تمضي الحياة مخلدة ذكريات منها الجميل ومنها الموجع، يحاول فيها الشخص ملياً تجاهل تفاصيل كدرها لينجح في تجاوز أوجاعها، فالعقل الداخلي لا يرغب بتدوين تاريخ سوى الفرح، محاولاً تناسي لحظات الأسى والحزن والذكريات القاسية، فنحن نحتفي بذكرى الميلاد والزواج التي تُعد من أهم التواريخ المفصلية في حياة المرء، ولا نكتفي من خلق مناسبات مختلفة كيوم الأم والحُب والعديد من الأيام التي نجعل منها حفاوة وتخصيصا لما نُحب، ليس لغيابها بقية أيام العام، لكن لنجعلها وقفة صادقة مع النفس والطرف الآخر، فيها نوجه جل الاهتمام للسبب الذي نحتفي به. ولا يرتاب الانسان الشك بأهمية تلك المناسبات خاصةً ذكرى الزواج وأثرها على استقرار الأسرة والكشف عن مدى تلاحمها وأهمية الشراكة الزوجية، وتكوين العلاقة بين رجل وامرأة توّجت بزواج وأبناء هم ثمرة لعلاقة حظيت بمباركة من رب السماء. وتتعرض العلاقة الزوجية إلى الفتور والبرود، لذلك هي بحاجة إلى تجديد وعاطفة، وهو ما يتطلب وجود مناسبة تستدعي إنعاشها ك"ذكرى الزواج"، مما يُساهم في إحياء العلاقة بين الزوجين وإشراك الأبناء لتكون جزءاً من علاقاتهم وشخصياتهم، حيث سيمتد أثرها ليصل إلى الأبناء والبنات والأسرة بكاملها، إلاّ أنه ينبغي عدم التكلف والالتفات للجانب المادي حتى لا يؤدي ذلك إلى النفور بين الزوجين، فالهدف هو التقريب بين الطرفين، وإعادة الذكريات الجميلة. "الرياض" تناقش الاحتفاء بذكرى الزواج ومدى قدرته على انعاش العلاقة الزوجية، وإهداء الزوجين "ضخّة" نبض متجددة بعيداً عن ثوب الأم والأب. لم يدم طويلاً وقال "أحمد الخضير" -متزوج منذ 23 عاما-: كان حماس العلاقة الزوجية الجديدة يقودني وزوجتي للاحتفاء بذكرى زواجنا في كل عام، لكن الأمر هذا لم يدم طويلاً، فتلك الهدايا المتبادلة والعشاءات الرومانسية كانت مضخة حقيقية لمشاعر توالدت منذ الارتباط الأول، لكن وجود الأطفال وانشغال زوجتي بالأبناء جعلنا نتجاهل هذه المناسبة، أو لم نعد نحتفي بها كالسابق، فتمضي كأي يوم بحكم انشغالي وسفري المستمر، إلى جانب العادات والتقاليد التي لم تكن مرحبة بهذا النوع من الحفاوات الذي اعتبره منعشا حقيقيا للحياة الزوجية، مضيفاً أنه على الرغم من عدم احتفائهما بهذه المناسبة إلاّ أن الاحتفاء بها مهم فهو يدوّن تاريخا لزوجين ابتدآ حياتهما فرادى ونجحا في تكوين أسرة ومنزل وأطفال، وفي هذه العلاقة أصبحا أماً وأباً، مبيناً أنه مجرد الاحتفاء بها وإشراك الأبناء سيعزز لدى الأسرة أهمية الترابط والتلاحم والحفاظ على العشرة، وأن الوالدين اللذين يراهما الأبناء دوماً ما هما إلاّ زوجين توالدت بينهما مودة ورحمة. أطفال وانشغال واتفقت معه السيدة "عذاري الحسيني" -متزوجة منذ 26 عاما- فهي لم تحتفِ بذكرى زواجها إلاّ في أول عامين فقط، ثم انشغلت بالحمل والولادة، لاسيما وأن أطفالها كانوا متقاربين في العمر، الأمر الذي أشغلها عن الاهتمام بتلك الذكرى، برغم أنه كان لها تأثير السحر على علاقتها الزوجية، مضيفةً: "على الرغم من أني احتفيت بذكرى زواجي متأثرة بابنة خالتي آنذاك