وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدين في صدارة المشهد يوم السبت مع دخول حملة الانتخابات البرلمانية في تركيا أسبوعها الأخير عندما استحضر ذكرى الفتح العثماني للقسطنطينية وتعهد بأن يظل صوت الأذان يتردد في البلاد إلى الأبد. وسوف يكون إقناع المحافظين الدينيين -بما في ذلك الأكراد والقوميون المتدينون- عاملا أساسيا في انتخابات يأمل أردوغان أن تمنحه صلاحيات رئاسية أقوى وهي صلاحيات ينظر إليها المعارضون على أنها تهديد للديمقراطية. ويستمد اردوغان -وهو السياسي الأبرز في تركيا منذ أكثر من عقد ومؤسس حزب العدالة والتنمية- الكثير من الدعم الذي يحظى به من الجماهير المتدينة. وغالبا ما يلعب خطابه على مشاعر مشوبة بالتوتر تعود إلى العشرينات من القرن الماضي عندما أسس مصطفى كمال أتاتورك جمهورية علمانية على أنقاض الدولة العثمانية. وقال في خطاب ألقاه في اسطنبول لإحياء ذكرى الفتح الإسلامي عام 1453 الذي حول عاصمة الإمبراطورية البيزنطية إلى مقر للسلطة العثمانية "نحن لن نفسح المجال لأولئك الذين يعترضون على الأذان". وأضاف أمام أعداد غفيرة من المؤيدين الذين يلوحون بالعلم التركي الأحمر وترتدي غالبية المشاركات فيه الحجاب ويضع بعض الرجال عصابات على رؤوسهم تحمل اسم اردوغان "لن نفسح المجال لأولئك الذين يريدون أن يطفئوا جذوة الفتح التي تشتعل في قلب اسطنبول منذ 562 سنة". واختُتِمت لقطات فيديو أصدرها حزب العدالة والتنمية في ذكرى الفتح بصوت الأذان يتردد من مئذنة على متحف آيا صوفيا الذي كان أكبر كاتدرائية مسيحية على مدار 900 سنة حتى حولها العثمانيون إلى مسجد. وكان اتاتورك الذي أبعد الإسلام عن شؤون الدولة وروج للزي الغربي وحقوق المرأة قد أصدر مرسوما يقضي بتحويل آيا صوفيا إلى متحف في عام 1934. لكن الشعور المتنامي بالهوية الإسلامية الذي شجعه أردوغان أحيا الرغبة في الصلاة هناك. وقال أحد المشاركين في الحشد وهو محاسب يدعى أحمد شاهين ويبلغ من العمر 26 عاما "لا أعترض إذا كان اردوغان يستخدم الإسلام كأداة للدعاية السياسية. أنا أقدر فعلا أنه يضعه في مكان أليق. هذه قيمنا ولا ينبغي أن ننساها." **أكاذيب وافتراءات ------------------------- ويحاول اردوغان استمالة الاتراك المسلمين المحافظين الذين يشعرون بانهم كانوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية خلال عقود من حكم الاحزاب العلمانية. ويتحدث اردوغان بسخرية عن النخبة العلمانية القديمة. وقال ذات مرة "يشربون الويسكي على مضيق البوسفور... ويحتقرون بقية الناس." ورغم ان الدستور يمنع اردوغان من ممارسة السياسة الحزبية بوصفه رئيسا للبلاد فانه القى خلال الأسابيع القليلة الماضية خطبا في جميع انحاء البلاد انتقد فيها المعارضة ودافع عن النظام الرئاسي وذلك قبل الانتخابات المقررة في السابع من يونيو حزيران. ويرغب اردوغان في فوز حزب العدالة والتنمية للحصول على أغلبية قوية بما يكفي لتغيير الدستور ومنحه صلاحيات أوسع بدون معارضة وهو امر تشير استطلاعات الرأي العام إلى ان الحزب سيواجه صعوبات لتحقيقه. ويصف اردوغان حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة العلمانية الرئيسية الذي اسسه اتاتورك بانه معاد للدين لكن الخطر الانتخابي الأكبر سيأتي على الأرجح من حزب الشعوب الديمقراطي. واذا تمكن هذا الحزب من اجتياز حاجز العشرة في المئة اللازمة لدخول البرلمان فسوف ينتزع مقاعد من حزب العدالة والتنمية مما يحرمه على الارجح من تشكيل حكومة أغلبية. وفي اطار مساعيه لكسب تأييد الأكراد المتدينين خصص اردوغان الكثير من الوقت في التشكيك في مدى التزام حزب الشعوب الديمقراطي بالدين ووصف المنتمين للحزب بانهم من اتباع زارادشت. وقال اردوغان أمام تجمع حاشد في اسطنبول هذا الاسبوع "اعتقد ان اخواني الاكراد الورعين سيعطوهم الرد المناسب في السابع من يونيو." واتهمت وسائل إعلام تابعة للإسلاميين صلاح الدين دميرطاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ذي التوجه اليساري بأكل لحم الخنزير وهو ما نفاه تماما. وقال دميرطاش لقناة سي.إن.إن ترك يوم الأربعاء "على مدى أسابيع كان الرئيس ورئيس الوزراء يذهبان هنا وهناك ويقولان (أنا مسلم) ويديران حملة من الأكاذيب والافتراءات." وأضاف "هذه دعاية سوداء تستهدف تشويه سمعتي في عيون جزء من المجتمع". كما أصبحت هيئة الشؤون الدينية التي تديرها الدولة موضوعا من موضوعات الحملة الانتخابية. وقال حزب الشعوب الديمقراطي إنه يريد محو هذه الهيئة ووقف تدخل الدولة في الدين. وفي محاولة منه للدفاع عن الهيئة أصر اردوغان على منح رئيسها سيارة فارهة مصفحة وطائرة خاصة قائلا انه يستحق معاملة مماثلة لتلك التي يلقاها قادة دينيون آخرون بما في ذلك البابا. وردا على ذلك نقلت وسائل إعلام تركية عن متحدث باسم الفاتيكان نفيه امتلاك البابا لطائرة خاصة. وقال كمال كيلتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض "لقد ذهبوا بعيدا في استغلال الدين في السياسة ... بدلا من تقديم البابا كمثال لماذا لا نتخذ من حياة نبينا أسوة ونموذجا يحتذى؟"