أمير حائل يدشن إنتاج أسماك السلمون وسط الرمال    المسند: طيور المينا تسبب خللًا في التوازن البيئي وعلينا اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تكاثرها    التعامل مع المرحلة الانتقالية في سورية    إحباط تهريب (1.3) طن "حشيش" و(136) طنًا من نبات القات المخدر    بناء الأسرة ودور مراكز الرعاية الصحية الأولية    معرض الكتاب بجدة كنت هناك    جمعية(عازم) بعسير تحتفل بجائزة التميّز الوطنية بعد غدٍ الإثنين    البديوي: إحراق مستشفى كمال عدوان في غزة جريمة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني    مراكز العمليات الأمنية الموحدة (911) نموذج مثالي لتعزيز الأمن والخدمات الإنسانية    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بمعسكر قطر ويستعد لمواجهة الخليج الودية    الهلال يُعلن مدة غياب ياسر الشهراني    جوائز الجلوب سوكر: رونالدو وجيسوس ونيمار والعين الأفضل    ضبط 23194 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.. وترحيل 9904    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    حاويات شحن مزودة بنظام GPS    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    رفاهية الاختيار    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    حلاوةُ ولاةِ الأمر    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوظيف السياسي للحج.. وتأثير حادثة منى على صورة المملكة في الخارج
نشر في أنباؤكم يوم 10 - 10 - 2015

تعرضت المملكة العربية السعودية خلال موسم الحج لصدمات موجعة آلمت ليس فقط النظام، وإنما العالمين العربي والإسلامي الذي تتوق شعوبه لزيارة بيت الله الحرام لتأدية مناسك الحج والعمرة، وهي لا تدري أنها ذاهبة إلى حتفها لأسباب متعددة، بعضها يسأل عنه النظام السعودي الذي لم يتحر متطلبات الأمان اللازمة للحجاج مثلما حدث في حادثة الحرم، وبعضها لا يعرف سببه مثلما هو الحال في حادثة التدافع التي راح ضحيتها ما يقرب من ألف شهيد بخلاف مئات المصابين، ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المملكة لتلك الحوادث المؤلمة، إلا أن التوظيف السياسي للحدث، والذي يتزامن مع جملة من التحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي تتعرض لها المملكة، يجعل له أهمية مضاعفة، إذ يؤثر ليس فقط على سمعة النظام السعودي وقدرته في تنظيم موسم الحج، وإنما كذلك على دوره ومكانته في العالمين العربي والإسلامي، خاصة وأن الشهداء والمصابين من كافة دول العالم، وهذه ليست الحادثة الأولى في الموسم نفسه، مما يدفعنا للبحث في إمكانات توظيف ذلك الحدث سياسيًا، وتأثير ذلك على صورة المملكة في الخارج.
حوادث متكررة
-------------------
شهدت المملكة العربية السعودية في حقيقة الأمر العديد من الحوادث خلال مواسم الحج المختلفة استشهد فيها العشرات من الحجاج، بل لا يكاد يمر موسم من مواسم الحج دون سقوط شهداء، ففي عام 1990، وقعت أسوأ مأساة متعلقة بالحج، حيث توفي 1426 حاجًا في تدافع في نفق مشاة مكتظ يؤدي إلى الأماكن المقدسة في مكة المكرمة، وهو رقم يفوق ما حدث هذا الموسم، دون أن يصاحب ذلك تأويلات واتهامات تحمل النظام السعودي مسؤولية تلك الحادثة، التي مثلت في ذلك الوقت صدمة للعالم، إذ كانت أول مرة تحدث حادثة يقع فيها هذا العدد الضخم من الشهداء على أرض الحرم.
ورغم الاحتياطات التي اتخذتها المملكة بعد ذلك، لمنع تكرار تلك الحوادث مرة أخرى، حفاظًا على صورة المملكة وحماية لحجيج المسلمين من التعرض لأي حوادث تضر بصحتهم وحياتهم، إلا أنه في عام 1994، توفي نحو 270 حاجًا في تدافع خلال رمي الجمرات في منى، وكأن منى قد تحولت إلى كابوس يؤرق النظام السعودي بسبب العدد الكبير للحجاج، والذي يحتاج إلى جهود ضخمة لتنظيمه تفاديًا لوقوع أي حوادث في المستقبل.