فأحببت تقليدها وفعلاً نجحت، لكن لم أكمل للأسف، فعاداتنا لم تعودنا على الاحتفاء بتلك المناسبات الجميلة، لكن الجيل الحالي نجده يتفنن بالحفاوة، فعلى سبيل المثال ابنتي المتزوجة منذ ثلاثة أعوام في كل عام تحتفي بمعية زوجها بطريقة مختلفة، وتقضي يوما كاملا كعروسة جديدة، وتسافر هي وزوجها في مدينة أخرى، أو يذهبان لفندق احتفاء بهذه المناسبة الجميلة". ولم تحتفِ "هتون اليوسف" ولا مرة واحدة بذكرى زواجها، حيث ترى أنه يجب أن يحتفي زوجها بوجودها في حياته وليست هي!، إلى جانب أن زوجها ليس لديه ثقافة الاحتفاء ولا يحب الوقوف على يوم في العام، مضيفةً أنه حتى لا تتعرض لخيبة أمل وإحباط أغلقت هذا الباب نهائياً قبل أن تفتحه. نثرت الورد وكانت "صباح العمران" –متزوجة منذ 12 عاما- تحتفي في أول زواجها مع شريك حياتها الذي لم يكن متعودا على مثل هذه الرومانسية والمشاعر، ففي أول عام من ذكرى زواجهما أشعلت الشموع من مدخل شقتهما حتى غرفة النوم، ونثرت الورد وأشعلت "الفوّاحات" العطرية جالبة لزوجها هدية تليق بهذه المناسبة التي تكلفت بها لتكون عروساً جديدة أمام زوجها، وعندما دخل الشقة وقف مذهولاً ومتفاجئاً ومرتبكاً، حتى أنه بقي أسبوعا يتعامل معها بخجل شديد، فهو لم يعتد على مثل هذه النوعية من الاحتفالات. وبرّرت عدم استمرارية احتفالهما سنوياً بذكرى زواجهما بسبب موافقة يوم زواجها لثالث أيام عيد الفطر المبارك، مما يعني وجود ارتباطات كثيرة قد تحول بينهما وبين الاحتفاء بهذه الذكرى المميزة، ولكن هذا لا يعني ألاّ يحتفيا في وقت آخر من السنة، ولو بجلب هدية بسيطة معبرة تؤكد على مدى امتنانهما للأقدار التي جمعتهما تحت سقف واحد. شروط وقيود وأوضح "علي الرويلي" –متزوج منذ 19 عاما- أن الاحتفاء بذكرى الزواج أمر مهم لكن دون شروط أو قيود، فهو أصبح لا يود الاحتفاء بذكرى زواجهما والسبب طلبات زوجته المستمرة بمزيد من الهدايا، مضيفاً أنه لا ينسى اليوم الذي جلب فيه "قنينة" عطر لزوجته مرفقة ببطاقة كتب فيها: "لا يليق بكِ إلاّ العطر كما أنتِ بحياتي"، فتفاجأ بوجهها الذي تغير وبدت عليها عدم علامات الرضا، حتى جاء يوم تناقشا فيه فقالت له: "أنا لست مثلك أسكتك بقنينة عطر!"، مبيناً أنه بعد هذا الموقف أغلق الباب نهائياً، فهي لم تقدر حجم العاطفة التي كانت ب"القنينة"، حيث كانت تبحث عن الذهب والمجوهرات ليكون بعينها رومانسياً!. تجديد وعاطفة د. عبدالعزيز الدخيل وتحدث "د. عبدالعزيز الدخيل" -اختصاصي اجتماعي- قائلاً: إن الاحتفاء بذكرى الزواج يتم تجنبه من العديد من الأسر، وذلك لأن ثقافتنا لم تعتده، ولا يوجد له أي محفز شرعي بعيداً عن حرمته أو جوازه، مضيفاً أنه يوجد في ديننا الحنيف محفزات شرعية تؤكد على أهمية العلاقة الزوجية واستمراريتها، وأن تكون قائمة على المودة والرحمة، وفيها تحاب وتراحم، ولنا في رسول الله عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم قدوة، فلو التزمنا بشريعتنا في علاقاتنا لما احتجنا إلى تخصيص يوم في العام لنقف على ذكرى معينة، فنحن لم نواكب التطور ولا الدين، مما