تحقيقات - مفكرة الإسلام : عندما صدرت مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية بعد ضغوط متواصلة من عدد من الدول الغربية، التي شنت حملة شعواء خلال الأشهر الماضية على البشير والنظام السوداني حيث تم تجنيد مجموعة من المنظمات الدولية وعدد من الأقلام والنوافذ الإعلامية المختلفة للتشنيع على نظام البشير وتسليط الضوء على أزمة دارفور ومزاعم ارتكاب الجيش السوداني لجرائم حرب بالإقليم، قفز إلى ذهني مباشرة صورة الرئيس العراق السابق صدام حسين وهو معلق على حبل المشنقة أول أيام عيد الأضحى بأيدي فئة موتورة من الشيعة المتعاونين مع الاحتلال وتخيلت مصير الرئيس السوداني بعد سنوات وتساءلت هل يمكن أن يتكرر المشهد مرة أخرى ولكن هذه المرة على أيدي فئة من المتمردين الذين يجاهرون علانية بالتعاون مع الكيان الصهيوني؟ ثم تداعت إلى مخيلتي الأفعال وردود الأفعال العربية إبان الأزمة العراقية عندما بدأ التصعيد ضد نظام صدام بحجة عدم التعاون بشأن أعمال التفتيش على أسلحة الدمار الشامل، والحملة التي شنتها الدول الغربية يومها والتقارير الملفقة والتسجيلات المزيفة التي بثتها من خلال وسائل الإعلام والموقف العربي الذي يقدم قدما ويؤخر أخرى، محملا بتداعيات حرب الخليج الثانية متجاهلا الأهداف البعيدة التي يرمي إليها الغرب من وراء حملته حتى وصل المشهد إلى ذروته يوم إعدامه وبدأ البعض يتحسس عنقه وتأكد الجميع أن الأمر لن يقف عند صدام بل سيتعداه إلى غيره ثم بدأ الحديث عمن عليه الدور حتى جاءت "المحكمة الجنائية" لتلقي بالشباك على الرئيس السوداني؛ فإذا بنا نرى الافعال وردود الافعال العربية تقف عند حدود الاستنكار والشجب على المستوى الرسمي أما المستوى الشعبي أو غير الرسمي فتنوعت بين الغضب والتظاهر والمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة أولا ، واللافت أن الفعل ورد الفعل العربي إبان أزمة العراق يتشابه تماما خلال أزمة البشير وهو ما يثير المخاوف حول كيفية نظر الأنظمة العربية لأمنها الوطني وارتباطه بالأمن القومي. لقد ظل العرب ينتظرون قبل قرار المحكمة الجنائية دون مبادرة حقيقية أو فعالة وعندما صدر القرار بدأت ردود الأفعال المعتادة فهل تكفي؟! أمثلة من ردود الأفعال العربية الرسمية الجامعة العربية: أعربت عن انزعاجها الشديد لصدور القرار، مشددة على التضامن مع السودان في مواجهة أي مخططات تستهدف النيل من سيادته ووحدته واستقراره. كما أبدت أسفها لعدم تمكن مجلس الأمن من استخدام المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية لتأجيل الإجراءات المتخذة. الجزائر: اعتبرت القرار سابقة خطيرة وكيلا بمكيالين وتسييسا للعدالة الدولية. السعودية: شددت على معارضتها واستهجانها لقرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، واصفةً القرار بأنه مسّيس، ولا يحقق استقرار السودان. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل: "نجدد قلقنا من صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر حسن البشير ونرى أن القرار من شأنه إضفاء المزيد من التعقيدات ووضع العقبات أمام حل أزمة دارفور". سوريا: عبرت عن قلقها البالغ وانزعاجها الشديد إزاء القرار الذي رأت فيه "تطورا خطيرا يخالف منظومة العلاقات الدولية". كما اعتبرت أن القرار "يشكل سابقة خطيرة" تتجاهل حصانة رؤساء الدول التي ضمنتها اتفاقية فيينا لعام 1961. فلسطين: أدانت الحكومة الفلسطينية في غزة من جانبها قرار المحكمة. ووصف المتحدث باسمها طاهر النونو القرار بأنه غير عادل واعتبر أن تحرك المحكمة مسيس معربا عن تضامنه مع البشير والشعب السوداني. الجماهيرية الليبية: أكدت وقوفها مع الشعب السوداني، وإدانتها ورفضها بشدة لمذكرة اعتقال البشير. واعتبرت القرار سابقة خطيرة تؤكد عدم نزاهة واستقلالية وعدالة المحكمة. لبنان: أعرب عن قلقه من انعكاسات القرار على الاستقرار بالسودان ومصير العملية السياسية الجارية (في دارفور) واتفاقية السلام الشامل. وانتقدت الخارجية المعايير المزدوجة في تطبيق مبادئ القانون الدولي الإنساني، في ضوء جرائم الحرب والعدوان الذي ارتكبته "إسرائيل" ومسؤولوها لا سيما خلال العدوان على غزة مؤخرا ولبنان 2006. الإمارات العربية: عبرت عن مخاوفها من تداعيات القرار السلبية على استقرار الأوضاع بالسودان والحوار السياسي القائم فيه، والجهود المبذولة لتفعيل العملية السياسية في دارفور. مصر: دعت مجلس الأمن إلى عقد اجتماع عاجل وطارئ بهدف اتخاذ قرار لتأجيل تنفيذ قرار التوقيف بحق البشير. كما دعت إلى عقد مؤتمر دولي رفيع للاتفاق على رؤية شاملة ومتكاملة للتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجه السودان. اليمن: أدان قرار الجنائية ووصفه بالسابقة الخطيرة والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول، وأنه لا يخدم بأي حال جهود إحلال السلام في دارفور ويهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة. وانتقد عدم اتخاذ أي إجراء من الجنائية لمحاكمة مجرمي الحرب "الإسرائيليين". الأردن: أعلن أنه مع الإجماع العربي في قضية الرئيس السوداني. وأكد احترام التزاماته بالمواثيق والمعاهدات التي وقع عليها، في إشارة لتوقيعه على قانون المحكمة الجنائية. موريتانيا: وصف نواب البرلمان القرار بأنه "جائر ويشكل أكبر دليل على أن المحكمة أداة من أدوات السياسة الأمريكية التي تتميز بازدواجية المعايير". ردود الأفعال على الصعيد غير الرسمي حالة من الغليان والغضب اعترت العالم العربي إثر القرار خصوصا أنه جاء في أعقاب مجزرة غزة والتي طالبت العديد من المنظمات بتقديم مرتكبيها للمحاكمة الدولية دون أن يصدر تعليق رسمي من القائمين عليها واكتفت بإمكانية ذلك ثم سكتت عن الكلام المباح! لقد تظاهر الآلاف في معظم الدول العربية احتجاجا على مذكرة اعتقال البشير كما تظاهروا من قبل احتجاجا على مجازر الاحتلال في غزة. أمثلة من ردود الأفعال في الصحافة العربية أكد الكاتب عبد الباري عطوان في صحيفة القدس العربي أن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية يعكس مدى قيمة العرب وزعمائهم، في نظر الغرب والمؤسسات الدولية التي تخضع لنفوذه. وأضاف: السودان مستهدف لأن ثورة الإنقاذ التي أخذت بيده في ظرف حرج، ومنعت انهياره، رفضت العدوان الأمريكي على العراق، وكل مشاريع الهيمنة على مقدرات العرب وقضاياهم، واستخرجت النفط رغم الحصار الغربي، وحققت مصالحات داخلية بالتزامن مع تطوير لافت في خطط التنمية، وترسيخ الخيار الديمقراطي، وترتيب انتخابات حرة ونزيهة، وفتح أبواب البلاد مجدداً أمام جميع فصائل المعارضة للعودة والمشاركة في العملية السياسية. وتابع: مشكلة الرئيس البشير ليست محصورة في دارفور، وإنما في مناهضته لمشاريع الهيمنة الأمريكية، فلو فتح سفارة "لإسرائيل" في الخرطوم، وأيّد الغزو الأمريكي للعراق، ووقّع معاهدة بوصول مياه النيل إلى فلسطينالمحتلة، لربما عندها كان باستطاعته إبادة شعب دارفور عن بكرة أبيه دون أن يعترض أحد. وأشار إلى أن تفكيك السودان لو تم، وفق المخططات الأمريكيةالغربية، يعني تحويله إلى دولة فاشلة على غرار ما حدث في الصومال وأفغانستان وجزئياً في العراق، وتهديد أمن واستقرار تسع