منذ عدة أشهر، وتنظيم "الدولة الإسلامية" الارهابي يحبس أنفاس العالم، فالاسم الذي اختاره لنفسه، يتسم بالتباهي والاستفزاز. فهو يتحدث عن التفاوض من أجل تبادل للأسرى، وكأن التنظيم دولة حقيقية معترف بها. تنتشر الصور ومقاطع فيديو قطع الرؤوس وحرق الرهائن على الشبكات الاجتماعية، ويتم استدعاؤها على الانترنت مرارا، وبدلا من عدم فتح هذه المواد وعدم ترويجها، يبدو أن العديد من مستخدمي الأنترنت لم يتفطنوا بعد إلى خطورة ذلك ولايشغلون بالهم بذلك فيقومون بإعادة نشر هذه المواد التي تحتوي على صور جرائم القتل البشعة، حيث يعتقدون أن هذه الطريقة الوحيدة التي توضح مدى همجية تنظيم "الدولة الإسلامية". ولكن هل هناك من يشكك في كوابيس الميليشيات الإرهابية التي أصبحت حقيقة قائمة؟. وهل يلزم تداول هذه المواد بهدف رؤيتها؟ لا، ليس بالضرورة. التعامل مع ملفات الفيديو الوحشية تتم معالجتها بطرق مختلفة من قبل وسائل الاعلام، فعلى سبيل المثال رأت قناة "فوكس نيوز" المحافظة الإخبارية بأن من حقها نشر مقطع الفيديو الكامل لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة وقامت ببثه كاملا على الانترنت، في حين قررت قناة "سي إن إن" الأمريكية عدم نشره، كذلك لم تقم محطات التلفزة الألمانية بنشر أية مقاطع من الشريط، بالإضافة إلى إن موقع اليوتيوب يبذل مجهودا من اجل مسح أية مقاطع إعدام من على الشبكة، إلا أن هذا لا يفيد عندما يقوم أنصار من تنظيم "الدولة الإسلامية" بإعادة نشر الفيلم من موقع قناة فوكس نيوز ويفرحون بالاهتمام الإعلامي الغربي. حتى الوسطية تساعد داعش معظم القنوات الإعلامية تأخذ طريقا وسطا عادة، بحيث تقوم بعرض بعض الصور المأخوذة من مقاطع الفيديو. الكثيرون في ألمانيا أيضا يشعرون برغبة في توثيق ما يقوم به تنظيم "الدولة الإسلامية" ، وفي كثير من الأحيان يرفقونها بملاحظة توضح بأن الهدف هو توضيح مدى وحشية وعنف تنظيم "الدولة الإسلامية". إلا أن ذلك يمكن التنظيمات المتطرفة من نشر أفكارها ورموزها بدون أي مشكلة. من لا يعرف صور الجلادين الملثمين؟ وصور الرهائن بالأزياء البرتقالية؟ أو علمهم الأسود ؟ كل قناة، وكل صحيفة، وكل موقع على صفحة الانترنت يجب أن يقرر، ماذا يجب نشره، لان إعادة نشر أي مواد ترهيبية خاصة المرتبطة بداعش يعني المساهمة في إنجاح الحرب النفسية للإرهابيين. فمن خلال نشر القنوات الإعلامية للمواد التي تنتجها داعش، تساعد هذه القنوات التنظيم في أن يظهر نفسه بالطريقة التي يريدها هو، وبالنسبة لداعش فان الهدف ليس على الأرجح كسب أفئدة العالم. فتنظيم "الدولة الإسلامية" يريد إظهار القوة والسيطرة، كما يريد أن يهدد الآخرين، وبالأخص قوات الأمن العراقية، وكل من يفكر في محاربتهم. التنظيم يريد كسر إرادتهم "انظروا هنا، هكذا سيحدث لكم، إذا أردتم الاقتراب" هكذا يتم تلخيص خطاب الإرهابيين، لفهم لماذا تمكن أقل من ثلاثة ألاف مقاتل من داعش في النجاح في احتلال مدينة الموصل العام الماضي، بدون أية صعوبة تذكر. وكيف ان ثلاثة ألوية عراقية هربت و تركت كل شيء وراءها، خوفا من تنظيم "الدولة الإسلامية". ضرورة اعتماد قواعد تحريرية جديدة استطاع تنظيم "الدولة الإسلامية" من خلال آليته الإعلامية الفعالة، وقواعد العلاقات العامة التي أقامها، النجاح في المعارك دون الذهاب إلى المعركة، خصوصا في الغرب، إذ أن العديدين قللوا من قدرة داعش الإعلامية، ومن كفاءتها في العلاقات العامة، فالإرهابيون يتسلحون بأفضل الأسلحة فهم يتوفرون على كتاب ومحررين، ومصورين. وقد استطاع التنظيم أن يفهم كيفية تفكير مؤسسات الإعلام الغربية، من خلال بحثهم عن كل ما هو مثير. تنظيم "الدولة الإسلامية" والتنظيمات الإرهابية المشابهة تجبر القطاع الإعلامي على ضرورة تغيير قواعده التحريرية من أجل منع نشر صور أو مقاطع فيديو يتم بثها من مثل هذه الأطراف، ولقد حان الوقت من اجل القيام ذلك.