(نجلاء) مدرّسة عمرها 30 سنة تعاني من نوبات خفقان شديدة ومتكررة تحدث لها في أوقات مختلفة: في المدرسة أو السيارة أو البيت أو في الطائرة او توقظها من النوم أحيانا.. وهي نوبات خفقان سريع تستمر من 20 الى 40 دقيقة.. يبدأ فيها الخفقان بدون مقدمات مع ضيق شديد في التنفس (كأني أنتفس من خرم أبرة) وألم على شكل نغزات سكين في صدري، تستمر معها هذه الأعراض حتى تذهب إلى طوارئ اقرب مستشفى اليها فعندما يراها الطبيب يقول لها (بكل برود ما فيكشي وفحوصاتك سليمة!!) هذا الموقف تكرر معها في مرات مختلفة بعضها في منتصف الليل ما سبب لها الحرج مع زوجها ومع الأطباء (حتى أصبح تمريض الطوارئ يعرفونها بالاسم.. جت فلانة!!) وكذلك أمام إدراة مدرستها وأمام نفسها ايضا!! ومن المهم معرفة ان تحاليل (نجلاء) الغدة الدرقية والدم (الهيموجلوبين) طبيعية وسونار القلب والهولتر طبيعية، بل الاهم من ذلك كله ان تخطيط القلب طبيعي خلال حدوث تلك الاعراض؟! يأتي مع تلك الاعراض جفاف شديد في الحلق حتى انه أحيانا ينعقد لسانها (كما تصف)، وتنميل في الأطراف وإحساس بخوف شديد وإنها ستموت حالا وفي بعض الاحيان تنطق الشهادة وتوصّي زوجها على عيالها ..الخ. ومن المهم كذلك معرفة ان نجلاء لا تعاني من اي أمراض مزمنة ولا ارتجاع في المرئ ولا تأخذ اي ادوية وفحوصاتها الباقية من الدم والقلب طبيعية تماما!! السؤال الذي يطرح نفسه أين تقع المشكلة؟؟ الوصف أعلاه هو الوصف التقليدي لحالات نوبات الهلع وسنتحدث عنها بشيء من التفصيل صفات هؤلاء المرضى: عادة هي تصيب النساء اكثر من الرجال بنسبة الضعف تقريبا واعمارهم من العشرين الى الاربعين سنة وهم اشخاص طبيعيون جدا في باقي حياتهم بل إني رأيت منهم من يقود مناصب قيادية في مجالات مختلفه، تجد ان اغلب اعراضهم العضوية تدور حول القلب كما وصفنا أعلاه او الدماغ بالدوخة والصداع او المعدة بآلام القولون العصبي، حيث تجدهم يتنقلون بين اطباء القلب والجهاز الهضمي والصدرية فقد رأيت احد المرضى مر على اكثر من اثني عشر طبيب قلب داخل المملكة وخارجها وعمل قسطرة لشرايين القلب ومئات من تخطيطات القلب وكلها كانت طبيعية، وندرة من الاطباء في القطاع الخاص داخل وخارج المملكة يستغلون حاجة هؤلاء ومعاناتهم لإجراء المزيد من الفحوصات وكسب المزيد من المال، ومن الصفات الصعبة لديهم انهم لا يصدقون طبيباً واحداً، بل انهم حينما يسمعون بطبيب في مكان ما يشدون اليه الرحال لعله يكتشف شيئا لم يسبقه احد عليه!! وقد رأيت بعضهم يبتعد عما أحل الله له لأنه يربطها خطأ بحدوث نوبة الهلع مثلا: يجتنب ركوب السيارة !! او القهوة!! او يتفادى معاشرة أهله لأن هذه النوبة حدثت في آخر مرة بعد المعاشره الزوجيه!! ومن الممكن ان يظل في هذه الحلقه المفرغه عشر سنين او اكثر قبل ان يصل احد الاطباء لتشخيصه، وجزء من المشكلة انهم لا يستقرون مع طبيب واحد بل في إحدى الدراسات وجدوا أن 70% منهم رأوا اكثر من عشرة اطباء في تخصص معين!! ويتضايقون كثيرا عندما تكون فحوصاتهم سليمة ويبدأون في دوامة البحث مرة اخرى عند طبيب آخر!! بل ان بعضهم تجده يحمل كيساً من الأدوية والمسكنات للقلب والقولون وضيق التنفس والصداع والنوم، الخ. ويوجد عند بعضهم ارتخاء الصمام المترالي ويضعون عليه (مخطئين) جميع اللوم وهو ليس له علاقه بتلك النوبات ويجب ان تعالج على حده، وهؤلاء المرضى كما تشير الدراسات تعرضوا لضغوطات نفسية شديدة في طفولتهم قد لا يستطيعون البوح بها الى أقرب الناس اليهم فيجب معاملتهم بعناية وتحسس ما يؤذيهم والابتعاد عنه. العلاج: قبل عمل التشخيص لابد من التأكد انهم لا يعانون اي مرض عضوي مثل فرط نشاط الغدة الدرقية او انقطاع النفس الليلي او ارتفاع الضغط او قصور شرايين القلب او جلطة الرئة،الخ. كذلك يترك التشخيص للطبيب النفسي ويشجع المريض على زيارته ولكنه يتم اقناعه ان نوبات الهلع لا تعني انك مجنون او فاقد للأهليه لأن أغلبهم في مجتمعنا ينكرون بشدة ان يكون مرضهم نفسيا او يحتاجون طبيب نفسي واذا ذهبوا اليه فإنه مجاملة لطبيبهم الاصلي وان اخذوا العلاج فلا يستمرون عليه، والمشكله ان المرض مزمن ويحتاج علاجاً بالادوية وبالجلسات النفسية ويحتاج الى تعاون الزوج او الزوجة بتخفيف الضغوط النفسيه قدر الامكان عن ذلك المريض والتفاهم مع جهة عمله بإعطائه اعمال خفيفة العبء وليس فيها ضغط او توتر نفسي او مقابلة جمهور، حيث يصل التحسن الى 65% خلال السنة الأولى ولكن النوبات نفسها قد ترجع في حوالي 20% من الحالات ولذلك لا غنى عن المتابعة مع الطبيب النفسي، ومن المعروف كذلك انها تخف كثيرا مع التقدم في السن.