عجزت (سارة) حفيدتي عن النوم في تلك الليلة.. اقتربتُ منها وبيدي كوب حليب.. فتحت عينيها ببطء مع ثمالة كوابيس أيقظتها مرات عدة.. كان صرير رياح (كنساس سيتي) ينذر برعد، وبرق، ومطر عنيف.. كان ذلك مصدرها خوفها.. سارعت بالمسح على جبينها، وتلاوة آيات من (...)
ما إن استعدت بعضاً من لياقتي الجسدية.. حتى قررت أن أهذب شعري.. في الشارع المؤدي إلى محطة القطار..
في (كنساس) صالون حلاقة، يُضيء يتأرجح كقنديل، يملكه مهاجر دفع فاتورة التناحر بين فئتين في تطاحن مذهبي، يهرول في الحياة منذ عرفته، كما يهرول حاج بين (...)
أنا للأسف غجري في تقاليدي في ما يخص الإناث، فالغجر لا يفرحون أو يحتفلون بمواليدهم الذكور، بينما يتباركون ويفرحون بالإناث. فأقوام الغجر تعتبر النساء رزقاً ووطناً، وأنا كذلك. حرمت الإناث بناتاً، وعوضني الله إياهن حفيدات، فتعلقت بهن، وأصبحت مسكوناً (...)
نادراً ما تخلفت عن موعد ما، بل إنني عادة ما أصل قبل الوقت، تعودت أن أسبق الوقت وأجعله خلفي، لا أتذكر أنني تأخرت ذات يوم عن أي موعد مهما كان نوعه، ليس لأنني منضبط كي لا أفوت أي شأن من الشؤون المتعلقة بي، أو لأنني حريص على أن أعطي انطباعاً أنني جدي. (...)
عدت إلى منزلي مكتنزاً بمياه الينابيع، منسدلاً كالحرير على ياقة.. البرنس النبيل، ابني الأكبر (فراس) اصطحبني من المطار حال وصولي من (روشستر) والابتسامة تملأ أسنانه، حضنته أمام مدخل القدوم إلى (كنساس سيتي) كنت أغلق عيني وأنا أحضنه كأنني أغلقهما على (...)
من شرفة عتيقة ترتجف إن هطل عليها المطر، وتبكي إن طلع عليها الحنين.. أكتب إليكم اليوم، بعد أن عدت لمنزلي... زهور عباد الشمس في البعد تهفو من الريح بأوراق عباد الشمس، وأقراصه الذهبية تسبح في شمس (أغسطس)، حولي تتحدث الطيور، أصوات الطيور أشبه بدوزنة (...)
اليوم تتسع لهفتي للذهاب إلى (كنساس سيتي) حيث أحباب لي، تركوا رماداً هنا، وأضاؤوا السفح بالحنطة هناك، وذلك بعد أن سئمت من الجلوس والتحديق عبر نافذة زجاجية، متأملاً هذا القلب الكبير الذي أصبح مجرد مضخة. وأشاهد الحياة تتعرى تحت مصابيح المستشفى مساء، (...)
في كل مساء، أجلس أحدق من نافذة غرفتي 5143 في مستشفى «سانت ماري» التابع ل«مايو كلينك».. أحدق في حديقة ممتدة على مد البصر.. حيث الحدائق هنا في المستشفيات جزء لا يتجزأ من المشهد الصحي الأمريكي. أجلس صامتا، أعتقد أن الصمت في هذه الغرفة أمر عظيم، يميل (...)
أهداني ابني (ريان) وأنا في المستشفى في (مايو كلينك) كتاباً شيقاً وممتعاً للدكتور (ديك سلينرز) جراح أمريكي، جمع بين فن الجراحة، وفن البلاغة، وعمق الإيمان. الكتاب يناقش أهمية الجو المحيط بالبيئة العلاجية، وكيف أن هذه البيئة لها تأثير عجيب على موقف كل (...)
ودعت القرية - التي أقيم فيها مع عائلتي- قبل انبلاج الصبح في طريقي إلى (مايو كلينك) في «رويتشستر مينسوتا».. تركت القرية (بارك فيل) وهي تستحم في الماء، كان كل شيء يبكي.. المزاريب شلالات من دمع تجرف حتى طين الأسطح، شجرة الليمون الملساء الورق، كانت (...)
ها أنذا أقف مرة أخرى أمام لوحة رائعة في إطار سينمائي ممتع.. قصة بسيطة، بساطة الأرض التي صورت فيها.. قرية بحجم قمحة وسماء شتوية باهتة. الريح تطارد سحباً بلقاء عجول فوق سلسلة جبلية بعيدة، وفي مقدمة المشهد تأتي جنازة امرأة تحمل على عربة، تجرها خيول (...)
أحيانا يتهيأ لنا أننا لسنا بخير، وأن مياهاً صدئة تروي عروق أيامنا، ذلك عندما يحرك الوجع ذراعيه، وينفض ريشه فوق أعناقنا، ويجعل عبارات الخوف تهدد سكينة الهواء. البراكين تهدر، والسدود تنهار، والسلالم تتدحرج، شهقة الألم تحدث مثل طير بريء علِق في مصيدة، (...)
عندما أودعني دافع العربة صالة الانتظار لإجراء بعض التحاليل، شاهدت برنامجاً مسلياً كان يعرض على الشاشة، عن (البقر).
