يضطر المرء إلى إعادة تشكيل القرص الصلب في جهاز الكمبيوتر الشخصي، أو ما يسمى باللهجة العامية «فرمتة»، في حالات إصابة القرص بفيروس مدمر. في هذه الحالة لابد ... من مسح جميع البرامج التي يحويها، بما فيها النظام المشغل، وهذا يعني فقدان جميع الملفات التي نسخت في الذاكرة، وضرورة تثبيت برامج جديدة على ذاكرة القرص، لإعادة الجهاز إلى وضع جديد. هذا في رأيي ما يحتاجه عدد كبير من أفراد المجتمع السعودي، البداية من جديد، ولا يعني ذلك أن عددا من الملفات المحفورة في ذاكرتهم غير صالحة، لكنها اختلطت بغيرها من البرامج المقرصنة والملفات المعطوبة، وانتشرت فيها بعض الفيروسات السلوكية التي استعصت على برامج الحماية الاجتماعية والفكرية. وليس من الضروري هدم بعض ما اكتنزه أولئك من إرث ثقافي وديني يعتز به، لكن يمكن لهذا الإرث أن يحفظ في مكان آمن لحين «فرمتتهم»، ثم إعادة تثبيته على سطح خال من الشوائب في عقول الأطفال والنشء، في المراحل التعليمية الأولى، وإنقاذ الجيل الجديد من سلوكيات لا تنتمي للمجتمعات المتحضرة أخلاقيا وعلميا، وتربيتهم على تصرفات إسلامية وإنسانية سليمة. ولعل في ذلك جهدا كبيرا ومسؤولية أكبر، لكن أثر هذه «الفرمتة»، سينعكس إيجابا على جيل الأحفاد، فعمل كهذا من وجهة نظري لن يستفيد منه الجيل الحالي أو الذي يليه، أو يغير أسلوب حياته أو يطور تفكيره على الشكل المطلوب، فقد «تفرمت» معظم أفراده على هيئة سلوكية وأخلاقية غير سوية، ولا ترتقي بالمواطن السعودي. والخلاصة: أرى أن يعجل المفكرون والمثقفون والتربيون والإعلاميون، إضافة إلى أصحاب القرار، بمشروع مؤسساتي وطني نهضوي متكامل، لإعادة تأهيل الأفراد في المجتمع السعودي، وتكون البداية من مراحل التعليم المبكر لتثبيت الأنظمة السلوكية والبرامج التعليمية والأخلاق الإسلامية القويمة وتكريس تطبيق القوانين الاجتماعية والإدارية السليمة، حتى يمكن مستقبلا الحديث عن موضوعات اجتماعية ونهضوية جديدة، لا تتطرق كما هو واقع الحال إلى القصور السلوكي والانحدار الأخلاقي والمشكلات السخيفة من نوع العربة أمام الحصان، وغيرها من التخلف الفكري والفساد الإداري الذي انتشر في المجتمع السعودي.