من أخطر الأمور تحوّل المسؤولين عن حل معضلة إلى جزء منها، هذا «تعريف» آخر للفساد، في قضية أموال مكافحة حمى الضنك قالت صحيفة «المدينة» إن هيئة الرقابة والتحقيق اتهمت 6 موظفين في أمانة جدة بالفساد الإداري واختلاس مبالغ من 100 ألف إلى 100 مليون ريال، لا يستغرب أن يحرس البعض استمرار مشكلة لتصبح مثل مصباح علاء.. الدين، يظهر المارد على شكل بند مالي، لا يحتاج إلى فرك يمكن الاكتفاء بالتوقيع، وفي الخبر أن بعض أولئك الموظفين كانوا يصرفون أسبوعياً ما لا يقل عن نصف مليون ريال، تحت بند، مكافآت سائقين ومحروقات السيارات وبعض عمليات المقاولات الصغيرة «المستعجلة»، جميع المتهمين يعملون في الإدارة العامة لمكافحة الحشرات والوقاية الصحية. يا ترى مَنْ الأولى بالمكافحة! لهذا ستبقى حمى الضنك مصدراً لتنويع الدخل مع غيرها من علل، تبقى حية مثل ثعبان يتلوى فهناك من يحرسها وإلا سيتبدد خارج الدوام ومكافآت اللجان والصرف المستعجل وتوظيف الحبايب، المكافحة تتحول إلى مشروع تسمين وتنمية، البعوض الأكثر خطورة حقيقة هو البعوض البشري من مصاصي دماء المال العام، يبدو لي أن هناك فهماً «خاصاً» لصفة «العام» هذه، بل وصلت إلى مرحلة أُخمّن فيها أن البعض لديهم «فتاوى خاصة» باستحلال المال العام، تسويغ تقنعهم فيه النفس الأمّارة بالسوء، لن أستغرب أن يضعهم البعض ضمن قائمة المغرر بهم! والمال يغرر ويغرغر. لمواجهة مشكلة لا يكمن الحل بضخ الأموال بل بالتأكد أين ذهبت وصرفت وهل وجّهت إلى مكمن الداء، لا ينفع التأكد بعد انتهاء الصرف بل أثناءه، ف «صك» الإعسار في المتناول. هيئة الرقابة والتحقيق أعلنت الأسبوع الماضي عن «عملياتها» خلال ستة أشهر، والرقم المعلن ضعيف مقارنة بأعمال الجهات الحكومية، لكن ماذا تم في رقم على ضعفه بدلاً من بيان «جملة الجملة» لا يعرف منه شيء عن عقوبة تم تنفيذها أو أموال استردت. في قضية «وايتات شفط» أموال حمى الضنك ظهرت أنواع أخرى من البعوض لخراطيمه مقاسات لا تخطر على البال، وانظر إلى ما يقوله محامٍ يحتمل قبوله الدفاع عن المتهمين، «وأوضح أنه لن يقبل الترافع عنهم إلا إذا ثبت لديه جهلهم بالنظام الإداري الذي كان يتم العمل به في الأمانة وطريقة الصرف غير المقننة بنظام مالي محدد يمنع الاختلاس والسرقة». انتهى، عندما تكون القضية للضعفاء يحتج بقول شهير «القانون لا يحمي المغفلين»، أما الجهل بالنظام إذا حصل أو أمكن إثباته، فهناك من سيجد المبرر وقد قيل المال «العام» يعلم السرقة. أيضاً أموال المساهمين، تذكرت هنا قصة حدثت قبل سنوات، رئيس مجلس إدارة شركة مساهمة «خبص في إدارته» ثم ظهر لاحقاً يقول إنه لم يكن يعرف الأنظمة ليخرج سالماً غانماً. *كاتب صحفي في صحيفة الحياة.