ولم تفلح الجهود المبذولة لتفادي تلك الكوارث، التي تحتاج إلى دراسات معمقة للوقوف على حقائقها وأسبابها لتفادي وقوعها مرة أخرى، إذ لم يكد يمر ثلاثة أعوام على آخر حادثة، حتى شهد عام 1997 وفاة 340 حاجًا على الأقل في حريق شب في خيام منى، حيث ساعدت الرياح القوية الحريق، وجرح أكثر من 1500 حاج.
ولم يكد يمضي العام حتى شهد العام التالي مباشرة وفاة نحو 180 حاجًا دهسًا، عقب حالة من الذعر بعد سقوط العديد منهم من جسر خلال رمي الجمرات في منى.
وتكرر الأمر نفسه خلال عامي 2001 و2004 اللذين شهدا وفاة 35 حاجًا و244 حاجًا على التوالي جراء تدافع في منى، وأصيب مئات آخرون في اليوم الأخير من مناسك الحج.
وقد تكرر الأمر نفسه خلال عام 2006، حيث توفي أكثر من 360 حاجًا في تدافع في سهل منى بالقرب من مكة المكرمة، حيث يقوم الحجاج برمي الجمرات، هذا في الوقت الذي انهار فيه مبني مكون من 8 طوابق يستخدم كنزل بالقرب من المسجد الحرام في مكة المكرمة، مما أسفر عن وفاة 73 شخصًا على الأقل.
ورغم أن السنوات الماضية لم تسفر عن حوادث مفجعه مثل تلك التي سبق وأن أشرنا إليها، إلا أن الامر تكرر هذا العام بنفس الشكل الذي تكرر في السابق، مما أدى إلى مقتل 717 شخصًا على الأقل وجرح 863 شخصًا، ومما زاد من صعوبة الأمر أنه حدث في غضون أسبوعين بعد انهيار رافعة على رواد المسجد الحرام في مكة، الأمر الذي أدى إلى مقتل 109 أشخاص.
لذلك فإن الأمر يتطلب البدء في الوقوف على أسباب تلك الكوارث ومعالجتها بشكل علمي، بحيث يتم تفاديها في المستقبل حفاظًا على حياة الحجيج، ودفعًا للمسلمين في كل بقاع الأرض للحرص على أداء تلك الفريضة دون خوف.
جهود المملكة في تنظيم موسم الحج
----------------------------------------------
بالرغم من انشغال النظام السعودي خلال الفترة الماضية بالتحديات الإقليمية والدولية المحيطة بالمملكة، والتي من شأنها أن تؤثر على المستقبل والأمن والاستقرار السياسي للنظام، خاصة بعد دخوله في مواجهة مباشرة مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران، إلا أن ذلك لا ينفي أن المملكة تبذل جهودًا مشكورة لتنظيم موسم الحج، ولا تألو جهدًا في إحداث توسعات وتطورات للحرم المكي تكلفها ملايين وربما مليارات الريالات السعودية، لكن تظل الأعداد التي تفد في موسم الحج أكبر من طاقة أي دولة في العالم.
فنظرة على مشروع التوسعة الحالي في المسجد الحرام تشير إلى الحجم المذهل من المشروعات التي ترفع طاقته الاستيعابية إلى مليون و200 ألف مصل، حيث تمت زيادة وتوسعة المسعى بين الصفا والمروة وبناء 3 أدوار جديدة، وزيادة طاقة المطاف من 50 ألفًا إلى 130 ألفًا في الساعة، وتطوير منطقة زمزم، بالإضافة إلى قطار المشاعر الذي ينقل نصف مليون حاج من عرفات إلى المزدلفة في 6 ساعات ليغنى عن 30 ألف حافلة، وكذلك جسر الجمرات الذي تكلف ما يقرب من 5 مليارات ريال ويتكون من 5 طوابق.. وهناك المشروع الكبير وهو القطار الجديد الذي سيربط بين مكة والمدينة المنورة بتكلفة 42 مليار ريال، ويعتبر أحد أكبر مشروعات السكك الحديدية السريعة في العالم بطول 450 كيلو مترًا، والمتوقع انتهاء العمل فيه ليصبح جاهزًا للتشغيل في نهاية 2016.
