شرع الحزب الحاكم في تركيا، الاثنين، في إجراء مشاورات بشأن شكل الحكومة المقبلة بعد أن ضمن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لنفسه مكانا في التاريخ، كأول رئيس منتخب انتخاباً مباشراً للبلاد. ومن شأن الفوز الذي حققه اردوغان، الأحد، أن يقربه خطوة من نمط الرئاسة التركية الذي كان يطمح له منذ زمن بعيد. إلا أن هذه النتيجة جعلت خصومه يخشون من أن تنذر بتحويل البلاد إلى حكم شمولي أوسع. وخلال الاسابيع القادمة سيرأس اردوغان للمرة الأخيرة اجتماعات حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي أسسه وسيشرف على اختيار رئيس جديد للحزب، وايضا رئيس الوزراء القادم، ومن المرجح ان يكون من الموالين الأشداء له. وسينصب اردوغان رسمياً رئيساً للبلاد في 28 أغسطس الجاري. وفور صدور النتائج النهائية، قام اردوغان بزيارة رمزية الى مسجد ايوب سلطان في اسطنبول للصلاة كما كان يفعل السلاطين قبل اعتلاء عرش الامبراطورية العثمانية، على ما نقلت قنوات التلفزيون التركية. لم يكن من المفاجئ أن يتغلب اردوغان بسهولة على منافسيه في ختام حملة انتخابية طغى عليها كليا بخطبه النارية وبالقوة المالية الضخمة لحزبه وسيطرته على وسائل الإعلام الوطنية. وقال أردوغان (60 عاما) للآلاف من أنصاره في خطاب النصر من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، الأحد» "اليوم يوم جديد مشهود لتركيا. إنه يوم مولد تركيا، يوم بعثت من بين الرماد." وأطلق مؤيدو إردوغان أبواق سياراتهم ولوحوا بالأعلام في شوارع العاصمة بعدما قالت محطات التلفزيون التركية: إن إردوغان الذي رأس الحكومة لأكثر من عشرة أعوام فاز بنسبة 52 % من الأصوات. وهي نسبة دون ما توقعته استطلاعات الرأي لكنها تزيد بواقع 13 نقطة مئوية عن أقرب منافسيه وتغنيه عن خوض جولة إعادة. وأكد رئيس اللجنة الانتخابية حصول إردوغان على الأغلبية بعد فرز أكثر من 99 % من الأصوات. وأشار إلى أنه سيتم إعلان جميع الأرقام في وقت لاحق. وتعهد اردوغان بممارسة صلاحيات الرئاسة بالكامل بموجب القوانين الحالية وذلك بخلاف سابقيه من الرؤساء ممن لعبوا دوراً شرفياً. إلا ان اردوغان لم يخف نيته تعديل الدستور لصياغة رئاسة ذات دور تنفيذي. سنة صعبة والمفارقة ان فوز اردوغان ابن احد احياء اسطنبول المتواضعة يأتي بعد سنة بالغة الصعوبة. ففي يونيو 2013 نزل ملايين الاتراك الى الشارع للتنديد بنزعته الاستبدادية والاسلامية، في موجة شعبية هزت نظامه بقوة. لكن اردوغان نجح في خنق هذا التمرد بقمع قاس أضر بصورته كرجل ينادي بالديموقراطية. وفي الشتاء الماضي، اندلعت فضيحة فساد مدوية غير مسبوقة شوهت سمعة الحكم وطالته شخصيا. وندد اردوغان ب"مؤامرة" دبرها حليفه السابق الداعية الاسلامي فتح الله غولن قبل القيام بحملة تطهير في جهازي الشرطة والقضاء وشبكات التواصل الاجتماعي غير آبه بسيل جديد من الانتقادات الموجهة اليه. ورغم كل ذلك حقق رجب طيب اردوغان فوزا كاسحا في الانتخابات البلدية التي جرت في مارس الماضي وحافظ على شعبيته الكبيرة في بلد تمكن فيه من وضع حد لهيمنه الجيش، واستفادت فيه الغالبية المحافظة الاسلامية من النمو الاقتصادي القوي المسجل في عهده. رئيس ل 77 مليونا وقال اردوغان في خطاب الفوز: "أود أن أؤكد أنني سأكون رئيساً لجميع السبعة والسبعين مليوناً وليس من أعطوني أصواتهم فقط. سأكون رئيساً يعمل من أجل علم البلاد والبلاد نفسها، ومن أجل الشعب." إلا أن الخريطة الانتخابية تشير