اكتشفت ولأول مرة وعبر هذا البرنامج، أن البقرة لم تعد حيواناً.. إنها آلة تستقبل الطعام، وتنتج لنا اللبن، وأن لديها خططها الإنتاجية، (...)
في حياةٍ ننفق فيها كالبهائم، وندفن كالغرباء، بسبب كورونا. في عالم رقمي فرض علينا أسلوب حياة جديدة، وغيّر عاداتنا، وأعاد صياغة علاقاتنا بقوة الأمر الواقع.. أخذت موعداً ديجتالياً كي أعتمر هذا الأسبوع. وكان الرد الديجتالي سريعاً، رحلة صفاء وطمأنينة. في (...)
أكتب اليوم عن رجلٍ مُضيءٍ كالشمس. سنبلة كبيرة من ذهب العطاء، والقيم العميقة، والمبادئ الخالصة، شامخ كالنخيل، طري اللسان.
صرامته تحمل وراءها قلب طفل غرير، وقور، هادئ على شفتيه دائماً ابتسامة، كأنها ليست له لطول ما تركها على حالها من التبسم. أسند إليه (...)
كنت أحسد الرعاة على حريتهم وبراريهم وبساطتهم وطيبتهم. لذا وأنا طفل كنت أحلم بأن أكون راعياً. كانت لذة خالصة تحتلني عندما كان يصطحبني صهري (سالم عثمان الطويرقي) شفاه الله إلى (ديار طويرق)، التي تقع في الشمال الغربي من مدينة (الطائف)، بقعة على شكل حبة (...)
هناك في منطقة قصية من الذاكرة، من علبة افتراضية.. يُخبئ كل واحد منا كنزه. حتى الأشياء البسيطة تختبئ هناك بعد أن صارت بفعل المسافة الزمنية كنزاً، لا نحتاج إلى الحفر تحت التراب لاستخراجه. يلبس في كل مرة هيئة ذكرى. الذكرى هي رسالة أيضاًَ، رسالة مؤجلة (...)
تجربة مشاهدة فيلم (الأب)، قد تكون استثنائية وممتعة، بقدر ما هي محزنة، خاصة لهؤلاء الذين فقدوا أحبابهم (مثلي) بفعل هذا المرض العقلي، ولهؤلاء الذين يحبون التفكير في ماهية الإنسان. وكم هي هشة مثل قشة في مهب الريح أمام قوى الطبيعة الغادرة. وأنت تشاهد (...)
يبدو الزمن في جريانه مثل تيار ماء، يجري حيث مستقره. هناك ذكريات باقية، ذكريات لا تنسى، وأخرى تسكن القلب، تمثل زمناًََ، يدور ثم يعود فيحيي تلك اللحظات التي لا تغيب أبداً. أيام بمشاهدها، وحوادثها، ولحظاتها النادرة، أنا وأنت نعيش بتلك الذكريات حتى لو (...)
ونحن صغار كان يقال لنا:
من يفتح تمرة فسوف يجد اسم الله مكتوباً على النواة داخلها..!!
وكنا نفتح حبة التمر، ولكننا لا نجد اسم الله مكتوباً عليها... ولم نكن نعرف ونحن صغار أن حبة التمر معجزة في حد ذاتها، وأن الله عز وجل ليس في حاجة إلى أن يوقع باسمه (...)
عندما كنت أعمل في مستشفى المرحوم الدكتور «عبدالرحمن طه بخش» كمدير عام.. في العشر الأواخر من رمضان.. حضرت للمستشفى سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها.. اسمها (رحمة)، قد نصحها الأطباء بتحديد نسلها بسبب ما تعاني من مشكلات في القلب.
«رحمة» لديها خمس (...)
كنت دائما أحب المطارات.. أحس فيها بطعم الغربة، وعتبات الدهشة الأولى حين أسافر ورائحة الوطن، والأحلام التي تنام على أرصفة الوقت حين أعود. وكنت أحاول دائما في تلك اللحظات التي تزحف بطيئة فوق الصالات الباردة أن أفك لغتها السرية، التي لا تمنحها (...)
هذه الفترة من العام.. تشعرني بحزن ووحدة.. أضواء هذا الانتقال الرمادي، تضفي على الإنسان المحب مزيداً من الوحدة والدهشة والحيرة. أحيانا الحزن في القلب يكون ثملا مثل الشجن، ثم تهب عليه الذكرى فيصبح مثل اليأس!
هي غربة الروح ومصداقية اليقين، وأرقُ حِبر (...)
«خالد حسيني» كاتب، وطبيب أفغاني أمريكي.. روايته الأولى (عداء الطائرة الورقية) تصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لمدة 4 أسابيع، وتحولت لفيلم. أما روايته الثانية (ألف شمس ساطعة) فتصدرت قائمة صحيفة «نيويورك تايمز» لأكثر الكتب مبيعاً لمدة واحد وعشرين (...)
أتحدث اليوم عن مواجهة مرحلة منتصف العمر، وكيف يفترض أن يتعامل كلٌّ منا مع هذه المرحلة الحساسة في رحله الحياة، وذلك بعد أن اكتسب الفرد منا رصيداً كافياً من الخبرة والفهم والتجارب والوعي، ولقد قررت أن أكتب عن هذه المرحلة التي تجاوزتها ولله الحمد منذ (...)