يضطر واقع الحال الإداري كثيرا من الكتّاب إلى الكتابة عن السلبيات التي طغت على أحاديث التفاؤل لدى كثير من الموظفين، ونشرت الإحباط، الذي أصاب بعضهم بهوس تحقيق المصلحة الفردية، وتعلقهم بمقولة اجتماعية خطيرة: "أنا ومن بعدي الطوفان". ومما يحفز على ترسيخ مفهوم هذه الفكرة السلبية، بعض الأنظمة المسيرة لشئون الناس، التي لا تراعي ضوابط واضحة، بل تُترك عرضة للاستثناءات والتفسيرات المضطربة، وبعض القوانين ذات الثغرات، التي لا تفرض احترامها على الجميع، في غياب رقابة قادرة على تقويمها وحمايتها من أيدي المتلاعبين. ولذلك اتصف بعض الموظفين بالوصولية والانتهازية، والنفاق الوظيفي، إذ يعدون ذلك أقصر الطرق الموصلة لنيل امتيازاتهم، وإرضاء بعض رؤسائهم المتسلطين، ممن تبوؤا مناصبهم بنفس الوسيلة المشؤومة، في تأكيد لمبدأ الولاء الشخصي والمحاباة، فالكفاءة - إن توافرت - تأتي في مرتبة متأخرة !!. ومع تكرار هذه الحالة المشوهة، تُهدر المقدرات، وتتعزز قوانين الغاب، فيضطر كثيرون إلى خفض رؤوسهم ومجاراتها، ويألفون رائحة العفن الإداري، ومبدأ الموتورين: "نفسي نفسي". ومن مظاهر الفوضى الإدارية، تجاهل أحدهم معرفة الاجراءات والأنظمة المتبعة في الدوائر والمؤسسات، والسؤال مباشرة عن واسطته من الناس، واستنجاده بمعارفه من الموظفين، لإنهاء معاملته في أقصر وقت، في تحد فظ للنظام، واعتداء سافر على حقوق الآخرين. والأخطر حقا، أن يغدو رفض الرشوى خبرا مثيرا، وصاحبه بطلا وطنيا، تتسابق إليه وسائل الإعلام، وتحتفي به بالتهليل والإكبار !!. والسؤال إلى المفكرين والمثقفين والتربويين والاقتصاديين، إضافة إلى أصحاب القرار: إلى متى ياسادتي تدور بعض الإدارات في حلقة مفرغة من التخبط ومزيد من التخبط، ويستمر الحديث عن أعراض الفساد الإداري فيها ومظاهره الاجتماعية التي تسحق الإبداع، دون التوصل إلى علاج ناجع لأسبابه وجذوره ؟!. *استشاري في أمراض الصدر واضطرابات النوم بجدة