إلى أن ذلك لن يكون يسيراً. ففي الوقت الذي أعطت فيه مناطق شاسعة من قلب الأناضول ذي الأغلبية المحافظة، أصواتها لاردوغان باكتساح الا ان المناطق الغربية الأكثر ليبرالية المطلة على بحر ايجة ومناطق سواحل البحر المتوسط هيمن عليها مرشح المعارضة الرئيسي أكمل الدين إحسان أوغلو، فيما اكتسح الركن الجنوبي الشرقي للبلاد مرشح الأكراد صلاح الدين دميرطاش. وبرزت تركيا كقوة اقتصادية إقليمية في ظل حكم إردوغان الذي استغل موجة من التأييد الديني المحافظ لإجراء تحول في تركيا من الجمهورية العلمانية التي أنشأها مصطفى كمال أتاتورك على أنقاض الخلافة العثمانية عام 1923. لكن منتقدي اردوغان يحذرون من أن جذوره الاسلامية وعدم تقبله للمعارضة سيؤديان إلى ابعاد الدولة العضو في حلف شمال الاطلسي والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي عن مبادئ أتاتورك العلمانية. وستثور على المدى البعيد مخاوف من تركز السلطة في ايدي زعيم احيانا ما يكون مندفعا. وقال نيكولاس سبيرو المدير الاداري لمؤسسة سبيرو سوفرين ستراتيجي ومقرها لندن: "سيواصل السيد اردوغان هيمنته على المسرح السياسي لتركيا وسيحرص على تحويل الرئاسة الى رئاسة تنفيذية وسيكون دوره مسيطرا. كان دوره مهيمنا وهو رئيس للوزراء وسيواصل ذلك وهو رئيس." تهنئة المنافس وأقر إحسان اوغلي ودمرتاش بهزيمتهما لكنهما نددا بحملة "غير عادلة" و"غير متناسبة" لمنافسهما. وحصل احسان أوغلو -وهو اكاديمي ودبلوماسي سابق- على 38.5 % من الأصوات بحسب ما أعلنته محطتا سي.إن.إن. تورك وإن.تي.في. وقدم احسان اوغلو التهنئة لاردوغان في برقية مقتضبة. وأفادت محطات تلفزيونية بأن صلاح الدين دميرطاش حصل على 9.7 % وهي نتيجة لم يكن بالإمكان تصورها بالنسبة لكردي قبل أعوام قليلة فيما تكافح انقرة تمردا للاكراد وتسعى الى تجاهل مطالب هذه الاقلية العرقية. بديل أردوغان ومن الأهمية بمكان أن يكون لأردوغان رئيس حكومة موالياً له. وبموجب الدستور يتعين على اردوغان الانسحاب من حزب العدالة والتنمية قبل تنصيبه خلال أكثر قليلاً من أسبوعين. وإذا تضاءل نفوذ اردوغان داخل الحزب، فقد يتعين عليه ان يبذل جهودا مضنية لتمرير التعديلات الدستورية التي يسعى اليها لخلق رئاسة ذات صلاحيات تنفيذية وهو جهد اصلاحي يستلزم موافقة اغلبية الثلثين داخل البرلمان او تصويتا شعبيا. وقال مسؤولون كبار في حزب العدالة والتنمية: إن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو من المرشحين الأوفر حظاً من داخل الهياكل الادارية للحزب لتولي رئاسة الحكومة، اذ كان اليد اليمني لاردوغان على المستوى الدولي في الوقت الذي يتطلع فيه وزير النقل السابق بن علي يلدريم للمنصب. وبالرغم من النبرة المعدلة لأول خطاب يلقيه اردوغان بصفته رئيساً منتخباً، الا ان المعارضة نددت برغبته المعلنة في تعديل الدستور لتعزيز صلاحيات رئيس الدولة مبدية مخاوفها من ان تتجه البلاد الى سلطة "استبدادية". وقال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري، هاليتش كوتش: "اننا الآن أمام سلطة قمعية لم تعد خاضعة للدستور بل تسعى لفرض نظامها الاعتباطي". واعتبر الأستاذ الجامعي، ضياء ميرال في جامعة كامبريدج البريطانية انه "لأسباب عديدة فإن الصعوبة الرئيسية التي تواجه اردوغان ليست في الفوز بالرئاسة ولكن ما يلي ذلك" مضيفا ان "مستقبله السياسي يتوقف الى حد كبير على الطريقة التي سيتمكن بها من المحافظة على سلطته على حزب العدالة والتنمية".