نقلا غن صحيفة الحياة اللندنينة : «ماذا يعني كل هذا المطر هذا المساء بالذات، انتهيتُ من الكتابة لتغرق جدة، في مطر وحشي، من النادر أن أصادف مطرها الذي لا يأتي إلا بهذه الطريقة المفاجئة، والحاملة للوعيد... ستغرق جدة، ولكن بهدوء شديد وببطء سننام طويلاً وحين نستيقظ تحت الماء سنجد أنفسَنا مع الكائنات البحرية ونختنق». هذا مقطع من رواية توقعت الكارثة التي حلت بمدينة جدة، جراء السيول التي دهمتها قبل أيام، ولا تزال آثارها المادية والمعنوية قائمة، ولا أمل في أن تزول سريعاً. في ثلاثة مواضع من روايته «الرواقي» الصادرة قبل نحو شهرين، أشار الكاتب حامد بن عقيل، إلى غرق مدينة جدة. لكنه أبدى تحفّظه على مفردة «تنبأ»، التي وصفه بها أحد المواقع الالكترونية، مشدداً بالقول ل «الحياة»: «لست أول من توقع غرق العروس، إذ كتب حول ذلك كثيرون»، لافتاً إلى أن ليلى الجهني، وصفتها قبل نحو 15 عاماً، في روايتها «الفردوس اليباب» ب «المدينة الآيلة إلى السقوط»، إضافة إلى أن عدداً من الكتَّاب تناولوا في مقالاتهم مشاريع الصرف الصحي فيها، التي لا تنتهي. وعلى رغم ذلك تفشل في صد رذاذ المطر الخفيف. كما تناولوا «بحيرة المسك، ومشكلات المدينة التي تزداد تفاقماً من دون حلّ». وتابع: «ليت الأمر توقف على ما كتبه الكتّاب والمثقفون، إذ ان أكثر من مسؤول بلدي وبيئي قدم بعد الكارثة أدلة قاطعة، تشهد على أنه نبّه المسؤولين منذ أعوام إلى ما سيحدث، بيد أن أحداً لم يستجب». وكانت اشارات ابن عقيل إلى غرق جدة جاءت في ثلاثة مواضع من روايته. توقفنا عند الأول في ما سبق. ونذكر الموضعين الآخرين، إذ يقول في الأول: «قال إنه يكره أن تمطر سماء جدّة، وإن المطر في الطائف لا يزحف بذرات الغبار نحو الأرض كما يحدث هنا، تاركاً الطين خلفه والمستنقعات». (ص21). وأخيراً في قوله: «حمل المخطوط وانصرفنا، وإلى أن أوصلني إلى منزلي القريب في حي الصفا، فإن أحاديثنا لم تتجاوز بضعة تعليقات على ما خلفه المطر، من بحيرات صغيرة بلون التراب في الفجوات الكثيرة لشوارع عروس البحر والأسى» (ص21). ولكنه شدد على أن ما ورد في «الرواقي»، «لم يكن نبوءة، قدر ما كان توقعاً شخصياً»، عزاه إلى سببين: «ما أراه في شوارعها، من آثار سلبية للأمطار الخفيفة التي كانت تنذر بكارثة، فيما لو استمر المطر بضع ساعات، والثاني رصدي إلى ما يتوقعه البسطاء فيها، قبل النخبة». وقال: «إن البائع في دكانه وسائق التاكسي كانا يتوقعان حدوث ما حدث، ويسألان الله أن يلطف بمدينة تكمن لعنتها في عشوائية مشاريعها، التي تسبق عشوائية أحيائها»، مؤكداً أنه لا يعتبر ما جاء في روايته «مكسباً إعلامياً للترويج لنفسي، كما يظن البعض، وذلك لأن كوارث الناس لا تحمل أي مكاسب». بيد أنه يقر ان ما تردد جعله يشعر أنه «بريء أمام الضحايا وذويهم، لأنني قلتُ ما لديَّ قبل وقوع الكارثة». واعتبر أن في ذلك «دلالة على أن المسؤولين ينظرون إلى المقالات الصحافية، والكتابة الأدبية، بمختلف أنواعها، كما ينظرون إلى مباراة في كرة القدم»، لأنهم يعتبرون أن ما يقوله الكاتب أو المثقف، ليس أكثر من متعة، لتزجية الوقت». ونفى أن يكون في هذا «رصد لواقع المدن والناس الذين يطوفون مشدوهين في شوارعها». وأشار إلى أن قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي جاء في أعقاب المأساة، «قطع الطريق على أي قول لاحق»، نافياً تهمة التشفي: «لست أو غيري من الكتاب، نقصد التشفي حين كتبنا حول ما حدث». كما أشار إلى ذلك بعض المسؤولين. وشدد على ان ما حدث كان «أمراً متوقعاً، وما كُتب يجب ألا يتم إهماله، كما أهمل ما قيل وما كُتب من قبلُ». وعزا السبب إلى أن «الوضع لا يزال مقلقاً، على رغم أن سيول جدة كشفت المستور». وتساءل: «هل لا نزال في حاجة إلى سيول جارفة، لكشف المستور في إدارات أخرى، مثل: الصحة، والتعليم وغيرهما من المرافق الحيوية التي تهم الناس». وأبدى ثقته باللجنة التي أمر الملك بتشكيلها. وعزا السبب إلى أنها «برئاسة أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل، الذي لا أشك في أنه حريص كل الحرص على جعل مدينة جدة، تتجاوز محنتها الكبيرة، وتعود أفضل حالاً مما كانت عليه». يذكر أن رواية «الرواقي» مرشحة لنيل جائزة نادي حائل الأدبي للرواية.