دول أفريقية تحيط به وعلى رأسها مصر، وتفجير حروب أهلية وعرقية قد تمتد لسنوات وربما لعقود. وتابع عطوان: قالوا لنا وعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية، ومن خلال حملات إعلامية مكثفة، إن النظام السوداني ذبح 600 ألف شخص في دارفور، لنكتشف ومن خلال قرار المحكمة الأخير أن العدد تراجع إلى 35 ألفاً فقط، فكيف نثق بهؤلاء وعدالتهم وإعلامهم وفرق تقصي الحقائق التابعة لهم التي جاء بعضها بمثل هذه الأرقام؟! وتحت عنوان " حذار من الأخطاء " قالت صحيفة أخبار العرب الإماراتية: إن الحكومة السودانية كسبت نقاطا كثيرة ومهمة ضد قرار محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير ومن هذه النقاط المهمة أن الدول العربية والأفريقية وبعض الدول الكبرى استنكرت القرار فورا واعتبرته "مهددا للسلام في السودان"، وانحازت إلى تأييد الخرطوم في موقفها الرافض للقرار. وأضافت الصحيفة: إننا نقف الآن أمام سابقة تاريخية قد تغير شكل القارة الأفريقية، والمنطقة العربية، وتخطئ الولاياتالمتحدة والدول الغربية الأخرى إذا كانت تعتقد أنها بتعاملها الانتقائي في مسائل العدالة وانتهاك حقوق الإنسان، واستهدافها العرب والمسلمين على وجه الخصوص، ستخرج رابحة هذه المرة، لأن عواقب هذا التمييز العنصري في تطبيق القانون الدولي قد تكون أكبر بكثير مما تتصور، إذا لم تتم معالجة هذه المسألة بحكمة ومرونة، فقد طفح كيلنا والطوفان قد يكون وشيك. ونشرت صحيفة العرب القطرية مجموعة آراء لعدد من الخبراء المصريين حول القضية، فقال الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدارسات السياسية والاستراتيجية: إن قرار اعتقال البشير لن يصب في مصلحة الأمن القومي المصري، خاصة لو تم تصعيد القرار من قبل مجلس الأمن، لما له من تأثيرات سلبية على وحدة السودان الداخلية. وأشار رسلان إلى "أن أي تصعيد للموقف سيضع مصر أمام مجموعة من المخاطر، أهمها ضرورة إعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية بمنطقة حوض النيل، بالإضافة إلى فقدان السيطرة على أمن البحر الأحمر، وما قد يترتب على هذا القرار من خلق قوى سياسية في الجنوب السوداني، تقوم بالعبث بمياه النيل، لمصلحة دول أخرى، للضغط على مصر، سياسيا واقتصاديا". وأكد أن أي تدهور للأوضاع السودانية قد يؤدي إلى قطع الطريق أمام مصر إلى أي شراكة أو تعاون سياسي أو اقتصادي مع دول حوض النيل بداية من السودان، وحتى منطقة القرن الإفريقي. ومن جانبه قال اللواء محمود خلف، مستشار مركز دراسات الشرق الأوسط: "إن الجهود المصرية التي تبذل حاليا، تؤكد على إدراك الخارجية المصرية، والقائمين عليها، بمدى خطورة الوضع، في حالة سقوط البشير، وخلق حالة من الفوضى على حدود مصر". واكد الدكتور وحيد عبدالمجيد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراجية، على أن الأزمة لن تحل بسهولة قائلا: "حتى لو نجحت الجهود العربية في استصدار قرار بتعليق تنفيذ اعتقال البشير، سيكون التعليق لمدة عام، ولو لم تحل أزمة دارفور خلال هذه الفترة، سيكون هناك تصعيد خطير للموقف، لهذا يجب على الدول العربية بشكل عام، ومصر بشكل خاص، التحرك لحل أزمة دارفور بالجهود السياسية والدبلوماسي". وقالت صحيفة الأهرام المصرية: "لماذا تم إفراد البشير في حين أن ثمة مرتكبين معروفين لجرائم التطهير العرقي وجرائم الحرب في فلسطين والعراق، والذين ما يزالون طليقين؟" وأضافت: "عندما ترتكب الجرائم ضد العرب والمسلمين، يدير العالم ظهره. لكن مجرد الاشتباه في رئيس دولة عربية وإسلامية يعتبر أساسا كافيا لتوجيه التهم له".