وحسب العديد من الخبراء تعتبر المملكة العربية السعودية الدولة الأكثر خبرة على مستوى العالم في إدارة الحشود البشرية، بسبب الخبرة التراكمية التي تولدت على مدار عشرات السنين في التعامل مع استقبال ضيوف الرحمن من قارات العالم الخمس، وفي هذا الصدد أكدت خبيرة في الأمم المتحدة أنه لا توجد دولة في العالم تدير وتنظم الحشود والتجمعات البشرية بهذا المستوى، بصفة سنوية؛ وأن تجربة المملكة المتراكمة في مواسم الحج والعمرة أعطتها بعداً عالمياً في إدارة الحشود؛ لما تملكه من خبرة وكفاءة في هذا المجال.
وقالت الدكتورة سلا يانويا ممثلة الأمم المتحدة على مستوى العالم بجنوب إفريقيا، أثناء مشاركتها في المؤتمر الدولي لطب الحشود والتجمعات البشرية الذي عقد عام 2010: "إن دول العالم، بما فيها جنوب إفريقيا، وخلال استضافتها كأس العالم استفادت من الخبرة السعودية، والسبب بسيط؛ أنه لا توجد دولة تدير وتنظم هذه الحشود وبهذا المستوى وبصفة سنوية مثل المملكة العربية السعودية، كونها تحتوي قبلة المسلمين".
إلا أنه رغم ذلك فإن تفادي تكرار تلك الحوادث في المستقبل يحتاج لأن تأخذ المملكة بكل الاحتياطات الواجبة في مثل هذه التجمعات، التي ليس لها مثيل في العالم، فوجود نحو ثلاثة ملايين شخص في مكان واحد وتوقيت واحد هي مهمة تنوء بحملها أعتى الدول وأكبرها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من دول العالم الكبرى الأوروبية المتقدمة، ولذلك يقترح الخبراء أن تتعاون الدول الإسلامية في دراسة عدم زيادة أعداد الحجاج سنويًا حتى تنتهى المشروعات، بل وضرورة تخفيض الأعداد من كل الدول إن أمكن ذلك، ووضع قواعد وضوابط صارمة بعدم السماح لأى حاج بأداء الفريضة إلا كل 10 سنوات على الأقل، أو الاتفاق على عدد معين من السنوات بحيث يتم تقليل الأعداد ومساعدة السعودية على تقديم الخدمات بشكل أفضل.
التوظيف السياسي لحوادث الحج
-----------------------------------------
وقعت حوادث هذا العام في ظل بيئة سياسية داخلية وخارجية خانقة، خاصة بالنسبة للنظام السعودي الذي يواجه تحديات غير مسبوقة من العدو الايراني، الذي يتربص به ويحاول أن يصدر له الأزمات، وذلك ردًا على المواقف السعودية الأخيرة الداعمة للمقاومة السورية المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد، الذي يعتبر أحد أهم أركان المشروع الشيعي في المنطقة، والرافضة لسيطرة جماعة الحوثي على إيران، لما لذلك من تهديد مباشر لأمن واستقرار المملكة.
لذلك بمجرد وقوع الحادثة الأخيرة سارع النظام الحاكم في إيران، بدءاً من مرشده الأعلى علي خامئني، ومرورًا برئيسه حسن روحاني، ووصولاً إلى خطيب جمعة طهران محمد أمامي كاشان، بتحميل المملكة مسؤولية ما حدث.
وهذا الموقف الإيراني من الحادث ينسحب أيضًا على مواقف حلفائها من العرب، إذ حمّل في لبنان حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، المملكة العربية السعودية مسؤولية ما حدث، ودعا إلى مشاركة الدول التي توفي رعاياها في تحقيقات الحادث، وذلك في محاولة منه لزج إيران في مجرياته، أما في العراق فقد أكد علي العلاق عضو الائتلاف في دولة القانون، أن المملكة فشلت في إدارة الحج، داعيًا إلى عقد جلسة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي لمناقشة إدارة ملف الحج. وهي إشارة أيضاً تكاد تكون واضحة من أجل سحب إدارة الحج من المملكة العربية السعودية، وجعلها إدارة مشتركة تكون إيران إحدى دولها.
