يعاني الفقراء ومحدودو الدخل من ارتفاع أجرة المحامين عند الترافع لقضية تخصهم، وذلك لعدم قدرتهم على دفع أتعاب المحاماة. ولا شك أن المحامين والمستشارين الشرعيين يأخذون المقابل المادي لكل قضية يتولونها - وهذا حق مشروع - ولكن في نفس الوقت.. هل قاموا بالترافع لوجه الله - سبحانه وتعالى - لبعض الفقراء والمساكين والجمعيات الخيرية خاصة عندما تكون قضايا ذات طابع إنساني واجتماعي؟ وكيف يمكن أن يسهم المحامون والمستشارون الشرعيون في خدمة المجتمع من هذا الجانب الإنساني؟ كان ذلك محور ما طرحته (الجزيرة) على عدد من المحامين.. فماذا قالوا؟! زكاة المحاماة --------------- بداية يؤكد الدكتور عبدالله بن مطلق المطلق أن المحامي يسعى جاهداً لإيصال الحقوق إلى أصحابها وتحقيق العدالة من خلال أعماله وما يناط به من مهام تتطلب منه حسن أدائه، ومهنة المحاماة كغيرها من المهن التي يتم التعاقد فيها على عوض، ويسمى في نظام المحاماة بالأتعاب، وعمل المحامي يدخل في المعاوضات التي أباحتها الشريعة الإسلامية، ووجوبها من ضرورة الدنيا والدين؛ إذ الإنسان لا ينفرد بمصلحة نفسه بل لا بد له من الاستعانة ببني جنسه، فلو لم يبذل الإنسان لأخيه ما يحتاجه من جهد وهذا يبذل العوض لفسد أمر دنياهم ودينهم، فلا تتم مصالحهم إلا بالمعاوضة تحقيقاً للعدل الذي أمر به الحكم العدل - جل وعلا -، والمحامي كغيره من أرباب المهن التي يمكن أن يعمل أربابها بعوض، أو بدون عوض احتساباً للأجر والمثوبة كالطبيب الذي يعمل بعوض وقد يعالج المريض احتساباً، فالمحامي قد يعرض له من أصحاب الحقوق أو المظلومين أو المسجونين من يحتاج لمن يترافع عنه ولا يملك ما يقدمه للمحامي عوضاً لكي يترافع عنه، فعند ذلك يترافع المحامي تطوعاً رغبة في الأجر والمثوبة امتثالاً لقوله تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»، ولذا أقترح أن يكون هناك تنسيق بين هيئة المحامين والمحامين بحصر قضايا الفقراء التي ليس فيها عوض مالي وتوزيعها على المحامين المسجلين بحيث يكون لكل محام في السنة قضية أو قضيتان يدخر أجرها عند الله، ويمكن أن نسميها مجازاً زكاة المحاماة قياساً على زكاة العلم. المسؤولية الاجتماعية -------------------------- ويشير الدكتور محمد بن عبدالله المشوح أن المسؤولية الاجتماعية التي ينبغي أن تنهض بها كافة الجهات والمؤسسات الخاصة والأفراد تشمل المحامين، فهم شركاء في العدالة والقضاء، وكثيراً ما يلجأ أفراد من المجتمع إليهم في كافة شرائحهم، ومستوياتهم، وأجناسهم وهم كذلك متفاوتون. والمحامون في غالبهم يستشعرون الدور الاجتماعي الذين يتحملونه عبر تقديم المشورة القضائية المجانية، وكذلك الترافع عن ذوي الدخول الضعيفة أو لا يستطيعون دفع رسوم الترافع. ولقد قامت العديد من لجان المحامين في المملكة بتوقيع اتفاقيات تعاون مع الجهات التي يرد إليها مثل ذلك مثل: الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وهيئة حقوق الإنسان وغيرها. كما أن المؤمل في هيئة المحامين التي صدر الأمر السامي بتشكيلها أن تمارس دوراً تنظيمياً لذلك وتفعل المسؤولية الاجتماعية لدى المحامين. كما اقترح د. محمد المشوّح على الجمعيات الخيرية أن تسعى لإشراك المحامين في مجالسها ولجانها لما لهم من دور تنظيمي هام في ذلك، وعلى المحامين أن يبادروا إلى المشاركة الإيجابية مع أي دعوة ترد إليهم أداء للواجب، وإسهاماً في نشر الوعي الحقوقي، واحتساباً عند الله، وإنه لمن المؤسف أن العديد من المجالس والمؤسسات الخيرية تخلو من العمل التطوعي القانوني. داعياً الإخوة من المحامين دوماً بتخصيص أرقام للرد على الاستشارات التي ترد مجاناً خدمة للمجتمع وأداء للدور التطوعي اللازم. توجه الوزارة -------------- ويقول الشيخ رضوان بن عبدالكريم المشيقح لا شك أن المحامين والمستشارين يأخذون المقابل المادي لكل قضية؛ لقاء عملهم وجهدهم، لذلك فإن المحامي أو المستشار صاحب مهنة شرعية ونظامية وله لقاء جهده وعمله ووقته أجر ذلك، قال تعالى في سورة يوسف: {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ}. وقد شرع المنظم له ذلك، ووضع بعض المواد التي تكفل له حقوقه. والمحامون كغيرهم من أصحاب المهن الأخرى كالطبيب والمهندس؛ منهم من يضع أسعاراً منخفضة، ومنهم من يضع أسعاراً عالية مقابل ذلك، وهي ترجع للمحامي في الموازنة بين الأتعاب ونوع القضية وصعوبتها والوقت والجهد المتوقع لكل قضية على حدة. أما من ناحية العمل الخيري مع أصحاب ذوي الدخل المحدود فإن مما أعرفه عن زملائي المحامين أن لهم إسهامات كثيرة جداً واحتساباً، خاصة القضايا ذات الطابع الخيري مثل: الحضانة، والنفقة، والخلع، والايجار، وإخلاء المساكن، وسائر المعاملات الأسرية والجنائية التي يعجز أصحابها عن القيام بها سواء كانوا من ذوي الدخل المحدود أو من كبار السن والضعفة؛ مراعاة لظروفهم وخاصة غير العاملين منهم في الترافع عنهم في المحاكم، ومتابعة قضاياهم، ناهيك عن الاستشارات التي يقدمها المحامون مشافهة أو عبر الهاتف أو عن طريق قنوات التواصل الاجتماعي والإنترنت. علماً بأن هذا ليس على مستوى الأفراد فحسب وإنما كذلك للجمعيات الخيرية التي ليس لديها أموال تدفعها لمكاتب المحاماة. ويذكر الشيخ رضوان المشيقح أن عدم العلم والسماع بقيام المحامين بهذا العمل الجليل راجع إلى أمرين: الأول: ان الأعمال الخيرية من العبادات التي تستوجب الإخلاص وعدم العلم بها، والثاني: أن النظام حظر على المحامين الدعاية وإبراز المهارات والأعمال عبر وسائل الإعلام والدعاية والإعلان. مشيراً إلى أن وزارة العدل تتجه إلى إلزام المحامين بالترافع مجاناً عن محدودي الدخل أمام الجهات القضائية والأمنية، بحيث لا بد لكل محام من إفادة الوزارة بترافعه في تسع قضايا على الأقل سنوياً؛ مساعدة لمن لا يملكون ما يدفعونه لمن يترافع نيابة عنهم أمام المحاكم والجهات الأمنية وهو ما يساعد في متابعة قضاياهم. وإن كان هناك مجموعة كبيرة من المحامين يقومون بذلك مجاناً من تلقاء أنفسهم؛ إلا أن بعض المحامين يرفضون فكرة توجه الوزارة بالترافع مجاناً؛ لأنه لا يمكن أن يقر الشرع الإلزام لأحد بالعمل مجاناً بدون مقابل، ولا بد لجميع الأنظمة واللوائح التي تصدر وبالأخص من جهات إسلامية كوزارة العدل أن توافق الشرع وألا تكون قراراتها باطلة. إضافة إلى ما سبق ذكره من أن مهنة المحامي كمهنة الطبيب وغيره فلا يمكن لوزارة الصحة - مثلاً - أن تلزم الطبيب أو المستشفيات الأهلية بمعالجة عدد معين من ذوي الدخل المحدود بدون مقابل، وإنما تدفع عنه الدولة. كذلك نصت المادة (139) من نظام الإجراءات الجزائية أنه يجب على المتهم في الجرائم الكبيرة إذا لم يكن لديه المقدرة المالية في الاستعانة بمحام فله أن يطلب من المحكمة أن تندب له محامياً للدفاع عنه على نفقة الدولة. أعمال مخفية ---------------- ويقول الشيخ محمد بن سليمان المهنا: إن القضايا التي يبتغى بها وجه الله - سبحانه - إذا المحامي مسك قضية لوجه الله فإنه من الصعب أن يبين ذلك أو ينشره، فغالباً الإنسان إذا مسك القضية لله، فإنه يحرص على التكتم وألا يخبر الناس بعمله الصالح، وأنا أعرف من المحامين من يأخذ قضايا ليست بالقليلة، ويسعى في الإصلاح، ويذهب ويسافر وينفق، وأحياناً يدفع الأموال من جيبه أو من جيوب المحسنين الذين يطلب منهم ذلك من أجل قضايا معينة فيها فقراء أو صلح بين أقارب، لا أريد أن أقول: إني فعلت أو لم أفعل، ولكن هذا واقع كثير ولله الحمد والمنة.