عدوى الفساد .. التقصي في سبيل التشخيص سأتحدث في مقالي هذا عن الفساد في القطاع الصحي، وكنت قد أشرت في مقال سابق إلى عوامل الخطورة المؤدية إلي الفساد تحت عنوان "محاربة الفساد...بخ بخ". وقد ذكرت حينها ما تشير إليه الدراسات من خطورة سلوكيات العاملين بالقطاع الصحي حيث اعتبرتها الدراسات والتقارير الواردة في هذا الشأن من أهم العوامل المؤدية إلي الفساد. ونجد أن كثيراً من كتابنا قد شبهوا الفساد بتشبيهات متعددة كل حسب خلفيته العلمية وتصوره لهذا الداء. أما نحن فنستطيع تشبيهه كوننا عاملين في القطاع الصحي بأنه مرض معدي؛ وبطبيعة الحال يمكنه الانتقال من شخص إلى آخر فيصيب العاملين الصحيين من إداريين وفنيين ورؤساء ومرؤوسين. إن من أهم الممارسات التي يمكن أن يسلكها البعض من العاملين الصحيين عند إصابتهم بعدوى الفساد هي اللامبالاة وعدم الحرص على زيادة الإنتاجية، حيث يتكرر التقصير ولاتتم المحاسبة. أو قد تتم المحاسبة للبعض دون الآخرين. فيتساوى بذلك الحريص على الإنتاج بالامبالي وينتج عن ذلك ركب من ذوي البطالة المقنعة وخليط من المبالين واللامبالين. فتغيب ثقافة العمل الجماعي وتسود ثقافة المصالح الشخصية وتضارب المصالح في كثير من الأحيان. وعلى صعيد آخر؛ وبما أننا اتفقنا على أن الفساد مرض معدي وقد ينتج عنه مضاعفات نشهدها في مستويات عدة على النحو التالي: فعلى مستوى العاملين: تسرب في الكفاءات وهدر للطاقات البشرية، معاناة يومية مع شعور بالاحباط وعدم الرضا، ضعف في الإنتاج. أما على مستوى المستفيدين من الخدمة: فقدان للثقة بالخدمات المقدمة، عدم الرضا عن الخدمات، عزوف عن الخدمة إلا لمن اضطر "فالمضطر يركب الصعاب"، ومعاناة لدى الحلقة الأضعف. وعلى مستوى صانعي القرار: تخبط في صنع القرار، هدر في الموارد المالية. وبعد هذا السيل الجارف من الحديث عن الفساد وبمناسبة الحديث عن -كارثة سيول جدة2- تجدر الإشارة هنا إلى ضرورة إجراء تقصي ممارسات وإنتاجية العاملين الصحيين، على أن يكون هذا التقصي بصفة دورية بهدف الكشف عن مؤشرات الفساد وتشخيصها مبكراً والوقاية منه، وبذلك نكون قد قمنا بمنع زيادة انتشار هذا الداء بشكل وبائي. وعلى الرغم من قسوة صوت الحق على النفس البشرية، إلا أن المولى عز وجل قد وعد بأن الحق آت لا محالة في قوله تعالى في سورة النبأ الآية 39 {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً } صدق الله العظيم. د.سُلافة طارق القطب. إستشارية طب المجتمع.