كثيرا ما نسمع ونقرأ عن الفساد وعن أنظمة ولوائح الدولة الصادرة في سبيل مكافحته ومحاربته. وقد لا يكاد يخلو يوم من خبر في صحيفة يُشار فيه إلى مؤشرات الفساد أو معاناة أُناس نتيجة للفساد في القطاع الحكومي أوفي القطاع الخاص على حد سواء. ناهيك عن متاهات أخطاء الممارسة الطبية. ومن منطلق توجه القيادة في هذا الوطن الغالي في سبيل محاربة آفة الفساد وجدت الحاجة إلى رفع وعي البعض من القراء الكرام عن مدى خطورة تلك الآفة على الأمم ومقدارما تدفعه الحلقة الأضعف (غالباً) من ثمنٍ قد يصل في كثير من الأحيان إلى إزهاق في الأرواح. وفي تركيز واضح على الفساد في القطاع الصحي أوضح "التقرير الدولي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية في العام 2006" إلى خصوبة أرض القطاع الصحي لنمو الفساد ولأسباب عدة؛ منها أنه في كثير من الأحيان لا يمكن توقع نتائج الكثيرمن الأمراض والإصابات وبالتالي يصعب تقدير التكلفة. كما أن الإنفاق العالمي على الصحة سنوياً يقدر بأكثرمن (4ترليون دولارا) أي العدد 4 ومقابله 18صفراً، وللعاقل أن يتخيل مدى جذب تلك المبالغ لممارسات غسيل الأموال الغير مشروعة. إن من أهم البحوث المنشورة في هذا الصدد ما نشر من خلال بحث؛ (Weerasuriya, 2004( في سبيل إبرازعوامل الخطورة للفساد ومفرزاته في القطاع الصحي، حيث لُخصت عوامل الخطورة على النحو التالي: ممارسات العاملين في القطاع الصحي، إدارات القطاع الصحي، توزيع الأدوية والخدمات، توزيع الميزانيات وكذلك سلسلة تحصيل الأدوية والمعدات والرشاوى المقترنة بها. أما الفساد في سلسلة تحصيل الدواء فالحديث فيه يطول، حيث يُعد من أكثر عوامل الخطورة انتشارا في العالم وفق التقاريرالدولية في هذا الصدد، فهو يؤدي حتمًا إلى قلة كفاءة العلاج ليصبح الدواء معدوم القيمة وقليل الفائدة. وعلى صعيد مُفرزات الفساد التي يمكن أن يتوقف عند محطاتها المرضى فيتجرعوا مرارتها ويعيشوا مآسيها كي تظهر على صوروهيئات مختلفة أهمها: شح في الإمكانات، إنخفاض في جودة الخدمات، زيادة في تكلفة الرعاية، عدم المساواة في تقديم الخدمة وقلة كفاءتها. أعزائي؛ إن أبلغ ما قِيل عن الفساد في القطاع الصحي هو ما ذُكرمن قِبل رئيسة منظمة الشفافية الدولية هوجيت لابيللي حيث قالت" إن ثمن الفساد في الخدمات الصحية يُدفع بمعاناة الناس" ، وهذا يعني أنه كلما زاد الفساد في مكان ما، أدى ذلك منطقياً إلى زيادة في أنماط معاناة الناس. خلاصة القول أنه يتعين العمل الجاد من قبل المسئوولين في سبيل دراسة عوامل الخطورة المذكورة سابقا ومعرفة أيها يسيطر أكثر على قطاعاتنا الصحية، وأن يتم التحكم في والسيطرة على عوامل الخطورة في سبيل الوقاية من الفساد. وفي حال أخفقنا في الوقاية فإنه ينبغي علينا العمل على معالجة مفرزاته وفق نظام إصلاح يعالج كل مفرزة على حدة. وفي الختام دعوني أضع بين أيديكم بعض من البراهين العلمية لخطوات وفوائد محاربة الفساد في القطاع الصحي، لقد خاضت المملكة المتحدة حرباً لكبح الفساد في القطاع الصحي، حيث حظيت الدولة حينها بفوائد مادية عظيمة تساوي 1,2 بليون دولار وهذه الفائدة كانت كافية لبناء 10 مستشفيات. (وأقول: بخٍ بخ). كما أن أول خطوة في رأي المختصين لعلاج آفة الفساد هي الشفافية في كل شيئ. وصدق الحق حين قال: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً) سورة القصص(83). نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من ورثة جنة النعيم. *إستشارية طب المجتمع.