إن الضمانات التي توفرها الأنظمة القانونية التي وضعت كحماية حقوق الإنسان وصيانة كرامته الآدمية هي البديل الذي حل محل التمرد على أشكال الطغيان والجور الذي كان الوسيلة المتاحة أمام من وقع عليهم الظلم و الاستبداد ، ولقد توج نضال الإنسان عبر تاريخه الطويل بوضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 , الذي يعد عصارة الفكر الإنساني الذي كان و لا يزال – يتطلع نحو إرساء مبادئ وقيم ( مثل الحرية والكرامة والمساواة والتقدم). وحرصت المواثيق الدولية والمعاهدات والمؤتمرات الدولية على النص على قاعدة أصولية هي البراءة والتي يفترض معها براءة المتهم حتى تثبت إدانته بحكم بات غير قابل للرجوع فيه في محاكمة قانونية تكفل له ضمانات الدفاع عن النفس ومن هذه المواثيق والمعاهدات التي أكدت على هذا القاعدة أولا : الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن: فقد أكدت المادة التاسعة من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن الصادر في 27 أغسطس سنة 1789 على هذا المبدأ حين افترضت البراءة في المتهم ، وأكدت على حماية الحرية الفردية من خلال محاكمته . فى هذا الصدد تنص المادة 9 من الاعلان: ( الأفراد كلهم أبرياء إلى أن تثبت إدانتهم، وإذا حتمت الضرورة القبض على أي شخص فإن القانون يمنع بشدة استخدام العنف مع السجين أو المعتقل). ولقد تضمن هذا الإعلان المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان , وانبثقت عنه عدة اتفاقات ومعاهدات دولية، ومن استقراء هذا الإعلان نلاحظ أن المتهم , بوصفه إنسانا تطبق عليه جملة من المبادئ تعد من الضمانات وترسم تلك المبادئ المقررة له , وتضع الحدود التي يجب عدم تجاوزها من طرف الأنظمة السياسية في علاقتها مع الأفراد وتلتزم الدول به عند وضع دساتيرها بصفة عامة و تشريعات الإجراءات الجزائية بصفة . فأكد الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن على مفهوم أصل البراءة للمتهم ؛ لما لمبدأ افتراض البراءة في الإنسان – وإن صار متهماً – من بداهة تتسق والفطرة الطبيعية. ثانيا : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: وهذا المعنى التزم به كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ديسمبر سنة 1948م وتنص المادة الحادية عشر منه على : ( 1 ) كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه. ( 2 ) لا يدان أي شخص من جراء أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل ، إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب، كذلك لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة. كما تضمنت ذات المعنى الفقرة الثانية من المادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. 2- كل شخص يتهم في جريمة يعتبر بريئا حتى تثبت إدانته طبقاً للقانون. ففيما يتعلق بشخص الإنسان، أكدت على احترام سلامة شخصه و جسمه، حيث لا يجوز تعريضه للتعذيب والعقوبات القاسية، أو لأية معاملة غير إنسانية ضد كرامته، كما أولت الاهتمام بحياة الفرد الخاصة و أسرته، وقررت حرمة مسكنه و مراسلاته. أما فيما يتعلق بحقوق المتهم، فقد احتوت هذه الاتفاقية على معظم الضمانات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن حيث ما أكدت عليه اعتبار المتهم بريء حتى تثبت إدانته طبقا للقانون. ثالثا : العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: وأتي على رأس المعاهدات ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان التي تتناولها هذه الدراسة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تكفل مواد العهد الحق في الحرية الشخصية والأمان الشخصي، بما في ذلك النص على شروط واضحة للحماية من الاحتجاز التعسفي. حيث يلزم العهد الدول الأطراف بأن تنص قوانينها بوضوح على الأسس والإجراءات التي تسمح بتقييد الحرية، كما يوجب أن يتم إعلام أي شخص يلقى القبض عليه بأسباب ضبطه والقبض عليه وقت تنفيذ عملية القبض. كما يكفل العهد لكل محتجز الحق في الطعن على احتجازه أمام المحكمة، وكذلك الحق في التعويض عن الاحتجاز أو القبض عليه بشكل غير قانوني. وفي التفسير الرسمي الذي أصدرته لجنة الأممالمتحدة المعنية بحقوق الإنسان لهذا الحق أكدت اللجنة – وهي المنوط بها قانوناً تفسير مواد العهد ومراقبة تطبيقه – على وجوب تطبيق نفس المعايير المذكورة في حالات اللجوء إلى ما يطلق عليه "الاحتجاز الوقائي لأسباب تتعلق بالأمن العام". كما وضع فريق العمل بشأن الاحتجاز التعسفي، وهو هيئة من الخبراء التابعين لمجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة، معايير لتحديد المعنى المقصود من عبارة "الاحتجاز التعسفي" والذي يعتبر انتهاكاً لكل من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، ومن قبله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حيث وضع الفريق ثلاثة شروط إذا تم