وحسب الخبراء، أخذ الحادث بعدًا سياسيًا عملت إيران على تغذيته، لأنه وقع في وقت تخوض فيه، المملكة وحلفاؤها من الدول العربية، حرباً مع وكلاء إيران الحوثيين وجيش علي عبدالله صالح في اليمن. وفي سوريا تقف المملكة العربية السعودية ضد توجهات إيران التوسعية. ومحاولاتها الرامية أيضًا إلى إسقاط النظام السياسي في البحرين.
وأضافوا أن هذه ليست المرة الأولي التي تستغل فيها إيران موسم الحج لتعكير صفو العالم العربي والإسلامي، حيث كانت إيران لها سوابق سلبية، إذ كان الحجاج الإيرانيون ينظمون تظاهرات "البراءة من المشركين" تنفيذًا لتعليمات ولي الفقيه الخميني، وتسببت إحدى هذه التظاهرات، خلال موسم عام 1987م، في صدامات دامية، أدت لأن تقاطع إيران بعد ذلك مواسم الحج في الفترة ما بين 1990 و1998، قبل أن تعود وفودها إلى أداء هذه الشعيرة.
ونفذ حجاج إيرانيون خلال هذا العام أعمال شغب وتظاهرات سياسية، رفعوا خلالها شعارات الثورة الإيرانية، وأخرى منددة بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وقاموا بقطع الطرق وعرقلة السير، وحاول المتظاهرون اقتحام المسجد الحرام، ما أدى إلى صدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وكانت "حادثة نفق المعيصم" هي الأشد خطورة، حيث قام حجاج كويتيون منتمون لما يعرف باسم "حزب الله الحجاز"، وبالتنسيق مع جهات إيرانية، باستخدام غازات سامة لقتل آلاف الحجاج في نفق المعيصم سنة 1989م.
وبالنظر إلى التهديدات الإيرانية الحالية للمملكة العربية السعودية وتحميلها مسؤولية ما حدث للحجاج الإيرانيين، ففي الواقع أنها لا تعدو كونها محاولة للضغط على النظام السعودي وتشويه صورته في الخارج، وإظهاره بمظهر الضعف وعدم القدرة على تنظيم موسم الحج بالكفاءة والفعالية المطلوبة، لإشغالها بهذا الملف فترة من الوقت تستطيع خلالها وقف الدعم السعودي للمقاومة السورية، وإتاحة الفرصة لجماعة الحوثي لالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم الصفوف، وإيجاد وسائل لإيصال المساعدة العسكرية واللوجستية التي تكفل لهم الاستمرار في مقاومة التحالف الذي تقوده السعودية لأطول فترة ممكنة، والدليل على ذلك، السفينة الإيرانية المحملة بالأسلحة، والتي تم ضبطها قبيل وصولها لجماعة الحوثي في اليمن، والتحول الاستراتيجي الذي طرأ على ملف الأزمة السورية بعد دخول روسيا والصين وكوريا الشمالية لدعم نظام بشار الأسد، وسط غفلة من دول الخليج العربي التي باتت تكتفي بالمتابعة دون القدرة على وقف هذا الدعم، الذي يتحمل نتائجه السلبية الشعب السوري، الذي بات يتدفق بالألاف خارج الأراضي السورية.
إلا أنه في الواقع لا تستطيع إيران الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ولو مع أصغر دولة خليجية، لعلمها التام بالرد العربي الشديد على هذه الخطوة، خاصة وأنها أصبحت على ثقة تامة من أن السعودية قادرة على تشكيل تحالف في زمن بسيط، كما فعلت في اليمن مثلًا، والذي أخطأت المخابرات الإيرانية في توقعه، إذ نشرت العديد من التقارير أن النظام الإيراني تفاجأ بقوة الرد العربي، وهو ما وضع القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في دائرة الإحراج، بعد فشله في تقدير الموقف المتوقع من قبل السعودية وباقي الدول الخليجية.
