اقتحمت جماعة الفكر والثقافة، وهي إحدى جماعات نادي القصيم الأدبي الحديثة، عش الدبابير - كما قال أحد المنضمين إليها - حينما تناولت في إحدى جلساتها بمدينة بريدة العلاقة بين الدين والفلسفة, بعد أن أحيت جلساتها الثلاث الأولى بسرية مقتصرة على بعض المهتمين والمتابعين من أصحاب الاختصاص أو التوجه، وذلك تخوفاً من ردود فعل عكسية وعنيفة من قبل غير المتفهمين لوجود هذا التيار الجديد في نادي القصيم الأدبي, حينما أكد رئيس "جماعة فكر" بنادي القصيم الأدبي الكاتب والباحث عبدالعزيز السويد أن التخوف من الردود العكسية التي قد تؤدي إلى وأد الجماعة ونكوصها بالمنع وهي التي تناقش أمور الفكر والفلسفة والدين والحقيقة, هو ما جعلهم يقتصرون على دعوة المهتمين والمختصين في بداية الأمر بعيداً عن الإعلام والنشر. وذكر السويد لجريدة "الوطن" التي أوردت الخبر في صحيفتها اليوم الثلاثاء أن الجماعة أرادت في بداية أمرها أن تتأكد من نضج التجربة قبل أن تذيعها للناس عبر موقع النادي أو الصحف المحلية. وبين السويد أن للجماعة خطة إستراتيجية لدعوة الكثير من علماء الفلسفة والفكر من خارج المنطقة والمملكة, كما أن لديها توجهاً لطرح الدراسات والقراءات لكثير من رموز الفكر من الشخصيات التي ترتبط بالمنطقة إما ولادة ونشأة أو امتداداً عائلياً ولها تأثير على مستوى الفكر بالوطن العربي مثل عبدالله القصيمي، وعبدالرحمن منيف، وسليمان الدخيل، وغيرهم من رموز الفكر والفلسفة. وأكد السويد أن من أهداف الجماعة الرئيسية تقديم رؤية تكشف زيف القناعة السائدة لدى المجتمع والناس من التعارض الدائم بين الإسلام أو الدين بشكل عام والفلسفة, حيث تحاول الجماعة ترسيخ أن الدين يعمل ويشحذ على الفلسفة والتفكير الحر والعقلانية. كما بين السويد أن "جماعة فكر" قد ناقشت في بداية أمرها - السري- خلال الشهرين السابقين عدة موضوعات من ضمنها علاقة العلم بالفلسفة وهي الورقة التي قدمها الدكتور عبدالله البريدي, ثم ناقش طريف السليطي التفكير المجرد, بعدها تقدم رئيس الجماعة بطرح ورقة تناولت خصائص الخطاب السعودي الثقافي بتياراته "الإسلامي" أو "العلماني" أو "الليبرالي" أو "الشعبي". وكان الكاتب والباحث يوسف أبا الخيل قد قدم ورقته في الجلسة الرابعة لجماعة فكر مساء الثلاثاء المنصرم في مقر نادي القصيم الأدبي بمدينة بريدة، وناقش من خلالها مسألة العلاقة بين الدين والفلسفة, من منظور إشكالية التوفيق بينهما, سواء من الجانب الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي، وقال فيها: إن الأصول الميتافيزيقية بين الدين والفلسفة توحي بالتنافر, مما استدعى محاولة التوفيق بينهما, والسبب كما ذكر أبا الخيل ضيق الحرية الفكرية ووأد التعددية من جانب, ومدى قرب أو بعد الدين من السياسة. فالسياسة الرومانية مثلاً ارتأت وصفة وحيدة, أو مذهباً وحيداً للدين المسيحي هو مذهب الثالوث أو التثليث, وكان لزاماً عليها وأد كافة الآراء والمذاهب المعارضة أو "المهرطقة". أما الثقافة الإسلامية, فعندما استقدم المأمون الفلسفة اليونانية الأرسطية في البيئة الإسلامية (البغدادية تحديداً) لغرض سياسي بحت, هو محاربة خصومه السياسيين آنذاك – كما يقول أبا الخيل - كان لا بد من محاولة التوفيق بين الفلسفة والدين ضمن المنظور الذي كانت تقدم به العقيدة الإسلامية آنذاك, وذلك حتى لا يتهم المأمون بأنه وطد فلسفة مخالفة للدين!. وعليه، أكد أبا الخيل في ورقته أن الفلسفة التي تهتم بشؤون الدنيا فقط لا يمكن لها أن تتعارض مع الدين, وبخاصة الأديان السماوية, والإسلام على رأسها, مستغرباً محاولات البعض استصحاب ما يعرف ب"التوماوية الجديدة " في الغرب المعاصر على أنها نموذج للتوفيق بين الدين والفلسفة, بينما هي ليست أكثر من محاولة لإحياء جوانب روحانية من الدين المسيحي لتخفيف "مادية" الحداثة, بمعنى أنها تنتمي لعصر ما بعد الحداثة في الغرب, بينما بنو يعرب لم يدخلوا بعد في عصر الحداثة, بل ولا هم حتى قريبون منه. بعد ذلك تقدم سلطان العامر (أحد أعضاء الجماعة) بتشريح تناول ورقة أبا الخيل قال فيه: إن المحاضر لم يوفق في تقديم فكرته حول علاقة الدين بالفلسفة كونه تناول الموضوع بوصفه محض ورقة تاريخية تستقرئ الأحداث وترتبها تاريخياً دون الغوص في مكامن الربط والتماهي الفلسفي, مما جعل العامر يقطع بأن ذلك ما هو إلا انحلال في الطرح الفلسفي إلى محض الطرح التاريخي, وهو ما يشير إلى أزمة حقيقية في الوعي السعودي تجاه الفلسفة, حيث الخلط المستمر بين دور "مؤرخ الأفكار" ودور الفيلسوف. رئيس مجلس إدارة نادي القصيم الأدبي الدكتور أحمد الطامي ذكر ل"الوطن" أن الجماعة تدخل ضمن مسؤولية النادي في تشجيع ثقافة الحوار الفكري في المنطقة, وأنها تعنى بكل القضايا الفكرية بما فيها الفلسفة، وتطرح الكثير من القضايا التي تهم المثقفين والقيادات الفكرية, وهي دلالة على تنوع مجالات النادي وشموليته لكثير من الأطياف والمناهج الأدبية. وحول سرية الجماعة في بداية أمرها، بين الطامي أن الأمر لا يعدو سرياً أكثر من كونه تجربة رأى فيها أعضاء الجماعة ألاّ ينشروا جلساتهم عبر آليات النشر الصحفي والإعلامي قبل أن يكون هناك تصور لمدى نجاح الجماعة في الطرح والتناول لبعض المواضيع, وبين الطامي أن الجماعة مهيأة لأن تكون إضافة للحراك الثقافي في المنطقة كون المنطقة على درجة كبيرة من الوعي والتفهم مع ارتفاع محسوس وإيجابي في ثقافة الحوار.