استيفاء أحدها يعتبر حرمان الشخص من حريته تعسفيًا: عندما يتعذر بوضوح الاحتجاج بأي أساس قانوني يبرر الحرمان من الحرية (مثال عندما يحتجز شخص ما بعد قضائه مدة حبسه أو على الرغم من انطباق قانون العفو عليه). عندما يكون الحرمان من الحرية نابعًا من ممارسة عدد من الحقوق أو الحريات المضمونة بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. في حالة المخالفة الخطيرة بشكل كلي أو جزئي للأعراف الدولية المتصلة بالحق في محاكمة عادلة، والمنصوص عليه صراحة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الوثائق الدولية ذات الصلة. و هكذا يتضح أن الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية و السياسية تعتبر مظهرا أساسيا هاما، يبرز اتجاه النظم القانونية الدولية المعاصرة نحو توفير حماية دولية فعالة لحقوق الإنسان بشكل عام، و حقوق المتهم الأساسية بشكل خاص بما تكفل له من الاطمئنان، و تدفع عنه ما قد يتعرض له من بطش و تعسف. رابعا : الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب : إلى جانب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يضم الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، بدوره عدداً من المواد ذات الصلة باحترام حقوق الإنسان التي تتناولها هذه الدراسة ، ومن هذه الحقوق التي يكفلها الميثاق حق الإنسان في إاحترام حياته وسلامة شخصه البدنية والمعنوية. كما تنص المادة السادسة من الميثاق على أن : (لكل فرد الحق فى الحرية والأمن الشخصي ولا يجوز حرمان أى شخص من حريته إلا للدوافع وفى الحالات التي يحددها القانون سلفاً، ولا يجوز بصفة خاصة القبض على أي شخص أو احتجازه تعسفياً). ومع أن المادة الخاصة بحماية الحق في المحاكمة العادلة في الميثاق الأفريقي تبدو أقل تفصيلاً من نظيرتها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إلا أن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التابعة للاتحاد الأفريقي والمنشأة بموجب الميثاق من أجل تفسيره ومراقبة تطبيقه، أصدرت وثيقة رائدة في ضمانات المحاكمة العادلة وقامت باعتمادها قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي – ومن بينهم مصر – في مابوتو بموزمبيق في شهر يوليو من عام 2003م، وتنص الوثيقة المطولة التي تحمل عنوان "المبادئ والإرشادات بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا" على أن الحق في محاكمة عادلة يشمل الحق في الطعن على الأحكام الصادرة أمام هيئة قضائية أعلى. كما نصت الوثيقة على ضرورة استقلال وحيادية المحاكم وضرورة فصلها عن السلطة التنفيذية وكفالة حق أي من الأطراف المتقاضية أمامها في الطعن في عدم انحيازها. خامسا : الميثاق العربي لحقوق الإنسان: اعتمد الميثاق من قبل القمة العربية السادسة عشرة التي استضافتها تونس23 مايو/ أيار 2004م ، وتنص المادة الرابعة منه على: 1- لكل شخص الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيفه أو تفتيشه أو اعتقاله تعسفا وبغير سند قانوني. 2- لا يجوز حرمان أي شخص من حريته إلا للأسباب والأحوال التي ينص عليها القانون سلفاً وطبقاً للإجراء المقرر فيه. 3- يجب إبلاغ كل شخص يتم توقيفه بلغة يفهمها بأسباب ذلك التوقيف لدى وقوعه كما يجب إخطاره فوراً بالتهمة أو التهم الموجهة إليه وله الحق في الاتصال بذويه. 4- لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الطلب في العرض على الفحص الطبي ويجب إبلاغه بذلك. 5- يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية أمام احد القضاة أو احد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويجب أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو يفرج عنه. ويمكن أن يكون الإفراج عنه إذا كان توقيفه أو اعتقاله غير قانوني. 6- لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة مختصة تفصل من دون إبطاء في قانونية ذلك وتأمر بالإفراج عنه إذا كان توقيفه أو اعتقاله غير قانوني. 7- لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال تعسفي أو غير قانوني الحق في الحصول على التعويض. ومن الملاحظ ، العبارة المستخدمة في هذه الميثاق المادة 5 "أن يحاكم خلال مهلة معقولة"، وهى عبارة مطاطة لا تعطي ضمانًا كافيًا لعدم البقاء رهن الحبس أو الاعتقال لفترة غير محددة بدون محاكمة مع عدم وجود مبرر لذلك. ويستفاد من هذه النصوص أن تطور المجتمعات في العالم ساعد على تقوية وتطوير مفاهيم حقوق الإنسان ، وإقرار مبادئ معينة بالنسبة للقوانين الجزائية ساعدت على حماية حقوق الإنسان وحرياته ، إذ أن هذه المبادئ التي أشرنا إليها تعد قاسما مشتركا بين الإنسانية جمعاء والدول الأعضاء في المعاهدات والمواثيق ، لذلك نجد تلك الدول تترجم هذه المبادئ إلى قواعد دستورية تشمل حقوق وحريات الأفراد سعيا منه لإعطائها صبغة إلزامية تجعل المشرع يحترمه أثناء سن القوانين .