كيف تصل إلى مصالحها، وهذا الدور معدوم في الدول التي تنتمي للعالم الثاني والثالث، لكن تركيا، رغم رفض أوروبا لعضويتها، فهي لا تتقاطع معها بشكل حاد، وانعطافها نحو العالمين العربي والإسلامي يأتي في ظل استراتيجية تعرف كيف تصل إلى أهدافها بدون فرز بين الألوان بحيث تكون تلك الدولة تتشح بمنظر السواد، والأخرى بيضاء ناصعة، لأن عند كل شعب وأمة مميزاً تتفرد به عن الأخرى، وطالما المصالح لا تختزل بالاتجاه وإنما بالأهداف، فتركيا وجدت في محيطها ما يكسبها صفة الدولة القائد، لكن بدون شكل للهيمنة أو فرض أيدلوجية ما، وهذا ما أعطاها بعداً مقبولاً في كل علاقاتها السياسية والاقتصادية.. ومثلما عانت البرازيل من سطوة تلاعب الشركات و(المافيا) وتعدد الحكومات الأسيرة في يد رجال الأعمال والرأسمالية العالمية، استطاعت أن تخرج من أزماتها بانضباط وإصلاحات جذرية جعلتها تتحول إلى دولة تصل إلى مقاعد الدول المتقدمة صناعياً وزراعياً، وتقنياً، وهنا عندما تحاول لعب دور الدولة التوفيقية في المسائل الخلافية، كأزمة إيران مع أعضاء مجلس الأمن حول تخصيب اليورانيوم، وبشراكة تركية، نجد أن القضية تتصل بوسطاء مقبولين ليس لهم انتماء لقوى كبرى تستخدمهم عند حاجتها، وهذه الاستقلالية تذكّرنا بالمحاولات التي لم تنجح لدول عدم الانحياز عندما حاولت أن تخرج عن صراع قطبيْ الشرق والغرب، لكن هل يمكن ترك البلدين الآسيوي، والأمريكي الجنوبي يصلان إلى غاياتهما وسط تنازع قوى أكبر؟ في المسألة الإيرانية هناك تضاد في المواقف عندما تشعر أمريكا وتسحب معها الدول الأعضاء في مجلس الأمن، حتى مَن تربطها مصالح أساسية مع إيران مثل الصين وروسيا، واللتين وجدتا أن الرياح تعاكس الرغبات، وأن تعاونهما مع أمريكا ليس خياراً فقط، ولكنه تنازلات بينهم على أمور أخرى ومن خلف إيران، ومع ذلك فلاتزال هناك أدوار قادمة يمكن للدولتين الصاعدتين أن تلعباها في محيطهما وخارجه.