وفي حال توتير العلاقات مع السعودية ودول الخليج، مثلما حدث عندما تم طرد القائم بالأعمال البحريني من إيران، فإن هذه الخطوة ستضر بإيران ومواطنيها أكثر من أيّ طرف آخر، لأن قطع علاقتها مع السعودية سيزيد من عزلتها الإقليمية والدولية، وربما يكون الرد السعودي والخليجي على الأقل بطرد الإيرانيين المتواجدين على أراضيها والذين يعتاشون فيها، والذين تقدر أعدادهم بالملايين، وهذا يعني مضاعفة أعداد البطالة في إيران، مما يتسبب بدمار أكبر للاقتصاد الإيراني المتهالك أصلًا.
يضاف إلى ذلك أنه ليس لإيران أيّ أدوات اقتصادية تستطيع محاربة دول الخليج بها، كما أنه سبق وأن هددت مرارًا وتكرارًا بإغلاق مضيق هرمز ردًا على العقوبات الدولية المفروضة عليها، لكنها لم تستطع فعل ذلك، فالبوارج الأميركية منتشرة بالمنطقة ولن تسمح بأيّ حال من الأحوال لإيران حتى بمحاولة فعل ذلك.
ويعني ذلك أن التهديدات الإيرانية للمملكة، والتي أعقبت تلك الحادثة ليست سوى محاولة الهدف منها إشغال النظام السعودي وزيادة الضغوط المفروضة عليه، لدعم شركائها وحفائها في المنطقة، وإتاحة الوقت الكافي لهم لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف، لاستمرار الصراع الدائر في المنطقة لأطول فترة ممكنة، وبما يضر بأمن واستقرار السعودية والممالك الخليجية الأخرى.
ردود الفعل الرسمية والشعبية
------------------------------------
باستثناء المواقف الإيرانية والشيعية سواء اللبنانية أو العراقية، اتسمت ردود الفعل الرسمية والشعبية بالتوازن، بالرغم من فداحة الكارثة، حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن تعازيه للمملكة وللدول العربية والإسلامية، وعبر حلف شمال الأطلسي الناتو أيضًا على لسان أمينه العام ينس ستولتينبيرغ عن تعازيه، معتبرًا أن "حقيقة حصول الحادثة خلال عيد الأضحى يجعلها مأساوية أكثر"، وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعرب عن تعازيه الصادقة لأهالي الضحايا.
ومن جانبها، قدمت الولايات المتحدة تعازيها لأسر الحجاج المتوفين، وقالت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض نيدا برايسا، إن الإدارة الأمريكية تتضامن مع أكثر من مليونين من الناس يؤدون مناسك الحج هذا العام.
وقدم وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، تعازيه في الحادث، وقال في تغريدة- عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "أمر مؤسف حدث في مكة.. أتوجه بمواساتي لجميع المتأثرين بما حدث".
كما أنه وعلى الصعيد الشعبي أثارت تصريحات القيادات الدينية والسياسية الإيرانية، وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي حول حادثة التدافع، سخطًا كبيرًا في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي، الذي اعتبر أن تدخل إيران-المتورطة بقتل عشرات الآلاف من المدنيين في سوريا والعراق- هو توظيف سياسي للحادث، الذي قد يكون ناجمًا عن التقصير الموجب للمساءلة، ما لم يكن سوء سلوك من بعض الحجاج والأفواج.
واعتبروا أن الحادث لا يدخل في دائرة القتل المتعمد للبشر، والذي تمارسه إيران وحلفاؤها في سوريا، مما نجم عنه مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين.
والتمست الشعوب العربية المتدينة بطبعها العذر للمملكة، معتبرين أن بعض الدول تفشل في إدارة الحشود في مبارايات كرة قدم التي يحدث فيها التدافعات والضحايا، ملتمسين العذر للسعودية التي تستقبل ملايين الحجيج سنويًا من كل الثقافات والأجناس، مما يجعل إدارة مثل تلك الحشود أمرًا بالغ الصعوبة.
وأيًا كانت ردود الفعل على الحادث، فإن على المملكة أن تتخذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على أرواح الحجيج، وتفويت الفرص على إيران وحلفائها المتربصين بأمن واستقرار المنطقة، والساعين لتهديد أمنها واستقرارها، واستغلال تلك الحوادث لممارسة ضغوط غير مشروعة على الشعوب، لتحقيق أجندات مشبوهة تضر بأمن واستقرار المنطقة بأكملها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.