أدى إلى انخفاض وهج العلاقات بين الزوجين، مضيفاً أن العلاقة الزوجية معرضة للفتور والبرود، لذلك هي بحاجة إلى تجديد وعاطفة، فقد تساهم ذكرى الزواج في إنعاشها، فلو كنا مطبقين الشريعة لما احتجنا إلى يوم لاحياء هذه الذكرى، مبيناً أننا بحاجة إلى تجديد العلاقة الزوجية بين اليوم والآخر عن طريق التهادي والحفلات البسيطة، وليست بشرط أن تكون مقتصرة على الزوجين، بل يجب إشراك الأبناء في هذه المناسبة، ليكون لهم بصمة وينتهجوا نهج والديهم، وأن يعوا أهمية العلاقة التي تربط والديهما ببعضهما البعض. إهمال الغاية وأوضح "د. الدخيل" أنه يجب إيجاد المناسبات ليس لإحياء ذكرى معينة بقدر ما هي لتغيير "الجو" والروتين وكسر حدة البرود العاطفي بين الزوجين، مضيفاً أن العلاقة الزوجية دائماً يعتريها البرود ومن غير المنطقي أن تكون متقدة دوماً، الأمر الذي يجعل لهذه الأيام السنوية دوراً في إحياء العلاقة العاطفية بين الزوجين وإشراك الأبناء لتكون جزءا من علاقاتهم وشخصياتهم، مبيناً أن أثرها لا يكون على الزوجين فقط، بل يتجاوزهما ليصل إلى الأبناء والبنات والأسرة بكاملها، فأثرها جميل جداً، ذاكراً أن بعض ما يخيف الزوجين من الاحتفاء بذكرى الزواج هو التكاليف والتكلف التي تصاحب مظاهر الاحتفاء، متأسفاً أننا أصبحنا نلتفت للجانب المادي في المناسبة أكثر من المناسبة، وهذا أمر قد يؤدي إلى النفور بين الزوجين، فالبعض أهمل الغاية وركز على الوسيلة وهذا أمر مرفوض، مُشدداً على أهمية عدم سيطرة الماديات في العلاقة، وألا يكون لها وزن عند الزوجة أو الزوج، لافتاً إلى أنه يجب التركيز على المناسبة وألاّ يكون فيها تكلف، فالهدف منها تقريب الزوجين، وإعادة الذكرى بشكل رومانسي، مشيراً إلى أن التكلف الحاصل قد يحول الذكرى إلى "زعل" بدلاً من الرضا، فليس بالضروري أن يكون هناك هدايا مادية متبادلة فبطاقة صغيرة أو عبارة ما كافية لإنعاش العلاقة. «قفلي على الموضوع بس..!» الزوجة: حبيبي وش يعنيلك يوم الجمعة الجاي؟ الزوج: عيد المسلمين. الزوجة: أيه، وغير أنه عيد المسلمين؟ الزوج: يوم فضيل. الزوجة: لا،لا، حبيبي يوم الجمعة يوافق 27/4 الزوج: طيب؟ الزوجة: حبيييبي يا بثر، يوم الجمعة ذكرى زواجنا. الزوج: الكلام هذا ما يجوز. الزوجة: أنا ما قلت عيد، أنا قلت ذكرى زواجنا. الزوج: بتحاجيني يلي ما تخافين ربك؟ الزوجة: لا، لا ماراح أحاجك ولا شيء، وثانياً ترى ترك الصلاة ما يجوز وانت ماشاء الله عليك ما تدل المسجد إلاّ يوماً في الأسبوع. الزوج: ولا كلمة! الزوجة: حرام نحتفل بذكرى "نحاستي" يوم أخذتك؟ الزوج: أقول قفلي على الموضوع بس. نموذج حقيقي لقصة بطلها رجل يحرم ما لا يتفق مع جيبه، ويحلل ما هو مستفيد منه، فمثله الكثير الذي يرغب بإراحة رأسه من التفرغ بكلمة: "ما يجوز"، فمتى يعلم بعض الأزواج أن هذه المناسبات ليست منقذا للحياة الزوجية من الملل وحسب، بل هي روح وتجديد لذكريات أنستنا إياها هموم الحياة. الهدايا إعلان صريح على نجاح الجو الأسري شدّد علماء النفس والاجتماع على نقاط مشتركة في موضوع الهدية بين الزوجين، إذ يرون أن الهدية من أحد الزوجين إلى الآخر إعلان صريح على نجاح الجو الأسري داخل المنزل، إضافةً إلى أنها -أي الهدية- دليل على تلك الاستمرارية الصحيحة التي تسير وفقها العلاقة الزوجية، وهي أيضاً أسلوب راق وشديد الحساسية للتعبير عن بقاء الذاكرة الحميمة في مأمن من كل المتغيرات التي تتعرض لها حياة الزوجين. وصنّف علماء الاجتماع هذا السلوك الحي ضمن مظاهر صحية أخرى يجب أن تحدث بين الزوجين، كالتعاون في بعض الأعمال المنزلية، والمشاركة الفعالة في تربية الأبناء، وتخصيص أيام معينة من كل أسبوع أو من كل شهر لتجديد وقود العلاقة الحميمة بينهما، فهذا بمجمله كاف لبقاء الزوجين خارج دائرة الفتور الزوجي الذي تتسلل أعراضه إلى جسد أحدهما أو كليهما في ظل غياب الاهتمام والإحساس بالمشاركة. وشدّد علماء الاجتماع على ضرورة أن تكون الهدية ذات طابع مؤثر، مع تقديمها في الوقت المناسب الذي لا يتلو لحظات الخلاف مباشرة، كما لا يجب تقديمها قبل طلب أحدهما من الآخر إسداء خدمة أو تقديم منفعة؛ لأن هذا قد يعود سلباً على من يتلقاها منهما، خاصةً إذا كان ذا مشاعر مرهفة أو صاحب شخصية حساسة، وكما أن الهدية سبب في إحداث السعادة، وطريقة ذكية لإشعال جذوة الحب من جديد، فهي سلاح عاطفي يجب استخدامه بحذر، فلكل رسول رسالة، والهدية رسول الحب الذي لا يمكن أن تفشل رسالته. ورأى علماء الاجتماع أن الهدية يجب أن تحمل إغراءات القبول، كأن تكون ملائمة لطبيعة أحدهما في الجانب الرومانسي أو الكلاسيكي أو المحافظ؛ لأن لها تأثيرا أكبر حين تكون متحدثة عن ميول الشخص وأنماطه السلوكية، أو متناسبة مع احتياجاته اليومية، ولا يشترط أن تكون باهظة الثمن؛ لأن أهميتها مبنية على التأثير الذي تُحدثه لدى الشريك من جانب معنوي. حالات الطلاق خمسة أضعاف الزواج في المملكة بلغت نسبة الطلاق بين السعوديين (29.150) بنسبة مئوية بلغت (21%)، بمعنى حالة طلاق واحدة مقابل خمس حالات زواج، كما أشارت البيانات الإحصائية الصادرة إلى أن عدد صكوك الطلاق الموثقة في منطقة الرياض بلغ (8429) صكاً، في حين تم تسجيل (6073) صك طلاق في منطقة مكةالمكرمة و(3448) صك طلاق في المنطقة الشرقية، بينما توزعت بقية النسب بين مختلف مناطق المملكة. وأكد الشيخ "محمد الجيراني" -قاض في دائرة الأوقاف والمواريث- -في وقت سابق- على أن من أسباب الطلاق المنظورة في الدائرة التابعة لوزارة العدل، تعود إلى النقص الحاد في العاطفة. وقال: بعض الأزواج لا يهتم بما يعزز العلاقة الزوجية، ومن المعروف أن تقدير الزوجة بأي شكل لا يخالف الدين وتعاليمه وأمر محبب عند الله سبحانه وتعالى. وأضاف أنه جاءت للدائرة إحدى النساء اللاتي تطلب الطلاق بسبب أن زوجها لا يهتم بها، بل ولا يتذكر أي مناسبة جميلة في زواجهما، حيث كان جُل اهتمامه بالطيور فقط، وينفق عليها أكثر مما ينفق على زوجته. وأشار إلى أنه بعد محاولة نصح الزوج لم نفلح معه، فحصل الطلاق مع الأسف، مُشدداً على أهمية عدم التهاون بعاطفة المرأة، فهي الوقود الذي يصنع الألفة والمحبة والعشرة الحسنة بين الزوجين. هشتقة