أوضح المحامي الدكتور سامي التميمي، ل"سبق"، أن ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول عكوف وزارة العدل السعودية حالياً، على إنجاز لائحة تنص على إلزام جميع المحامين في المملكة بالترافع مجاناً عن محدودي الدخل أمام الجهات القضائية والأمنية، فيه اختلاط الأمر على البعض في فهم مضمونه؛ لأنه من المعلوم أن مهنة المحاماة من المهن الحرة التي تخضع للقطاع الخاص، والمحامون يقومون بخدمة العملاء مقابل أجر محدد باتفاق بين المحامي والعميل، أو تقدرها المحكمة (ناظرة القضية) في حال عدم وجود اتفاق، وعادة يكيّف هذا العقد شرعاً بأنه عقد "جعالة" أو إجارة خدمات. وأضاف "التميمي": "ولو صح ما تناقلته بعض الصحف؛ فسيكون ذلك وفق ضوابط وآليات محددة يتم من خلالها تحديد ماهية العلاقة في الترافع؛ وإلا فإنه سيكون مخالفاً للشرع؛ حيث لا يمكن أن يقر الشرع الإلزام بالقيام بالعمل مجاناً دون مقابل؛ فصورة الإلزام تجعله مخالفاً للشرع، ومعلوم للجميع أنه لا بد لجميع الأنظمة واللوائح والقرارات التي تصدر أن توافق الشرع؛ وإلا تكون باطلة بطلاناً مطلقاً".
وتابع "التميمي": "ولا يخفى على الجميع ما نصّت عليه المادة (139) من نظام الإجراءات الجزائية، التي أوضحت أنه يجب على المتهم في الجرائم الكبيرة أن يحضر بنفسه أمام المحكمة، مع عدم الإخلال بحقه في الاستعانة بمن يدافع عنه، وإذا لم يكن لديه المقدرة المالية في الاستعانة بمحامٍ؛ فله أن يطلب من المحكمة أن تندب له محامياً للدفاع عنه على نفقة الدولة وفقاً لما تُبَيّنه اللائحة، وهذا النص يُبَيّن ويوضح أنه في حال عدم قدرة المتهم المالية على توكيل محامٍ للدفاع عنه؛ فله الحق في أن يطلب من المحكمة أن تندب له محامياً على نفقة الدولة".
وأردف "التميمي": "وإن كنا نرى أنه كان يجب أن يكون ندب المحامي وجوبياً على المحكمة سواء طلب المتهم أو لم يطلب؛ وخصوصاً أن هذه الحالة محصورة في القضايا الكبيرة التي تستلزم وجود محام للدفاع عن المتهم، وأغلب الأنظمة في العالم تنصّ صراحة على وجوب ندب محامٍ للدفاع عن المتهم في مثل هذه الجرائم وبصورة حتمية؛ وإلا كانت المحاكمة باطلة، وسواء كان المتهم غير قادر مادياً، أو لديه القدرة ويمتنع عن توكيل محامٍ؛ أي أن حضور محامٍ مع المتهم للدفاع عنه أمر حتمي في أغلب القوانين في قضايا الجنايات على وجه الخصوص؛ فكان يجب أن لا يكون نص هذه المادة يقتصر على ندب المحامي في حالة عدم القدرة المالية، أو على طلب المتهم؛ بل كان يجب أن تكون المحكمة ملزمة بندب محامٍ لأي متهم ليس له محامٍ يترافع عنه في القضايا الكبيرة، كما سمتها المادة سالفة الذكر.
وقال المحامي سامي التميمي: "إن المحامي الذي يتم ندبه عن طريق المحكمة تُدفع أتعابه من الدولة، ولا يُلزم بالترافع عن أي متهم مجاناً، كما أن هذه الأمور يجب أن تخضع للجنة المحامين بوزارة العدل، ويجب على اللجنة أن تقوم بإعداد كشف بأسماء المحامين المعتمدين لديها ودرجاتهم العلمية وكفاءتهم العملية، وفي حال احتاجت المحكمة لندب محام لأي متهم، تُرسِل طلباً للجنة تُبَيّن فيه نوع القضية وتحديد محامٍ للترافع فيها عن المتهم، واللجنة تقوم بالتواصل مع المحامي الذي ترى فيه كفاءة لمثل هذه القضايا، وترسل للمحكمة اسمه؛ أي يكون تعيين المحامي المنتدب عن طريق لجنة المحامين".
واستطرد "التميمي"، أنه يمكن أن يتم التوجيه بإنشاء لجنة تشبه صندوقاً تكافلياً داخل لجنة المحامين، يكون الاشتراك فيها اختيارياً لمن يرغب من المحامين، ويجوز للمحامي تحديد عدد محدد من القضايا للترافع فيها خلال السنة، ويكون هدفها الدفاع عن المتهمين الذين ليس لديهم القدرة المالية على توكيل محامٍ؛ فهنا يُعتبر المحامي المشترك فيها متبرعاً تلقائياً بأجره لمن يُكَلّف بالدفاع عنهم، ممن ليس لديهم القدرة المالية، ونحن على ثقة كاملة من أن معظم المحامين بالمملكة سيبادرون باختيارهم ورغبتهم بالاشتراك في هذا الصندوق؛ وفاء منهم لمملكتنا الحبيبة أعزها الله، وعرفاناً بالجميل لولاة أمرنا حفظهم الله ورعاهم.