الركائز التي قام عليها الاحتلال لبعض الدول استندت إلى فتح أسواق له، والهيمنة على الثروات الوطنية، والمواقع الاستراتيجية كالممرات البحرية، أو المنافذ البرية من أجل حماية مصالحه بما يعتبرها مجاله الجوي، أو أمنه الوطني.. في الحروب الجديدة لم يتغير شيء، فأمريكا ذهبت للعراق من أجل احتياطيات النفط الهائلة، وكذلك أفغانستان ما قيل إنها تمتلك ثروات تعدينية كبيرة، وأعمالها ونشر قواعدها المختلفة في دول ذات حساسيات خاصة، جاءت لنفس الأهداف، وحين يثار موضوع انفصال جنوب السودان الذي تتعهده الدولة العظمى، فهي تدرك أنه موقعٌ ضاغط ومتحكم في مياه النيل التي تحاول إسرائيل الاستفادة منها بأي وسيلة، إلى جانب احتواء الجنوب على ثروات نفطية ويورانيوم وبيئة جديدة للزراعة، غير أن التوقعات ربما تعاكس هذه النظرة والاستراتيجية بنشوء حرب أهلية داخلية بدوافع قبلية تتنازع على تلك الثروات.. الأهداف لم تتغير في التنافس بين القوى العظمى، وإن تغيرت بعض السياسات، فالصين التي تخطط لمراحل بعيدة في الاستيلاء على الثروات في العالم، لم تسعَ لشن الحروب أو بناء القواعد، وإنما جاءت بمغريات سد احتياجات الدول التي لديها رصيد من المعادن والنفط، في تشييد بنيتها الأساسية من طرق ومطارات وسكك حديد وموانئ وغيرها مقابل استغلال تلك المصادر، وتسعى الهند لسياسة مماثلة ربما بدأتها في محيطها، مما أكد أن الحروب غير المعلنة على المخزون العالمي من تلك الثروات، هي التي فجرت غضب أمريكا وأوروبا عندما دخلت الصين إلى عمق أمريكا الجنوبية الاحتياطي الآخر لأمريكا الشمالية، وشهوة الصين لا تقف عند أنواع معينة فقط عندما اشترت مقالع للحجارة والرخام، وفائض الصادرات الزراعية، لإعادة تصديرها أو استهلاكها في مشروعها الكبير الداخلي، حتى قيل إن أي ارتفاع لدخل الصيني يعني تزاحماً على السلع الضرورية عندما تصبح المستهلك الأكبر للغذاء، والتي قد لا تستطيع رقعتها الجغرافية توفيره، مما قد يتسبب في عجز عالمي، ولو أضيفت لها الهند على المدى البعيد فإن أحداثاً كبرى قد تجري على هذا الكوكب الذي يضيق بسكانه، بحروب من أنواع أخرى.. قضية الثروة الناضبة تحدثت عنها أوساط اقتصادية وجيولوجية، وكتب عنها مختصون زمن الاتحاد السوفياتي والغرب، ولا تزال التنبؤات تطرح البعد الأخطر في المستقبل عندما تنضب هذه الموارد، أو تكدس كاحتياطيات لأزمنة بعيدة ضمن دائرة الاحتكار، وقد تصبح قضية وضع اليد على بلدان العالم بأساليب الترغيب والترهيب أسلوباً جديداً للهيمنة عليها مما قد يضع العالم على خطوط ساخنة في حروب المياه والثروات المختلفة..